أعادت الجزائر في 2020 الزمن إلى الوراء، وعاشت سيناريو مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للمرة الثانية، وذلك بعد مرض الرئيس الحالي، عبدالمجيد التبون، الذي وصل إلى البلاد بعد تعافيه من وعكة صحية استلزمت نقله إلى ألمانيا لتلقي العلاج.
مرض وغياب الرئيس بالإضافة إلى أزمة كورونا في الجزائر في 2020، حدثين طبعاً الوضع الداخلي للبلاد، وفي نفس الوقت جمّدا روح حراكٍ انطلق في 22 فبراير/شباط 2019، فما الذي ربحته الجزائر في 2020؟
مرض الرئيس.. سيناريو المكرر
خرج الحراك الشعبي الجزائري لإسقاط العهدة الرئاسية الخامسة، التي كان يطمح لها عدد من الأحزاب والشخصيات العسكرية، رغبة في استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على سُدة الحكم، رغم عجزه الجسدي.
الجزائر في 2020 أعادت نفس سيناريو مرض الرئيس، إذا أُصيب عبد المجيد تبون، الرئيس الحالي بفيروس كورونا، وتدهورت حالته الصحية، فغاب عن البلاد حوالي 3 أشهر، تاركاً أمور مهمة وراءه، بينها الدستور المصوت عليه، الذي ينتظره توقيع الرئيس لتفعيله.
يقول حمو، أحد أسماء الحراك الجزائري: "تعودنا منذ عهد الرئيس بوتفليقة على بيانات ورسائل يُقال لنا إنها من الرئيس تُوجه تعليمات لمختلف مؤسسات الدولة، ونخاف أن تكون تلك الرسائل قادمة من مصدر آخر، كما كان يقع في عهد الرئيس السابق".
وتساءل حمو في حديثه مع "عربي بوست": "هل كُتب على الجزائريين العيش بلا رئيس لأشهر دون حصولهم على معلومات كافية".
من جهته أبدى عبد الحميد مدني، الناشط والمحلل السياسي الجزائري والمرشح للرئاسيات سابقاً، تخوفه من تكرار سيناريو غياب الرئيس عن المشهد في الجزائر، مطالباً الجهات العليا بـ"مصارحة الشعب بكل كبيرة وصغيرة تعني صحة الرئيس".
وفي تصريح لـ"عربي بوست" كشف مدني أن "أغلب الجزائريين أصبحوا يشككون في الروايات المقدمة بخصوص صحة رئيسهم، وذلك بعدما كشف لهم الحراك وجود أطراف سيرت الجزائر لأكثر من عهدة دون علم بوتفليقة بأي تفاصيل".
ولكي يضع الرئيس عبد المجيد تبون نقطة نهاية الجدل يضيف مدني: "كان عليه أن يُخبر الجزائريين بكل التفاصيل، ولا يكتفي ببيانات ورسائل الرئاسة الجمهورية، سبق وأن سمعها الشعب مراراً في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة".
وعلى رغم تشابه سيناريوهات مرض الرئيس بين بوتفليقة والتبون، فإن هذا الأخير اجتهد للظهور صوتاً وصورةً أمام الشعب، ليُطمئنه على حالته الصحية، هذا الظهور الذي اختار له مناسبة ذكرى انتخابه رئيساً للبلاد في 12 ديسمبر/كانون الأول 2020.
خروج واحد للرئيس لا يكفي حسب المرشح للرئاسيات المدني الذي قال لـ"عربي بوست" إن "الجزائر حالياً في وضعية تتطلب ظهور الرئيس بشكل متكرر، لإبداء المواقف الرسمية، وإثبات التواجد الدائم مع القضايا الإقليمية والدولية، والتحركات الكبيرة على الحدود الغربية للبلاد".
وأضاف المتحدث أنه "رغم كل بيانات الرئاسة التي تؤكد تحسن حالة الرئيس الصحية، فإن ظهوره مرة واحدة ولدقائق قصيرة غير كافٍ، ومن المفروض برمجة لقاء واحد كل أسبوع على أقل تقدير، لإعطاء بيانات الرئاسة المصداقية في حال الوضعية الصحية للرئيس".
الناشط الحقوقي قال إن "الجزائريين ما قُرأت عليه بيانات في عهد بوتفليقة، بأن صحته جيدة ويعلم بكل كبيرة وصغيرة، وأنه يتماثل للشفاء، ليكتشفوا في الأخير بأن شقيقه وعصابة من المسؤولين هم من كانوا يسير البلاد منذ سنوات".
مواصلة الحراك
على الرغم من توقف الحراك الشعبي في الجزائر في 2020 بسبب وباء كورونا واقتناع البعض بالمشهد العام في الجزائر، لا يزال المواطنون يخرجون في مسيرات كل جمعة وسبت، خاصة بمنطقتي خراطة بولاية بجاية، وبني ورثيلان بولاية سطيف شرق الجزائر العاصمة.
ويعتبر الناشط الحراكي حمو عبد العزيز أن خروجهم المتواصل للحراك، دليل على عدم رضاهم بما حققته المسيرات الحاشدة التي أسقطت بوتفليقة يوماً، خاصة في مجال التسيير وفصل السلطات واستقلاليتها.
ويقول حمو في حديثه مع "عربي بوست" إن "الحراك الشعبي في الجزائر لن ينتهي، فما زال عدد من الناشطين وراء القضبان، في المقابل هناك عصابات سُجنت بالأمس تغادر الزنازين يوماً بعد يوم، وكيف لنا أن نهدأ ونفس الأساليب تتكرر في الوزارات والإدارات والمسؤولين".
وتوقع الناشط "عودة الحراك إلى حيويته، بعد نهاية جائحة كورونا، لأن الجزائريين أيقنوا بأن ما خرجوا لتحقيقه في 22 فبراير/شباط 2019 لم يتحقق منه سوى مشاهد أعادتهم إلى حقبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة".
ويطالب هؤلاء من خلال مسيراتهم المتواصلة يضيف حمو "بفصل الرئاسة عن المؤسسة العسكرية، وتحقيق استقلالية القضاء كخطوة مهمة لرسم معالم الجزائر الجديدة، كما يطالبون بإطلاق سراح الموقوفين من نشطاء الحراك وإجراء إصلاحات عميقة".
إبعاد العسكر عن السياسة.. المهمة الأصعب
من أكبر المطالب التي ألح عليها الحراك الشعبي في الجزائر منذ انطلاقه في 22 فبراير/شباط 2019، هو إخراج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي في الجزائر، وذلك بترديد الجملة المشهورة "مدنية ماشي عسكرية".
فالجزائريون كما قال المحلل السياسي والخبير الأمني مراد سراي في تصريح لـ"عربي بوست": "يحملون فشل ولايات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لحكم الجنرالات وتدخلهم في الشأن السياسي للبلاد، وهو ما اكتشفه الجزائريون بعد قضية الجنرال نزار الذي كان المهندس في العشرية السوداء".
وأضاف المتحدث أن "المتظاهرون أصرّوا على مطلب فصل المؤسسة العسكرية عن المشهد السياسي منذ انطلاق المسيرات، لكن ذلك لن يكون بالسهولة التي ينتظرها الجزائريون، لاعتبارات تأتي على رأسها تسيير المرحلة الاستثنائية بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة".
ويبرر محدثنا "بقاء المؤسسة العسكرية لصيقة بالمشهد السياسي، خاصة في الفترة التي أتبعت استقالة بوتفليقة، للضرورة الملحة التي تطلبتها المرحلة، والتسيير الهادئ للمشهد العام".
ومن الصعب جداً يضيف سراي: "أن ينتظر الجزائريون انفصال تام للمؤسسة العسكرية عن المشهد، خاصة في هذه الفترة، لكنها لن تكون بمستوى التدخل الذي كان في السنوات الفارطة، مقابل ذلك سيبتعد الجيش عن صناعة الرؤساء على الأقل، في انتظار خروجه من المشهد السياسي كاملاً".*
الجزائر في 2020
يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة باتنة عبد العزيز سبدو، أن "الحراك الجزائري استطاع إحباط مشروع التوريث لآل بوتفليقة، سواء عن طريق الأخ الشقيق السعيد، أو عن طريق هيكل جديد يسيره آل بوتفليقة، من خلف الستار".
وأضاف المتحدث أن "الحراك كشف النوايا الحقيقية لبعض رجال السياسة وأحزاب السلطة الذين لم يكن يهمهم مصالحُ الوطن، بقدر ما كانوا يتفانون في الدفاع على مصالحهم الخاصة".
وأشار المتحدث إلى أن الحراك استطاع أن "يكشف عن حجم التدخُّل الأجنبي والفرنسي على وجه الخصوص في شؤون الجزائر، وتفاني العصابة الحاكمة منذ الاستقلال من أجل الدفاع على مصالح هذه الدول على حساب مصالح الشعب الجزائري وأفشل مشروع إبقاء الجزائر البقرة الحلوب للمال الفاسد، وهو ما سارت عليه الجزائر باحتشام منذ الاستقلال".
ومن الأمور المهمة التي حققها الحراك حسب المتحدث دائماً "توقيف مشروع فرنسة المدرسة الجزائرية، وعلمنتها، وإبعادها عن برامج كانت في الأصل تحضر بمخابر في قلب باريس".