مع بداية يناير/كانون الثاني 2021، عُقدت اجتماعات قادة الفصائل المسلحة العراقية مع مسؤولين إيرانيين بالعاصمة طهران، وذلك قبل أيام قليلة من إحياء إيران للذكرى الأولى لاغتيال قاسم سليماني ورفيقه مهدي المهندس.
اجتماعات قُم
بداية 2021 سافر قادة الفصائل المسلحة والأحزاب العراقية إلى إيران، وبعضهم حلّ بمدينة قُم الإيرانية؛ للاجتماع بمسؤولي المخابرات الإيرانية والحرس الثوري.
وكشفت مصادر عراقية إيرانية لـ"عربي بوست"، تفاصيل اجتماعات قا_il:<دة الفصائل المسلحة العراقية مع مسؤوليين إيرانيين، والتي عُدت بعشرات الاجتماعات خلال يومين فقط، بغية معالجة العديد من القضايا الشائكة، تجنباً لتدهور الأوضاع أكثر في المنطقة.
وقال قائد شبه عسكري في كتائب حزب الله العراقية، كان قد اجتمع مع مسؤولين كبار في وزارة الاستخبارات الإيرانية، لـ"عربي بوست"، إنهم "قدموا شكاوى ومقترحات للمخابرات الإيرانية، وعلى رأسها ما يتعلق بالجنرال إسماعيل قاآني شخصياً".
وقال المتحدث إنه "مر عام كاملٌ على تولي الجنرال قاآني قيادة قوة القدس، وطوال هذا العام زار العراق مرات محدودة جداً، وأغلب الزيارات كانت بناء على طلب من الكاظمي، أو المسؤولين السياسيين لحل بعض الخلافات"، مؤكداً أنه "لا يوجد تواصل بين الفصائل المسلحة الموالية لإيران وقاآني إلا في مناسبات قليلة".
وأضاف المتحدث: "دائماً ما نشعر بأن الجنرال إسماعيل قاآني لا يريد التورط في خلافات الفصائل المسلحة الموالية لطهران بالعراق، يأتي ليسلمنا رسائل من المسؤولين الإيرانيين ويذهب دون فعل أي شيء آخر، إنه نقيض سليماني تماماً".
وبحسب مصادر عراقية حضرت اجتماعات قادة الفصائل المسلحة العراقية مع مسؤولين إيرانيين بالعاصمة طهران، فإن قادة الفصائل طالبوا بإيجاد طريقة أخرى للتواصل مع الحرس الثوري الإيراني، وأبلغوا المسؤولين الإيرانيين بما يشغل بالهم من ناحية الجنرال إسماعيل قاآني.
خطة إيرانية جديدة
بعد اجتماعات قادة الفصائل المسلحة العراقية مع مسؤولين إيرانيين، تم التوصل إلى ضرورة تنفيذ الخطة الإيرانية الجديدة التي تم التخطيط لها منذ عدة أشهر، من طرف الاستخبارات بطهران.
مسؤول مخابراتي إيراني كشف لـ"عربي بوست" ملامح الخطة الجديدة لإيران، قائلاً إنه "بعد اغتيال الجنرال سليماني كنا قد توصلنا إلى ضرورة عودة الملف العراقي إلى وزارة الاستخبارات الإيرانية، وترك التصرف الكامل مع شركائنا العراقيين لمسؤولي المخابرات، لكن الأمر قد تم تأجيله لشهور".
وبحسب المسؤول المخابراتي، فإن وزارة الاستخبارات الإيرانية كانت قد وضعت خطة في وقت سابق من عام 2020 للتعامل مع الملف العراقي، بعيداً عن قوة القدس التابعة للحرس الثوري.
وكشف المصدر ذاته أن "هناك بعض الأخطاء في التعامل الإيراني من جانب قوة القدس بشان الملف العراقي، من بين هذه الأخطاء تأجيل خطتنا، لكن الآن وبعد الاجتماع مع القادة العراقيين السياسيين والعسكريين، فإن الخطة جاهزة للتنفيذ في أسرع وقت".
وبحسب مصادر إيرانية، فإن وزارة الاستخبارات بطهران أعدَّت خطة جديدة كلياً للتعامل مع الملف العراقي، على رأسها السيطرة الكاملة على الفصائل المسلحة العراقية وحل النزاع بينها، ودعم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وإقامة الانتخابات البرلمانية المبكرة في موعدها الذي حدده الكاظمي في وقت سابق من عام 2020، على أن يتم إجراؤها في 6 يونيو/حزيران 2021.
وعلّق قائد شبه عسكري لفصيل عراقي مسلح مدعوم من إيران، لـ"عربي بوست"، على الخطة الإيرانية الجديدة، قائلاً إنه "لم يتواصل بشكل شخصي مع المخابرات الإيرانية، خاصة قبل اغتيال سليماني، لكن الآن الأمور فرضت نفسها ويجب التعامل مع الخطة الجديدة بمنتهى الجدية؛ لمنع اقتتال داخلي وسط الفصائل المسلحة".
ويبدو أن العديد من قادة الفصائل المسلحة، وقادة الأحزاب الشيعية العراقية الذين تحدثوا إلى "عربي بوست"، متفائلون بشأن الدور الجديد لوزارة الاستخبارات الإيرانية في التعامل مع الملف العراقي.
يقول سياسي شيعي عراقي مقرب من إيران، لـ"عربي بوست"، إن "وزارة الاستخبارات الإيرانية تريد تصحيح أخطاء الماضي، والتعامل بشكلٍ أكثر احترافية، بدلاً من التعامل الأمني فقط مع العراق"، مضيفاً أن "الإيرانيين عازمون على عدم التخلي عن نفوذهم بالعراق، ولكن يدركون في الوقت نفسه، أنه آن أوان تغيير بعض الخطط للحفاظ على هذا النفوذ".
إعادة هيكلة الحشد الشعبي
ومن ضمن الخطة الإيرانية الجديدة تجاه العراق، وبحسب قادة الفصائل المسلحة العراقية، الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، إعادة هيكلة هيئة الحشد الشعبي التي تضم الفصائل المسلحة الموالية لإيران، إلى جانب عددٍ من الفصائل الأخرى التي تعلن ولاءها لرجل الدين العراقي البارز، آية الله العظمى علي السيستاني.
يقول زعيم سياسي شيعي بارز مقرب من إيران، لـ"عربي بوست"، إن "المسؤولين الأمنيين في إيران يريدون إعادة هيكلة الحشد الشعبي بأي شكل من الأشكال، خاصة بعد الانقسامات المتتالية الأخيرة، ويرون أن هذا الأمر من الممكن أن يساهم في استقرار الأمور داخل العراق".
وبحسب الزعيم السياسي العراقي فإن "وزارة الاستخبارات الإيرانية تتطلع إلى حل بعض الفصائل المسلحة العراقية، خاصةً الصغيرة والجديدة، والإبقاء على فصلين أو ثلاثة فقط داخل هيئة الحشد الشعبي".
كما أن الإيرانيين، حسب المصدر ذاته، "يسعون إلى تغيير النظرة العراقية الشعبية للفصائل المسلحة الموالية لهم، ويريدون تصحيح مسار هذه الفصائل، والقضاء على القادة الفاسدين والمتمردين، ومن الممكن أن تكون الخطوة التالية هي إلزام الفصائل التي سيتم اختيارها، بالخضوع التام لقانون القوات المسلحة العراقية".
ورداً على سؤال "عربي بوست" هل ستوافق الفصائل المسلحة العراقية على إعادة الهيكلة؟ قال قائد شبه عسكري في كتائب حزب الله العراقية، لـ"عربي بوست": "لم لا؟ نحن نقر بالمشكلات والصراعات الأخيرة، وندرك أن الأمور لن تسير بشكل جيد، إذا استمرت هذه الصراعات بيننا، وإذا كان الحل هو إعادة الهيكل، فسنعمل على ذلك".
قائد جديد للحشد الشعبي
وإلى حدود الثلث الأول من شهر يناير/كانون الثاني 2021، ما زالت الاجتماعات والمفاوضات بين القادة العراقيين والإيرانيين مستمرة بخصوص تنفيذ بنود الخطة الإيرانية الجديدة كافة وكيفية إعادة هيكلة الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران في المستقبل القريب.
وعلِم "عربي بوست"، من مصادر أمنية إيرانية، أن وفداً أمنياً إيرانياً زار بغداد خلال اليوميين الماضيين، والتقى رئيسَ الوزراء العراقي، مصطفى الكاظم، في زيارة غير معلنة؛ لمناقشة ما تم التوصل إليه في اجتماعات طهران، بين القادة الإيرانيين والعراقيين.
ويقول قائد شبه عسكري لفصيل مسلح مدعوم من إيران، لـ"عربي بوست"، إن "الأيام المقبلة ستشهد إعادة ترتيب لهيئة الحشد الشعبي، وتوزيع المهام على القادة الجدد، إضافة إلى التواصل بشكل أفضل بين الفصائل والحكومة العراقية لدعم استقرار وأمن العراق".
تمرد الفصائل المسلحة العراقية
وفي الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، هاجمت "عصائب أهل الحق"، الفصيل العراقي المسلح والمقرب من إيران، السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد، أكثر من مرة، إضافة إلى استهداف القوات الأمريكية بالعراق.
وعلى الرغم من إصدار إيران أوامرها للفصائل العراقية بعدم استهداف أي من الأصول أو البعثات الأمريكية في البلاد، حتى تنتهي ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 يناير/كانون الثاني 2021، فإن عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، أعلنت تمردها على الأوامر الإيرانية، رغم التزام بقية الفصائل المسلحة الأخرى.
مقابل ذلك زار الجنرال إسماعيل قاآني، بشكل مفاجئ، العاصمة العراقية بغداد، بناء على طلب من رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي؛ في محاولة لكبح جماح عصائب أهل الحق، والسيطرة على بقية الفصائل المسلحة، قبيل الذكرى السنوية لاغتيال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس.
واجتمع الجنرال قاآني مع الكاظمي في مكتبه بالمنطقة الخضراء، ثم ذهب للقاء قادة الفصائل والأحزاب العراقية، في منزل هادي العامري، قائد منظمة بدر، أكبر وأقدم فصيل عراقي مسلح موالٍ لإيران.
من جهته أرسل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وفداً أمنياً إلى العاصمة طهران بشكل مستعجل؛ لمناقشة تمرد "أهل الحق".
وكشف أحد مستشاري الكاظمي، والذي كان أحد أعضاء الوفد الذي زار طهران، لـ"عربي بوست"، أن "الكاظمي كان يخشى انتقام ترامب في الأيام الأخيرة من ولايته، وذلك بعد تهديد وزير خارجيته، مايك بومبيو، بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد حتى إشعار آخر، إلى جانب استهداف الفصائل المسلحة المتورطة في الهجوم على السفارة".
وكشف مصدر "عربي بوست"، أن الكاظمي شعر بقلق كبير، من تحويل العراق إلى ساحة حرب، خاصة مع اقتراب الذكرى السنوية لاغتيال سليماني والمهندس، فأرسل الوفدَ الأمني لطلب المساعدة الطارئة من طهران.
من جهتها اعتقلت قوات الأمن العراقية المسؤولَ عن إطلاق الصواريخ في عصائب أهل الحق، وقبلها بأيام قليلة، تم اعتقال حامد الجزائري، وعلي الياسري، وهما من قادة كتائب الخراساني، وهي فصيل مسلح عراقي موالٍ لإيران، بتهمة الخطف والابتزاز والفساد المالي والإداري.