قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إن المصالحة الخليجية شكلت "آخر الضربات" التي يتلقاها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قبل أيام من تنصيب رئيس جديد للولايات المتحدة، كما أضافت أن مصر غير مرتاحة للتهميش الذي طالها أيضاً في ملف تطبيع الدول العربية مع إسرائيل، خاصة عندما تعلَّق الأمر بالسودان.
بحسب المستشرق الإسرائيلي، تسفي بارئيل، الذي نشر مقاله في صحيفة "هآرتس" العبرية، الجمعة 8 يناير/كانون الثاني 2021، فإن السيسي لم يكن راضياً عن بنود المصالحة الخليجية مع قطر، بدليل غيابه عن القمة التي احتضنتها السعودية والاكتفاء بإرسال وزير الخارجية سامح شكري، "الذي رحب بالاتفاق بعبارات فاترة"، يقول المقال.
الصحيفة الإسرائيلية قالت إن "اتفاق العُلا" اعتبره السيسي "تنازلاً مفرطاً لصالح الدوحة، وانتهاكاً لمصالح القاهرة، وغضب من إلغاء مطلب إغلاق قناة الجزيرة، ووقف قطر عن دعم الإخوان المسلمين".
كما أشار إلى أن تفاصيل الاتفاقية التي سبقت مفاوضات رفع المقاطعة، والعقوبات المفروضة على قطر في يونيو/حزيران 2017، لم يتم الإفصاح عنها بعد، ومع ذلك فإن موقف مصر السيسي من قناة الجزيرة ما زال، وكذلك حرب الاستنزاف التي تخوضها ضد جماعة الإخوان المسلمين، وهما القضيتان اللتان انضمت بسببهما في البداية إلى السعودية والإمارات والبحرين في مقاطعة الدوحة.
مخاوف مصرية من الدور الإماراتي في المنطقة
وفق ما ذكره الكاتب الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية بصحيفة "هآرتس"، فإن السيسي اتخذ موقفاً أمامياً ضد السعودية، لتخريب مساعيها لإعادة بناء صورتها في الولايات المتحدة بالمصالحة مع قطر، لذلك اختار القيام بتمرين دبلوماسي معروف.
وطالما أن الإمارات والبحرين على خط المواجهة مع قطر، فقد بدأت تظهر صدوع في هذا التحالف مؤخراً، ويرجع ذلك أساساً لمخاوف مصر من أن دول الخليج، والإمارات خصوصاً، بدأت في تآكل موقعها بالشرق الأوسط.
كما أوضح أنه من خلال توقيع اتفاقيات التطبيع بين أبوظبي وإسرائيل، "لم يكن السيسي في دائرة الاستشارات التي قادها ولي العهد محمد بن زايد؛ لأنه لم يكن متحمساً لمبادرتها"، يرجع ذلك أساساً إلى أنه أراد أن يكون صاحب أقوى تحركات سياسية مع إسرائيل، وخشي أن يُسقط الاتفاق وصاية مصر على الحالة الإسرائيلية، وأن تظهر الإمارات واحة للسلام.
غضب السيسي من سيطرة الإمارات على ملف التطبيع
الكاتب الإسرائيلي قال إن السيسي ظهر غاضباً من سلوك الإمارات المستقل عنه في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وعانى لإخفاء شعوره بالراحة، صحيح أنه أول من رحب بالاتفاق، "لكنه امتنع عن إرسال سفير إلى واشنطن لحضور حفل التوقيع، مما أكد عدم وجود مؤشرات لتصحيح الخلافات بين السيسي وبن زايد، خاصةً أنهما اختلفا بشأن الحرب في ليبيا؛ لأن الجبهة الليبية تشكل تهديداً لأمن القاهرة القومي".
أضاف أن أبوظبي تسعى للحد من توسيع مصر دائرة نفوذها في المنطقة، لمواجهة ما تراه استيلاء الإمارات على الفضاء العربي، ويتعلق الأمر بتدخلها في القرن الإفريقي، حيث تعهدت أبوظبي بتحويل 3 مليارات دولار ، وتوسطت في اتفاق المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا في 2018، كما تعمل على تعزيز التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل، بما يثير مخاوف مصر من أن تصبح إفريقيا قاعدة استخبارات إسرائيلية.
خاصة عندما تعلَّق الأمر بالسودان
بينما أشار إلى أن السيسي حاولت إقناع السودان بدعم إقليم تيغراي في الصراع الداخلي بإثيوبيا، وطالبت أبوظبي بالضغط على أديس أبابا بشأن قضية سد النهضة، وممارسة نفوذها الاقتصادي لحمل إثيوبيا لقبول مطالبهم، للتأكد من أن بناء السد لن يضر بمصالح القاهرة بتوزيع المياه والجوانب الحيوية المتعلقة بالنهر، لكن الإمارات لم تفعل ما يكفي في هذا الشأن لصالح مصر.
فيما أكد أن "مصر قلقة من التقارير التي تتحدث عن نوايا مشتركة لإسرائيل وأبوظبي لبناء قناة مائية تربط البحر الأحمر عبر إيلات بميناء حيفا، وإنشاء خط أنابيب نفط بين إيلات وأسدود، وتعاملات الإمارات مع الشركات الإسرائيلية في مناقصة لشراء ميناء حيفا، وهي خطوة ستلحق ضرراً قاتلاً بأحد مصادر الدخل المهمة لمصر وهي قناة السويس، مما يقلل من مكانتها الإقليمية في المنطقة".
أضاف أنَّ دفع عملية التطبيع بين إسرائيل والسودان شكلت محطة جديدة في خلافات القاهرة وأبوظبي، حين أقنعت الأخيرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإزالة الخرطوم من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وتوسطها بين الخرطوم وموسكو لإنشاء قاعدة بحرية روسية بمدينة بورتسودان الساحلية.
كيف ستؤثر المصالحة على الشرق الأوسط؟
لا يزال الوقت مبكراً حتى تتضح تأثيرات المصالحة الخليجية على العلاقات بين دول الشرق الأوسط بشكل عام، ويرى بعض المحللين أن المصالحة على الأرجح ستؤدي إلى تغيير تدريجي في التحالفات الحالية التي يراها البعض في إطار محور قطري-تركي في مواجهة محور سعودي-إماراتي-مصري.
لكن يظل الطريق طويلاً وغير مؤكد حتى الوصول إلى محور خليجي-عربي متحد يجمع دول الخليج ومعها مصر في مواجهة إيران أو حتى تركيا، بحسب تقرير فوربس.
فقد نقلت صحيفة Washington Post الأمريكية عن مسؤول في إدارة ترامب مطَّلع على كواليس مفاوضات اتفاق المصالحة الخليجية، قوله إن رباعي دول الحصار قد وافقوا على التخلي عن قائمة الـ13 شرطاً، التي قدموها لقطر في بداية الأزمة عام 2017، والتي كان من بين ما تضمنته إغلاق قناة "الجزيرة" وتقليص تعاون قطر مع إيران.
في المقابل، وافقت قطر على تجميد الدعاوى القضائية التي رفعتها الدوحة ضد دول الحصار، سواء الدعاوى المرفوعة في منظمة التجارة العالمية، وحتى في مؤسسات أخرى.
يرى بعض المراقبين أن المصالحة الخليجية ربما تؤدي إلى تقارب أكبر بين الدوحة والرياض على المدى القصير وهو ما قد ينتج عنه لعب قطر دور الوساطة بين السعودية وتركيا لتقريب وجهات النظر بين البلدين، وهو ما قد يمثل تغييراً ملموساً في المشهد السياسي بمنطقة الشرق الأوسط.
اتفاق المصالحة قد لا يكون مُرضياً لأبوظبي والقاهرة
لا شكَّ في أن مشهد العناق الحار بين الشيخ تميم أمير قطر وولي العهد السعودي لدى وصول الأول إلى مقر القمة، ربما يمثل أهم لقطات القمة الخليجية، وفي المقابل فإن غياب ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن الحضور يمثل علامة استفهام أيضاً.
يبدو أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بالأساس بين الدوحة والرياض ليس مُرضياً للقاهرة وأبوظبي، فكلتاهما كانت تضع قطع قطر علاقاتها مع جماعات الإسلام السياسي، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، شرطاً أساسياً رفضته قطر، لأنه يمثل تعدياً على سيادتها، مما يفتح الباب أمام تغييرات قد تحدث في العلاقات بين مصر والإمارات من جانب والسعودية من جانب آخر، بحسب بعض المحللين.
التغيير الآخر المتوقع أن ينتج عن المصالحة، وقد لا يستغرق وقتاً طويلاً، يتمثل في دور الولايات المتحدة بالمنطقة وهو الدور الذي شهد تراجعاً كبيراً طوال السنوات الأربع الماضية التي كان فيها ترامب بالبيت الأبيض ومهد المجال لتوسيع روسيا نفوذها في المنطقة سواء في سوريا أو ليبيا.
من المتوقع أن تتخذ إدارة بايدن نهجاً مختلفاً وتعود للاشتراك أكثر في قضايا المنطقة وأبرزها بالطبع التهديد الذي تمثله إيران لدول الخليج وللمنطقة بشكل عام، ووجود موقف خليجي موحد يعتبر أمراً حيوياً في هذه النقطة بالتحديد، وهنا يأتي دور المصالحة الخليجية التي من المنتظر إعلان تفاصيلها الكاملة مع البيان الختامي لقمة العُلا بالسعودية.