وصف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في وقت متأخر من يوم الخميس 7 يناير/كانون الثاني، اقتحامَ حشدٍ من أنصاره لمبنى الكابيتول بأنه "هجوم شنيع"، وقال إنه سيترك منصبه بسلام في 20 يناير/كانون الثاني، وذلك بعد أن واجه انتقادات حادة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لرد فعله المتهاون مع أعمال الشغب وتصاعد الضغوط من أجل إقالته.
هذه التطورات التي شهدتها واشنطن، خاصة التحول الكبير في موقف ترامب، سلطت الضوء على كواليس اللحظات التي عاشها الرئيس في ظل هذه الضغوط الكبيرة التي انهالت عليه.
بحسب صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، فإن مقطع الفيديو الذي نُشر على موقع تويتر بعد الساعة 7 مساءً بقليل، جاء بعد ضغوط من مستشاريه بضرورة إبداء ردٍّ أشد قوة على أعمال الشغب التي وقعت في مبنى الكابيتول، والتي خلفت أربعة قتلى.
دونالد ترامب في حالة غضب وعزلة
كان عدد من أقرب مستشاري الرئيس قد أدانوا علناً رد فعله المتقاعس على العنف الذي وقع، وحذر مستشار البيت الأبيض الرئيسَ من أنه يخاطر بالتعرض للمساءلة القانونية عن أعمال الشغب التي امتنع عن إدانتها على نحو واضح، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على المحادثة بينهما.
قبل ذلك، كان ترامب قد أمضى يومه في البيت الأبيض في انقطاعٍ إجباري عن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت يوماً داعمه الأساسي في الوصول إلى السلطة، وأشار مستشارون إلى أنه أمضى يومه في عزلة وغضب متصاعدين، وذلك بعد أن أُغلق حسابه على موقع تويتر لفترة، وحظر موقع فيسبوك صفحته، مستندين إلى منشورات اعتبروها تحرّض على العنف أو تنطوي على محاولات تقويض للعملية الانتخابية.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت مصادر إلى أن أعضاء في الدائرة المقربة لترامب، منهم رئيس موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز وكبير المستشارين ستيفن ميللر والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كايلي ماكناني ومحامي البيت الأبيض بات سيبولوني وابنة ترامب إيفانكا، كل هؤلاء حثّوه على إصدار بيان آخر يوم الخميس؛ لأن الناس -بحسبهم- في حاجة إلى السماع مباشرة من الرئيس.
فيما قال مساعدون لترامب إن دائرته المقربة نصحته بأنه من المهم ثني المؤيدين عن المشاركة في أي أعمال شغب عنيفة باسمه، خاصةً مع اقتراب يوم التنصيب.
في لحظات الأزمات الماضية، غالباً ما كان يقضي ترامب يومه بالساعات على الهاتف، ويتصل بالعشرات من أصدقائه ومستشاريه للحصول على ما يريده. لكن هذا لم يكن الحال يومي الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني والخميس 7 يناير/كانون الثاني.
كما أكد مساعدو ترامب أن العديد من أقرب مستشاري الرئيس أدانوا علانيةً رده المتهاون على أعمال الشغب. كما أنه رفض تلقي مكالمات من مستشارين له، منهم حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستس، الذي قال إنه أمضى 25 دقيقة يوم الأربعاء في محاولةٍ للوصول إلى الرئيس لحثِّه على الدعوة صراحةً لوقف العنف.
علاوةً على ذلك، قال مستشارون إن ترامب لا يزال مستغرقاً في غضبه حيال نائبه مايك بنس، بشأن ما اعتبره خيانة لرفض الأخير محاولة منع تصديق الكونغرس على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن في الانتخابات.
في الوقت ذاته ابتعد كثير من مسؤولي البيت الأبيض عن مكتب ترامب يوم الخميس، راغبين في تجنب الرئيس الذي وصفه أحد المستشارين بأنه "في عزلة مظلمة"، وقال مستشارون إن ترامب يبدو أكثر انشغالاً بخسارته في الانتخابات من ندمه على أعمال الشغب التي وقعت.
فيما قال مستشار آخر تحدث إلى الرئيس مؤخراً: "إن الأمر أشبه برؤية شخص ما وهو يدمر نفسه أمام عينيك، لكنك عاجز عن فعل أي شيء له".
المسؤولون يتخلون عن ترامب
على الجانب الآخر، انزعج عديد من مساعدي ترامب من هجماته الحادة على نائبه بنس، أحد أشد حلفائه ولاءً، فيما أشاد بعض مستشاري الرئيس الآخرين بموقف بنس، لاتباعه الدستور رغم ضغوط ترامب لإلغاء نتيجة الانتخابات.
وقال مقربون إن الدائرة المقربة من ترامب تقلصت لتصبح أصغر من أي وقت مضى، خاصة بعد أن بلغ الأمر ببعض أقوى المدافعين عنه حدَّ إعلان النأي عنه، وعلى رأسهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي أعلنها في قاعة مجلس الشيوخ يوم الأربعاء: "اعتبرني منسحباً [من تأييد هذا الموقف]. لقد طفح الكيل". ووصف أحد المستشارين سلوك الرئيس بأنه غير منتظم على نحو متزايد ولا يمكن التنبؤ به.
كما تبدت ملامح هذا الانفضاض عن الرئيس مع إعلان وزيرة النقل إيلين تشاو استقالتها من الحكومة يوم الخميس، وما تبعها من استقالة وزيرة التعليم بيتسي ديفوس مساء الخميس، والتي قالت في رسالة إلى ترامب إنه "لا يمكن لأحد أن يخطئ في أنه كان ثمة تأثير لخطابك" في أحداث يوم الأربعاء. كما استقال ما لا يقل عن خمسة مسؤولين آخرين في الإدارة، وفكر آخرون، منهم مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، في القيام بذلك، على حد قول مساعدين.
في المقابل، كافح مساعدو ترامب لإقناعه بضرورة إدانة العنف الذي وقع في الكابيتول، وقال أشخاص مطلعون على المحادثات إن مستشاري الرئيس، ومنهم نائبه، شعروا بالفزع بسبب إحجامه عن القيام بذلك.
غموض حول الأيام المتبقية لترامب في الرئاسة
لا يزال من غير الواضح كيف ستبدو الأيام الثلاثة عشر المتبقية من رئاسة ترامب، لا سيما مع إشارة عديد من المسؤولين إلى صعوبة إبقاء تركيز انتباه ترامب على الأمور السياسية والأوامر التنفيذية المفترض توقيعها.
وفي ظل هيمنة نقاشات العفو على مسؤولي الإدارة في الأسابيع الأخيرة، قالت مصادر إن ترامب أبلغ مستشاريه مؤخراً بأنه يفكر في إصدار عفو عن نفسه قبل مغادرة المنصب، وإن كان ثمة شكوك قانونية تحيط بذلك الأمر. وكانت صحيفة The New York Times أول من أشار إلى التفات ترامب إلى هذا الأمر.
لكن، وفي حين قالت وزارة العدل في مذكرة قانونية تعود إلى عام 1974 إن الرئيس لا يمكنه العفو عن نفسه بموجب المبدأ القانوني القائل: "لا يجوز لأي شخص أن يكون قاضياً في قضيته"، فإن بعض العلماء القانونيين يختلفون مع هذا الرأي، علاوةً على أن ترامب قال في عام 2018 إن لديه "الحق المطلق" في العفو عن نفسه، قبل أن يضيف: "لكن لماذا أفعل ذلك، وأنا لم أرتكب أي شيء خاطئ؟".