أعاد حادث حريق مخيم المينية للاجئين السوريين في لبنان مأساة جديدة إلى الواجهة، هذه المرة ليست تصريحات جماعات يمينية وقوى متحالفة مع نظام الأسد في سوريا، لكن بصورة جريمة إنسانية.
حريق مخيم المينية للاجئين السوريين حادث بين العشرات التي أصبحت تتكرر مع النازحين، أسبابها تختلف بين ما هو فردي والآخر مُنتهج، الأمر الذي جعل اللاجئ السوري في لبنان يعيش خوفاً مزدوجاً، الأول يكمن في الخوف من الترحيل، والثاني يُختزل في عنصرية بعض اللبنانيين.
حريق مخيم المينية للاجئين السوريين
رواية واحدة تسببت في حريق مخيم المينية للاجئين السوريين يُقدمها جل النازحين، فشجار شخصي بين لبناني وسوري، تطور إلى إطلاق النار، ثم رغبة في الانتقام، ثم حريق حصد تفاصيل المخيم، وحول خِيامه إلى رماد متناثر.
يقول أحد شهود العيان على حريق مخيم المينية للاجئين السوريين في لبنان لـ"عربي بوست " إن "شخصاً من آل المير حلَّ بالمخيم الواقع شمال مدينة طرابلس، وأراد شراء بعض الأغراض من دكان صغير، لكنه وجده مقفلاً، فطلب من صاحب الدكان فتحه وتم له ذلك، وبعد مغادرته للمكان تعرض لفتاة سورية ما أثار حفيظة أهل المخيم، الذين أخرجوه بالقوة، فتحول النزاع بين الطرفين إلى تشابك بالأيدي ثُم إشهار للسلاح".
وحسب الرواية الوحيدة المتداولة حول أسباب حريق مخيم المينية للاجئين السوريين والتي استقاها "عربي بوست" من شهود عيان، فإن هناك خلافات قديمة بين صاحب الدكان والرجل الغريب عن المخيم، كما أن عدداً من شباب المخيم يعملون مع الرجل الغريب في قطف الليمون، ولهم بحوزته أجور لم يدفعها.
وأضافت مصادر "عربي بوست" أن الشاب الغريب عن المخيم، وبعد مشاداته مع اللاجئين السوريين، غادر ليعود مع أفراد عائلته، الذين اعتدوا بدورهم بالضرب على عدد من السوريين، وأضرموا النيران وتسببوا في حريق مخيم المينية للاجئين السوريين.
ويؤكد الشهود أنه أثناء اندلاع حريق مخيم المينية للاجئين السوريين، حاصر الرجل الغريب عن المخيم وأفراد عائلته مخارج المخيم الرئيسية، وبدأوا بإطلاق النار في الهواء، فلم يجد سكان المخيم حلاً سوى القفز من أعلى السور الإسمنتي الذي يحيط به.
بعد المأساة.. أين المصير؟
تروي أم علاء، لاجئة سورية تبلغ من العمر 53 سنة، لـ"عربي بوست" تفاصيل حريق مخيم المينية للاجئين السوريين، مؤكدة أن الكارثة جاءت بعد تطور نزاع فردي بين طرفين، فأدى الأمر لإحراق المخيم كاملاً.
وأضافت المتحدثة التي هربت من بطش نظام الأسد في محافظة القامشلي السورية، واستقرت في المخيم قبل 6 سنوات، أن حريق مخيم المينية للاجئين السوريين لم يكن مفتعلاً لكنه أدى لنتائج كارثية على عشرات العائلات السورية التي كانت تعيش أصلاً في ظروف معيشية صعبة وغير إنسانية.
تحكي أم علاء وتقول إن "إطلاق نار خلال النزاع زاد من حجم الخوف لدى أطفالها، كما أن أحد أطفالها سألها مرتعباً هل هجم شبيحة الأسد يا ماما؟"، مضيفة أنها تعيش عند إحدى صديقاتها في مخيم قريب في منطقة ضهور المنية، شمال طرابلس، لكنها تتساءل كيف ستتمكن صديقتها من تحمل عبء وجودها لمدة طويلة مع أبنائها؟
تُضيف أم علاء أن أحد أقاربها يرقد في المستشفى نتيجة اختناقه هو وأفراد عائلته، بسبب عدم انتباهه من الأول للحريق، مضيفة أن حُلمها الآن هو إعادة إعمار المخيم.
وأشارت أم علاء إلى أن "مصيرها ومصير أطفالها في لبنان سيكون مأساوياً، نظراً للوضع الاقتصادي والأمني في البلاد، الأمر الذي سيدفعها لا محالة إلى تغيير الاتجاه نحو أوروبا، كملاذٍ أخير للهرب من ذُل المعيشة في لبنان".
مأساة حريق مخيم المينية للاجئين السوريين لم تستثن الأطفال، فزكريا دامرجي، طفل التقاه "عربي بوست" يقف في زاوية تُطل على أطلال المخيم، يتذكر الليلة التي خرج فيها هو وأسرته طالبين الاستغاثة بعد تعالي ألسنة اللهب.
يروي زكريا لـ"عربي بوست" تفاصيل يوم الحريق، قائلاً إنه "سمع وإخوته صوت شجار، تحول إلى إطلاق نار، فحاول الخروج لمشاهدة ما يجري لكن والدته منعته، وسرعان ما تحول الليل إلى نهار بسبب النيران التي بدأت بالتهام كل شيء".
يقول زكريا: "ركضنا أنا وأخوتي مع وأمي للهروب مع الهاربين، ولم يكن أمامنا أي وجهة سوى الهروب من الموت المحتم، "شعرت بالخوف قبل الحادثة في المخيم، وتحديداً بعد سلسلة التعديات التي تحصل مع النازحين في مناطق متعددة، آخرها تهجير السوريين من قرى بشري".
زكريا طالب في الصف السابع المتوسط في إحدى المدارس القريبة للمخيم، يتحدث بغصة عن ضياع كتبه التي احترقت في الخيمة، ويخشى عدم القدرة على تأمين تكاليفها مرة أخرى، بسبب قلة المداخيل المادية لأسرته، والتي تكفي بالكاد الطعام، والتدفئة".
يشعر زكريا أنَّ لبنان واللبنانيين لا يريدونهم، وأن هناك نظرة حقد وعنصرية تجاه اللاجئ السوري، هذا الإحساس الذي تسرب بالموازاة مع عدم الشعور بالأمان، مضيفاً أنه "يريد العودة لمنزله في سوريا، واللعب مع أبناء الحي ويقول باللهجة السورية: "جهنم الوطن ولا جنة الغربة".
وأمام أنقاض خيمة أخيها المتضررة من حريق مخيم المينية للاجئين السوريين تقف أم مصطفى مع زوجة شقيقها، وتروي لـ"عربي بوست" أنها كانت تزور عائلة أخيها خلال لحظة الحادثة، وسمعت صراخاً وشتائم قبل بدء إطلاق الرصاص، وبعد اندلاع الحريق حاولت وعائلة شقيقها الهروب من المدخل الرئيسي للمخيم إلا أن أحد الشبان اللبنانيين شتمها وطلب منها القفز عبر الحائط الإسمنتي شاهراً سلاحه.
تعود أم مصطفى، النازحة من مدينة حماة السورية، بذكرياتها إلى الحرب الدائرة في سوريا، وكيف تعاطى شبيحة نظام الأسد مع الناس بقسوة، وتقول: "خشينا مع بروز الخطاب العنصري أن نموت في لبنان بعدما نجونا من الموت في سوريا".
تعتقد أم مصطفى أن تأثر بعض اللبنانيين بخطاب معاداة السوريين واللاجئين سببه خطاب إعلامي يُراد من خلاله الضغط على اللبناني الذي يعيش أزمة اقتصادية كبيرة، وربما يُراد تحميل السوري مسؤولية ما يجري كمحاولة تنصل من المسؤولية.
تكافل إنساني وغياب الدولة
ساعات بعد اندلاع حريق مخيم المينية للاجئين السوريين في لبنان، حضرت بجنبات المخيم مبادرات أهالي المنطقة، بالإضافة إلى مبادرات مدنية، في غياب أي دعم للدولة.
ورفض الدكتور طارق مبيض، ناشط سياسي ومدني في منطقة المخيم، اعتبار حريق مخيم المينية للاجئين السوريين يندرج في إطار العنصرية، مؤكداً أن الحادثة فردية، لأن المنطقة بحسب المبيض كانت حاضنة شعبية كبيرة منذ 10 سنوات للشعب السوري المشرد بسبب الحرب.
وقال الناشط السياسي والمدني في حديثه لـ"عربي بوست" إن "أكثر من مخيم موجودين في المنطقة لم يتعرضوا يوماً لحادثة تنمر أو هجوم، كما أن أهالي المنطقة من لبنانيين، تدخلوا منذ اللحظات الأولى للحريق لنجدة العائلات المشردة".
وكشف المتحدث أن "أهالي المنية، والجوار، في كل طرابلس وعكار والضنيّة، أمّنوا 113 مسكناً لـ113 عائلة سورية خلال ساعتين فقط عن حريق مخيم المينية للاجئين السوريين، وبمبادرات فردية، وما يزال هناك مئات المنازل التي عرضها أصحابها على عائلات سورية تشردت بسبب الحريق، بالإضافة إلى مبادرات إطعام ومستلزمات التدفئة الشتاء".
وأضاف المتحدث أن أهالي المنطقة اللبنانيين قالوا كلمتهم للأسر السورية المتضررة من الحريق: "اليوم بيوتكم بيوتنا، وأطفالكم أطفالنا، والدمعة التي تنزِلُ من أعينكم تجري على وجوهنا".
من جهته كشف مصطفى عبدو، مدير قسم التنمية في اتحاد جمعيات الإغاثة العاملة في رعاية النازحين منذ بداية الأزمة السورية أن عدد العائلات التي فقدت بيوتها جراء حريق مخيم المينية للاجئين السوريين بلغ 93 عائلة.
وحسب المتحدث، فإن العائلات توزعت على المخيمات المحيطة، أو لدى أقاربهم في المناطق المحاذية لمنطقة المنية، مؤكداً أن "أهالي المنطقة حضروا قبيل حضور أي مؤسسة أو جمعية، ما يُثبت أن الحادث فردي ولا يمثل البيئة اللبنانية الحاضنة للمجتمع السوري النازح".
وأضاف المتحدث أن اتحاد جمعيات الإغاثة العاملة في رعاية النازحين قدم للعائلات المتضررة الإغاثة السريعة، كالغذاء والأغطية والكمامات، وذلك بتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ومفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، في إنجاز تقارير مفصلة عن وضع المخيمات في المنطقة.
أم فادي المصري، مواطنة لبنانية بالمنطقة، تستقبل في منزلها عائلة سورية نازحة من المخيم المنكوب، وفتحت بيتها منذ اللحظة الأولى للحادثة.
وقالت أم فادي التي تمتلك دكاناً لبيع الخضراوات في حديثها مع "عربي بوست" إن "الأخوة والدين تُحتم علينا ذلك، ولا أمانع من استقبال العائلة السورية لوقت أطول، لكننا نحتاج مساعدة الدولة الغائبة عن مواكبة حادث حريق مخيم المينية للاجئين السوريين إنسانياً، في ظل الكورونا وإمكانية انتقاله والحديث عن إعادة إقفال البلاد بعد الأعياد".
أجندات سياسية
في الأجندة السياسية البعيدة عن الجريمة يقود التيار الوطني الحر، الذي يتزعمه الوزير السابق جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية) حملة ممنهجة لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم عبر خطاباته السياسية، ومنصاته الإعلامية، وبيانات كتلته البرلمانية، وآخرها مشاركة وفد من الحكومة اللبنانية المستقيلة المحسوبة على فريقه السياسي في مؤتمر دمشق برعاية روسية بهدف إعادة النازحين السوريين من لبنان والأردن وتركيا
وشارك في مؤتمر دمشق كل من وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة، ووزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية، كما حمل رئيس الجمهورية ميشال عون في أحد خطاباته النزوح السوري مسؤولية مباشرة في انهيار الاقتصاد الوطني اللبناني.
مقابل ذلك ترفض قوى سياسية أخرى هذا الطرح، وتدعو لتنظيم الوجود السوري وليس لتهجيره.
يقول المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية إيهاب نافع في تصريح لـ"عربي بوست" إن "حريق مخيم المينية للاجئين السوريين لا يمثل ثقافة اللبناني، المضياف والشريف، وتحديداً أهالي المنطقة الحاضنة للشعب السوري".
وبحسب المتحدث فإن الأحداث المتتالية بحق النازحين السوريين في مناطق مختلفة تخدم جهات معروفة وواضحة، تحمل شعارات العنصرية تجاه الشعوب الأخرى.
ويرفض نافع خطاب العداء، ويعتبره استمرار لنهج اليمين المتطرف المتصاعد في العالم، والذي يميز باللون والعرق والدين والمذهب، مؤكدا أن هذه الحوادث فردية كانت أم مفتعلة لا تخدم لبنان، بل تُضر بسمعته أمام الدول والجهات العربية والدولية.