تخرجت من معهد التمريض منذ 7 أشهر وسدت العجز في أزمة كورونا.. من هي الممرضة الشاهد على فاجعة الحسينية في مصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/04 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/04 الساعة 14:22 بتوقيت غرينتش
آية علي ممرضة الحسينية (خاص)

لم تكن تعلم الشابة آية علي، ممرضة الحسينية، التي تخطو خطواتها الأولى في سوق العمل كممرضة متدربة، أنها ستصبح حديث الرأي العام داخل مصر وخارجه، بعد فاجعة مستشفى الحسينية، بسبب صورة لها وهي تجلس القرفصاء في زاوية العناية المركزة الخاصة بمرضى كورونا.

انتشر فيديو آية، ممرضة الحسينية ومعه صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتبقى شاهدة على فاجعة مستشفى الحسينية بعد نفاد الأوكسجين عن قسم العناية المركزة الذي أودى بحياة 4 مرضى.

آية.. ممرضة الحسينية

بعيداً عن الأضواء التي سُلطت عليها بعد فاجعة مستشفى الحسينية العام، وأمام تضارب الروايات، بين الحقيقة وبين الرسمية التي تُريد طمس تفاصيل الكارثة الإنسانية، وجدت الشابة آية نفسها في مفترق طريق، لم تكن تنتظر أن تقف فيه.

وُلدت آية، ممرضة الحسينية الشابة العشرينية، بقرية الحجازية بريف محافظة الشرقية (شرق العاصمة القاهرة)، وسط أسرة متوسطة، تسعى إلى تعليم أطفالها، وإدماجهم في سوق العمل بشكل سريع، لمساعدتها على ثقل مصاريف الحياة اليومية.

درست ممرضة الحسينية آية التمريض، وتخرجت سنة 2019، لتعمل بعدها ممرضة متدربة منذ 7 أشهر في مستشفى الحسينية العام، وبالضبط في قسم العناية المركزة، للتغلب على ظاهرة النقص في الأطقم الطبية خلال أزمة كورونا.

بعد فاجعة مستشفى الحسينية تحولت ممرضة الحسينية آية من الشابة البسيطة ابنة الشرقية، إلى نجمة صنعتها عدسات كاميرا بسيطة وغريبة، إذ ظهرت في فيديو لا تتجاوز مدته دقيقة، وهي في حالة ذهولٍ وعجزٍ بعد انقطاع الأوكسجين عن قسم العناية المركزة في المستشفى الذي تعمل فيه.

انتشرت صورة الشابة ممرضة الحسينية آية بلباس التمريض الأزرق، وهي تجلس القرفصاء بإحدى زوايا قسم العناية المركزة بعد نفاد الأوكسجين، في وقت كانت باقي ممرضات القسم يسابقن القدر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المرضى.

فاجعة مستشفى الحسينية

بدأت الساعات الأولى لليوم المشؤوم في نحو الساعة التاسعة والنصف مساء يوم السبت، بتوقيت الموت الذي حلَّ بأرجاء قسم العناية المركزة، ليخطف روح أربعة مرضى كانوا يُقاومون فيروس كورونا.

وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن محبس الأوكسجين الموصل إلى أنابيب وحدة العناية المركزة كان يعمل بضغط 5% بدلاً 10%، بسبب قرب نفاد مخزون الأوكسجين، ولم يكن أحد من الطاقم الطبي المتواجد في المناوبة يعلم حقيقة الوضع، الأمر الذي تسبب في فاجعة مستشفى الحسينية.

وبشكل مفاجئ، اكتشف الطاقم الطبي بقسم العناية المركزة انهيار عدد من المرضى وإصابتهم باختناق نتيجة توقف تنفسهم، في تلك اللحظات تسابق كل الطاقم من أطباء وممرضين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لم يكن دور آية محورياً في قسم العناية المركزة، إذ إن مهمتها تقتصر على مساعدة ممرضات أقدم منها، دون أن تكون لها أي صلاحية تقنية في قسم الإنعاش.

تصف آية لحظات الرعب لإحدى زميلاتها التي نقلتها لـ"عربي بوست" فتقول إنها "لم تدرِ ما الذي كانت تفعله، لكنها شعرت فجأة بأن ملك الموت يحلق في زوايا العناية المركزة، فرائحة الموت كانت تملأ المكان، فانهارت خصوصاً أنها المرة الأولى التي تُشاهد فيها لحظات الاحتضار".

تقول متحدثة "عربي بوست" إنه "مباشرة بعد سماع انقطاع الأوكسجين عن الوحدة، دخل شخص ترقد عمته في قسم العناية المركزة، فبدأ بتصوير لحظات الرعب، فالتقط لآية مشهد جلوسها في الأرض، تضع رأسها بين يديها، عاجزة عن فعل أي شيء تُنقذ به الأرواح التي تُقاوم الموت".

وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن ممرضة الحسينية آية رفضت ترك مناوبتها بعد فاجعة مستشفى الحسينية، رغم إصرار والدها الذي حلَّ لاصطحابها بعد انتشار الخبر، فغادرت في الثامنة صباح يوم الأحد بعد انتهاء عملها.

وزيرة الصحة توقف "التوبيخ"

تعيش الشابة آية بعد فاجعة مستشفى الحسينية في مفترق الطريق، واقفة بين الحقيقة التي أدت إلى وفاة 4 أشخاص داخل المستشفى، وبين نفي كل من محافظ الشرقية ومدير مستشفى الحسينية وجود أي خلل في أنابيب الأوكسجين التي تسببت في الكارثة.

وعلم "عربي بوست" من مصادر مؤكدة أن وزيرة الصحة، هالة زايد، أوقفت كل محاولات التحقيق مع ممرضة الحسينية آية من طرف مدير المستشفى، ومنعها من التحدث إلى وسائل الإعلام دون تصريح كتابي منه، "وذلك لتفادي إفشاء أي أسرار طبية تخص نزلاء المستشفى"، بحسب قولهم.

وكشف مصدر من وزارة الصحة أن الوزيرة هالة زايد رفضت اتخاذ أي إجراء ضد الممرضة آية بعد فاجعة مستشفى الحسينية بدعوى أنها خالفت كتيب التعليمات الذي يتم توزيعه على الأطقم الطبية في كافة المستشفيات التابعة للوزارة؛ لأن أي إجراء سيكون ضرره أكثر من نفعه، إذ إن الممرضة متدربة، وغير ملزمة بما جاء في الكتيب، كما أن الأمر في يد النيابة، وهي الجهة الوحيدة المكفول لها تحديد أسباب فاجعة مستشفى الحسينية.

آية.. البطلة أم الخائنة؟

لا تعرف الممرضة، وهي الابنة الصغرى وسط أسرتها، كيف ستتعامل مع انتشار صورها على مواقع التواصل، وكيف تتعامل مع الشهرة المفاجئة، وهل تُصنف نفسها في خانة البطلة أم الخائنة لعملها وزملائها في المستشفى.

تقول آية لإحدى زميلاتها في القسم: "لا أريد أن أكون بطلة ولا خائنة، أريد فقط العيش في سلام ومواصلة عملي الذي أحتاجه، الأمر الذي دفعني إلى الذهاب إلى المداومة مساء يوم الأحد أي يوم بعد فاجعة مستشفى الحسينية، رغم أنها كانت تحتاج إجازة حتى تتحسن نفسيتها".

تقول آية نقلاً عن إحدى زميلاتها التي تحدثت لـ"عربي بوست" إنها "لم تكن تعلم أن الشخص الذي اقتحم وحدة العناية المركزة يصور تفاصيل فاجعة مستشفى الحسينية، كما أنها لم تكن مدركة لما يقع، واتصالات الصحافيين ردّت عليها بعفوية، ولم تكن تدري أنها تُشيع أحد أسرار المستشفى".

تقول آية على لسان مصدرنا إن "الجميع بالمنطقة يعرف جيداً نقص الأوكسجين في مستشفى الحسينية، وأغلب مستشفيات مصر الحكومية، كما أن هناك مَن يتعامل بالأوكسجين في السوق السوداء".

وجبة فسيخ وسط المعاناة 

يقول مصدر من أسر الضحايا، في حديثه مع "عربي بوست" إنه "اكشف مثله مثل باقي أسر مرضى إغلاق محبس الأوكسجين بوحدة العناية المركزة لمرضى كورونا، ما دفعهم إلى معاينة خزان الأوكسجين، فوجدوا أن محبساً واحداً يعمل بنقص في قوة الضغط، بينما المحبس الآخر مغلق".

وأضاف المتحدث أن "بعض الأهالي قاموا بفتح المحبس المغلق، وضبطوا المحبس الآخر، فاستنشق بعض المرضى الأوكسجين وتحسنت حالاتهم، وذلك قبل كارثة يوم السبت.

وأشار المتحدث إلى أن "مدير المستشفى أكد لهم قبل وقوع فاجعة مستشفى الحسينية وجود أنبوبة أوكسجين تكفي كل المرضى في العناية المركزة، ووعدهم بالمزيد القادم في الطريق إلى المستشفى على متن سيارة تزويد الأوكسجين".

وكشف المتحدث أن "قريبته واحدة من المرضى الذين لقوا حتفهم بسبب نقص الأوكسجين، وكانت تبلغ من العمر 66 عاماً، ودخلت إلى المستشفى قبل أسبوع من وفاتها، لكنه لم يكن مطمئناً عليها بسبب الإهمال السائد في المستشفى".

ووصف المتحدث الإهمال الذي وصل إلى درجة تناول بعض أعضاء طاقم المستشفى وجبة فسيخ (وهو سمك مملح رائحته نفاذة) وسط الممرات المؤدية إلى وحدة العناية المركزة.

تحقيق النيابة العامة

تأكيداً لما قاله نافع، مصور الفيديو، الذي قدم رواية تتعارض مع البيان الرسمي لمحافظ الشرقية ومدير المستشفى، كشف السيد رحمو، عضو مجلس النواب عن دائرة الحسينية، أنه حصل على معلومات من داخل المستشفى تفيد بأن وفاة 4 مرضى داخل مستشفى الحسينية سببه نقص الأوكسجين.

وأضاف النائب في تصريح لجريدة "الوطن" المحلية أن طبيب الرعاية المركزة أبلغ مدير المستشفى في السابعة مساءً بأنّ الأوكسجين الموجود يكفي لساعة واحدة فقط، فأجابه بأنّ الأوكسجين يكفي 4 ساعات، وأنّ سيارة نقل الأوكسجين في الطريق.

وأكد النائب أن السيارة وصلت بعد نفاد الأوكسجين ما تسبب في الفاجعة، وأن صوراً التقطت لخزان الأوكسجين قبل أكثر من 10 ساعات من حدوث الوفيات أظهرت نقصاً في مخزونه، إذ انخفض المعدل إلى 400 لتر فقط، ونفد قبل وصول السيارة وبدء ضخ الأوكسجين في شبكة المستشفى.

واستدعت نيابة مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، مدير المستشفى وعدداً من الأطباء للاستماع لأقوالهم بشأن واقعة وفاة أربعة مرضى بفيروس كورونا بالعناية المركزة، وتوضيح الحالة الطبية للمتوفين، وذلك بعدما تردد أن الوفيات جاءت بسبب نقص الأوكسجين. 

وكانت المحافظة قد أصدرت بياناً تفصيلياً قالت فيه إن عدد المتوفين 4 فقط وليس 7 كما ذكرت بعض المواقع، وكانوا على أجهزة تنفس صناعى، وإن الوفاة طبيعية نتيجة لتدهور حالتهم بسبب الإصابة بفيروس كورونا، وإنهم أصحاب أمراض مزمنة.

تحميل المزيد