عاد ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا للنقاش بين القوى السياسية داخل لبنان وخارجه، في ظل استمرار التجاوزات على الحدود والمعابر التي يُسيطر عليها حزب الله، ويقود عمليات تهريب غير شرعية من لبنان إلى سوريا.
ومن بين الأزمات التي يخلقها عدم ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا عمليات تهريب البضائع والمواد من لبنان بالاتجاه السوري، على حساب مخزون المواد الغذائية، والوقود التي يُحرم منها الاقتصاد اللبناني من احتياطي العملة الصعبة المتبقية في المصرف المركزي.
روسيا وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا
أمام أزمة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا تبدي موسكو خشيتها من محاولات تجاوزها المستمرة فيما يرتبط بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، والذي تسعى إلى عرقلته دون مشاركتها المباشرة في العملية، في ظل إصرار الرئيس اللبناني، ميشال عون على إجراء عملية التنقيب عن النفط في المياه اللبنانية (البلوكات) لتسجيل إنجاز في ولايته الرئاسية.
من جهته يقول الصحفي والمحلل السياسي منير الربيع إن هناك من يترقّب في لبنان شروطاً جديدة على خطّ ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وبناء عليه يتم الحديث في بعض الدوائر حول دور روسي متجدد في الملف الذي سيثير الجدل في المرحلة المقبلة.
وأضاف ربيع لـ"عربي بوست" أن "موسكو أبدت استعدادها سابقاً للمساعدة على ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، تزامناً مع شروط أمريكية متشددة حول وجوب ضبط المعابر الحدودية بين البلدين ووقف التهريب، الأمر الذي لا يمكن أن يتم دون ضبط الحدود بشكل رسمي ونهائي".
وأشار المتحدث إلى "ضرورة نشر قوات عسكرية وأمنية لبنانية على طول الحدود الشرقية والشمالية، مقابل تكفّل موسكو بضبط الوضع من الجانب السوري"، مفترضاً "إرسال روسيا موفداً لها إلى لبنان في الأيام القادمة، للبحث في المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين، وفي ملف ترسيم الحدود الشرقية والشمالية، في المرحلة المقبلة".
مطلب أمريكي ورغبة غربية
لا تنفي واشنطن رغبتها في ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وأن جزءاً من أجندتها المعلنة في لبنان، هو حل لأزمة هذه الحدود، التي تعرف تجاوزات كثيرة في المنطقة، نفس الرغبة تشاطرها فيها دول غربية.
وكشف مصدر دبلوماسي لـ"عربي بوست" أن مجموعة دبلوماسية تضم سفراء كل من الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، تواصلت مع الجهات اللبنانية الرسمية للضغط باتجاه ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا بشكل سريع.
وأضاف المصدر ذاته أن التمثيلية الدبلوماسية للدول الغربية أكدت أن عدم ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، يتُسهل لحزب الله نقل صواريخِه الدقيقة إلى سوريا على مقربة من منطقة "جديدة يابوس" القريبة من الجولان السوري المحتل.
ولا ينفي مصدر ذاته تزامن المطالب الأميركية برغبة دول غربية لإنهاء ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، تزامناً مع عملية المفاوضات الجارية مع الجانب الإسرائيلي برعاية أميركية، وفي ظل الحضور الروسي في سوريا.
وأضاف المصدر ذاته أن تأخير ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا يزيد مخاوف دولٍ أوروبية، والتي ترى أن الحدود هي مسار تصدير المجموعات الإرهابية بين الدولتين.
وأكد مصدر "عربي بوست" أن عرقلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا كان بسبب أن وفد الصندوق الذي فاوض الحكومة اللبنانية على مدى أشهر كان يصر على عملية الترسيم وضبط الحدود، لأن العملية تعني ترجمة فعلية لضبط النفقات اللبنانية، ومنع تحويل الاحتياطي من الدولار والوقود والغذاء إلى سوريا.
ووفق دراسة صندوق النقد الدولي فإن لبنان استنزف 4 مليارات دولار منذ مطلع عام 2018 حتى اليوم في تهريب البنزين وغيره من المحروقات بعيداً عن حاجيات لبنان من هذه المواد، بما يزيد على 150% من احتياطي مصرف لبنان القابل للاستخدام من الدولار الأمرييكي.
وبسبب هذه الأرقام ترى دول أوروبية أن عملية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا أصبحت ضرورة حتمية، خصوصا بعد تؤكدها من أن مساعداتها للبنان يهربها حزب الله لدعم صمود نظام الأسد في سوريا.
تقوية الجيش
كشف مصدر"عربي بوست" أن دولاً غربية تسعى إلى دعم الجيش اللبناني كونه الوحيد القادر على ممارسة دوره وسط النزاع السياسي في لبنان، إذ تسعى أمريكا والغرب إلى تمييز المؤسسة العسكرية، ومدها بما يلزم من مساعدات على كل الأصعدة.
ويضيف مصدر "عربي بوست" أن اهتمام أمريكا ودول الغرب بالمؤسسة العسكرية اللبنانية، الهدف منها تقويتها، والحفاظ على علاقة مباشرة معها، إذ أشاد سفراء دولٍ غربيةٍ بدور الجيش اللبناني، وخطواته في حفظ أمن الحدود، ومكافحة أعمال التهريب ومحاولات التسلل، ومواجهة التنظيمات الإرهابية حفاظاً على أمن لبنان واستقراره.
ويؤكد المصدر ذاته أن سفراء الدول الغربية نقلوا التزام بلدانهم بدعم الجيش اللبناني، وتعزيز قدراته على مختلف الأصعدة، خاصة في مجال مراقبة الحدود البرية وضبطها في هذه المرحلة الدقيقة.
واعتبر دبلوماسيو الغرب أن الجيش اللبناني هو العمود الفقري للُبنان، والمؤسسة الوحيدة الصامدة رغم كل الظروف، ولذا من المهم دعمها وتقويتها لمواجهة كل التحديات التي تمر بها المنطقة، والمساعدات التي تُقدم بناء على ما يطلبه الجيش وحاجته الهدف منها ضبط الحدود ومنع التهريب والإرهاب.
حزب الله.. المستفيد الأول من فوضى الحدود
يُمسك حزب بالحدود بين سوريا ولبنان منذ 2005، سنة انسحاب سوريا من لبنان، لذا فإن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، يعني وقف هيمنة حزب الله على العملية البرية والتواجد فيها، الأمر الذي سيضعف سوريا، التي تشكل المنفذ الأساسي له في المنطقة، خصوصاً أن الواقع السياسي في سوريا لم يعد مستقراً بعد سنوات طويلة من الحرب.
وبحسب الخريطة الحدودية التي حصلت "عربي بوست" على جغرافيتها فإن أكثر النقاط التي تتم فيها عمليات التهريب على مستوى الحدود بين لبنان وسوريا، توجد في جرود بلدة رأس بعلبك في البقاع الشمالي، وبلدة القصير السورية التي وضع الحزب سيطرته عليها صيف 2013، هذه المنطقة التي تشهد حركة مشاة يومية من الجانبين، إذ يستخدم حزب الله المنطقة لتمرير قوافل التموين اللوجستيكي، والسلاح، وعتاد معاركه في سوريا.
أيضاً هناك معبر "إبش" الذي يقع بين بلدتي القصير السورية والقصر اللبنانية، ويستخدمه حزب الله معبراً يبدأ من بلدة النبي شيت، الواقعة في جنوب شرقي مدينة بعلبك الشرقية، ويمرّ عبر بلدة جنتا وجرودها إلى قرية الشعرة، قبل أن ينحدر شرق السلسلة الشرقية داخل الأراضي السورية باتجاه مدينة الزبداني غرب دمشق، ويصل منها إلى العاصمة السورية دمشق.
وعلم "عربي بوست" أنه على مستوى الحدود السورية اللبنانية فإن معابر الحدودية ممتدة من حوش السيد علي في الهرمل غربا، وصولا إلى معابر القاع حتى حدود ساقية جوسيه، وهناك ثلاثة عشر معبر للتهريب على امتداد 25 كلم، إذ تُساعد الأرض السهلة المنبسطة غير الوعرة وتداخل القرى على امتداد الحدود السورية في عمليات النقل غير الشرعي بين الحدود، وأغلب سكان هذه القرى من العشائر الشيعية الموالية لحزب الله.
كما يستخدم حزب الله منطقة حوش السيد علي الواقعة في قضاء الهرمل شرقي لبنان، وهي بمحاذاة القرى الريفية لمدينة حمص السورية لتهريب الطحين والمواد الغذائية والدخان بالإضافة للخضروات، كما يستخدم معبر جنتا في جرود بلدة النبي شيت لنقل المقاتلين ومعدات الصواريخ لمعسكر قوسايا.