بينما كان يتطلع المغرب إلى أن يشكل الاعتراف الأمريكي بسيادته على الصحراء أداة إضافية لتعزيز سيطرته على المنطقة، فإن الواقع إن هذا التطور أدى لتفاقم التوتر لهذا الإقليم، الأمر الذي يطرح تساؤلاً ملحاً مفاده: هل تندلع حرب بين المغرب والبوليساريو بسبب القرار الأمريكي أم يكون بداية لحل سياسي للأزمة؟
وتفيد تقارير بزيادة التوتر في منطقة الصحراء ووقوع اشتباكات عسكرية بين المغرب والبوليساريو، ولكن يحيط الوضع القائم درجة عالية من الغموض بسبب التباين الكبير بين التقارير الواردة من المغرب من جهة والبوليساريو من جهة أخرى، وندرة المصادر المستقلة.
التصعيد بين المغرب والبوليساريو بدأ قبل التطبيع المغربي
وحتى قبل اعتراف ترامب بمغربية الصحراء، حدث أزمة معبر الكركرات والتي شكلت واحدة من المواجهات النادرة بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ إعلان وقف إطلاق النار عام 1991.
إذ تحرك المغرب في عملية محدودة لأجل فتح معبر الكركرات المحاذي لموريتانيا، والموجود في أقصى جنوب الصحراء الغربية، أمام حركة البضائع والأشخاص بغد إغلاقه من قبل البوليساريو، التي تحدثت عن أن الحرب بدأت بسبب السيناريو المغربي.
ففي صباح يوم الجمعة (13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020) أقدمت القوات المسلحة الملكية المغربية على طرد مجموعة من نشطاء جبهة بوليساريو رفقة أربع عربات مسلحة، بعدما قطعوا الطريق في "معبر" الكركرات حسب التعبير المغربي، وهو الممر البري الوحيد الذي يربط المغرب بموريتانيا وإفريقيا جنوب الصحراء.
ويتعلق الأمر بمنطقة عازلة منزوعة السلاح يعبرها المدنيون وتمر عبرها البضائع والسلع. تدخل الجيش المغربي جاء بعد ثلاثة أسابيع من قطع طريق تعتبره جبهة البوليساريو، "ثغرة" غير شرعية تنتهك اتفاقا لوقف إطلاق النار أُبرم بين الطرفين عام 1991 بإشراف الأمم المتحدة.
وبعد تعثر مساعي المنتظم الدولي لتنظيم الاستفتاء اقترح المغرب مشروع "حكم ذاتي موسع" رفضته البوليساريو بشدة.
تدخل الجيش المغربي آنذاك دفع الجبهة لإعلان حرب مفتوحة ضد الوجود المغربي في المنطقة، مُصدرة بيانات حربية يومية حول "هجمات" ضد "جدار الأمن" المغربي.
غير أن الإعلام المغربي يعتبر بيانات البوليساريو مجرد دعاية إعلامية تقوم على فبركة فيديوهات لمعارك من مناطق نزاعات أخرى كاليمن وغيرها، رغم أن الأمم المتحدة أكدت تبادل إطلاق النار بين الجانبين. وإذا كان من الصعب التأكد مما يجري، من مصادر مستقلة، على طول الجدار الذي يبلغ طوله 2700 كيلومترا، فقد تأكد من عدة مصادر، منها فريق لوكالة فرانس بريس، أن عبور الشاحنات والأشخاص عبر الكركرات إلى موريتانيا أصبح يتم بشكل عادي بعد التدخل المغربي. فقد انتهت الرباط من تعبيد الطريق في المنطقة العازلة التي باتت عمليا تحت سيطرة الجيش المغربي وتم "تأمينها" بجدار يمتد إلى الحدود الموريتانية.
واعتبرت جبهة البوليساريو أن إعادة فتح معبر الكركرات "أنهى" اتفاق وقف إطلاق النار المعمول به منذ عام 1991 برعاية الأمم المتحدة، بعد نزاع مسلح استمر منذ 1975. في حين تؤكد المملكة المغربية "تشبثها بقوة" بالحفاظ على الاتفاق.
دبلوماسية القنصليات
وقبيل الإعلان عن صفقة التطبيع المغربي مع إسرائيل مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء، افتتحت الإمارات والبحرين قنصليتان لهما لدى المغرب في الصحراء، فيما يطلق عليه بدبلوماسية القنصليات.
وتنتقد الجزائر والبوليساريو ديبلوماسية القنصليات وتعتبرانها منافية للقانون الدولي، غير أن المغرب يرد بدوره معتبرا أن إعلان الجمهورية الصحراوية بشكل أحادي، هو نوع من فرض الأمر الواقع في استباق لنتائج الاستفتاء. "جمهورية الصحراء" حصلت بدورها على اعترافات بعض الدول وإن كان عددها في تراجع، رغم أن الوضعية القانونية النهائية للمنطقة لم يحسم فيها بعد.
ويطلق على النزاع بشأن الصحراء أحيانا اسم"الحرب المنسية"، ولأنه بات محور الانتباه الدولي فجأة، بعد أقحم في القضية الفلسطينية إضافة إلى كونه السبب الأساسي للخلاف الجزائري المغربي.
وعلى مدار عقود، باءت كل المحاولات العربية والإفريقية لرأب الصدع بين الجارين الجزائر والمغرب. وسبق أن اندلعت حرب بين المغرب من جهة، والجزائر خلف غطاء جبهة البوليساريو، حرب دامت حوالي 16 عاما، وسجلت خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد على حساب التنمية والتقدم في كلا البلدين الجارين.
ولم يتوقف النزاع المسلح إلا في 1991 بضغط أممي. ثم أخفقت الوساطات المتتالية والمفاوضات المباشرة بين البوليساريو والرباط في الوصول إلى أي اتفاق لحل النزاع، كما فشل إجراء الاستفتاء حول تقرير مصير ساكنة الصحراء.
الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يغير كل شئ
إذن كان الوضع متوتراً بين البوليساريو والجزائر من جهة والمغرب من جهة قبل صفقة التطبيع المغربي، وإعلان ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء.
ولكن أدى إعلان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب المفاجىء اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، إلى قلب سنوات من التوافق الدولي حول تبريد هذه المسألة، وبات السؤال المركزي الآن: هل تندلع حرب بين المغرب والبوليساريو بسبب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وما هو دور الجزائر في هذا الصدد؟
ومما يزيد من التوتر بين المغرب والبوليساريو أن العملية السياسية المدعومة من الأمم المتحدة توقفت، وبات منصب مبعوث المنظمة الدولية إلى هذه المنطقة شاغرا منذ سنة.
واعتبرت البوليساريو القرار الأمريكي "باطلا"، وشددت على أنها مستعدة على مواصلة القتال إلى حين انسحاب القوات المغربية.
يقول المحلل هاميش كينير من شركة تحليل المخاطر العالمية "فيريسك مابليكروفت"، إن "الاعتراف لن يؤدي إلى تبسيط الوضع المعقد لهذه المنطقة، لأن الأمم المتحدة لا تزال تدرجها في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".
وبعد إعلان ترامب، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أيضا أن الولايات المتحدة لا تزال تفضل حلا دبلوماسيا.
وقلة من الدول يرتقب أن تغير موقفها.
وسارعت روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، إلى التنديد بخطوة ترامب، فيما قالت فرنسا، القوة المستعمرة سابقا في المغرب، بأنها ملتزمة بـ "حل سياسي".
الموقف الجزائري
تحظى البوليساريو بدعم الجزائر. وتوعدت الجبهة بمواصلة القتال "حتى الانسحاب الكامل" للقوات المغربية.
وأضاف كينير: "هذا الإعلان يجعل من وضع سيء أسوأ". وقال إن "المغرب الذي تشجع بتأييد أميركي كما هو واضح، سيشعر أنه حر في مواصلة جهود الحرب ضد جبهة البوليساريو التي قد تطلب تدخل الجزائر، الداعم الرئيسي لها في الخارج".
من جهته، اعتبر ريكاردو فابياني الخبير في مجموعة الأزمات الدولية أن الخطوة الأمريكية كانت بالنسبة لجبهة البوليساريو "نكسة كبيرة".
وقال: "مع وصول ثقتهم بعملية السلام إلى أدنى مستوى على الإطلاق، يمكن لقوات البوليساريو أن ترى هذه الخطوة مبررا إضافيا لاستئناف الأعمال العدائية (…) وقد تؤدي إلى تصعيد".
احتمال أن يحدث ذلك يعتمد على الجزائر التي تعتمد عليها بوليساريو إلى حد كبير، وتدير فيها مخيمات لعشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين.
وأكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن "الجزائر قوية"، فيما حذر رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد من "عمليات أجنبية" تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد
هل تقع حرب بين المغرب والبوليساريو؟
الصحفي الألماني يورك شيفر يرى أن "تطور النزاع إلى حرب يرتبط إلى حد كبير بموقف الجزائر، أهم داعم للبوليساريو، لكنه يرى أن مثل هذا السيناريو من غير المحتمل أن يكون في مصلحة الجزائر غير المستقرة سياسيًا وسيؤدي إلى زيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة".
أما جبهة البوليساريو فتعتبر أن الحرب المزعومة دخلت يومها السابع والثلاثين وفقاً لبيان أعلنته في 18 ديسمبر/كانون الأول وتحدثت عن قصفت ليلة الجمعة إلى السبت مواقع للجيش المغربي في منطقة الشيظمية بقطاع المحبس، وتحدثت تقارير إعلامية عن ظهور صواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات.
ولكن حقيقة ما يحدث في الصحراء يصعب التيقن منها في ظل غياب مصادر مستقلة.
ولكن هناك خطر آخر يظهر من قلب الصحراء
هناك خطر قد يكون أكثر ترجيحاً من سيناريو وقوع حرب بين المغرب والبوليساريو أو الجزائر والمغرب، وهو خطر استفادة المتطرفين من التوتر في المنطقة.
تقع الصحراء الغربية على حدود مناطق استقر فيها متمردون متطرفوت في السنوات الماضية.
يقول عبدي يغانه، وهو دبلوماسي بريطاني سابق يعمل حاليا مع مجموعة "اندبندنت ديبلومات" غير الربحية التي تدعم جهود السلام، إن "عدم الاستقرار في المنطقة يشكل شرارة للمتطرفين".
كما تشكل الصحراء الغربية نقطة عبور للمهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذين يجازفون برحلة بحرية خطرة للوصول إلى أوروبا وخصوصا إلى جزر الكناري الإسبانية، حسبما قال لموقع الحرة الأمريكي.
وأضاف الدبلوماسي السابق: "حل النزاع في الصحراء الغربية يجب أن يكون أمرا مهما لأوروبا".
من يمكن أن يتقدم للوساطة؟
حض الاتحاد الإفريقي كل الأطراف على الجلوس "إلى طاولة المفاوضات".
لكن الصحراء الغربية تطرح تحديا شائكا بالنسبة للتكتل؛ لأن كلا من المغرب و"الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية" المعلنة من قبل بوليساريو عضوان فيه.
بالتالي، فإن أي مفاوضات يرجح أن تقودها الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
لكن المراقبين يعبرون عن تشاؤم حيال آفاق حصول تحرك سريع من قبل الأمم المتحدة مع انقسام مجلس الأمن الدولي حول قضايا أساسية.
وقال ريتشارد غوان من مجموعة الأزمات الدولية: "هذه واحدة من تلك الحالات المحزنة التي من غير المرجح أن تحل فيها الأمم المتحدة الصراع، لكن وجودها قد يساعد في منعه من التصعيد مرة أخرى".
بالنسبة للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، فإن الصحراء الغربية ستكون في أسفل قائمة المشاكل التي يواجهها.
لكنه قد يجد صعوبة في التراجع عن إعلان ترامب؛ لأن ذلك قد يعرض للخطر التزام المغرب بالاتفاق مع اسرائيل.