يستعد بعض السكان في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، لصراع محتمل على السلطة، عندما يغادر الرئيس محمود عباس منصبه أخيراً، وسط مخاوف من سباق للتسلح بين فصائل فلسطينية قد تصطدم فيما بينها.
كان عباس (85 عاماً) زعيم حركة "فتح"، ورئيس السلطة الفلسطينية، وعد بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في 2021، للمرة الأولى منذ نحو 15 عاماً.
اشتباكات بين الفصائل
في مخيم بلاطة، تمتلئ جدران الأزقة الرمادية هذه الأيام بملصقات تحمل صورة "حاتم أبورزق، الشهيد الجديد" الذي سقط في حرب لا مفر منها على ما يبدو، بين فصائل فلسطينية تستعد لعالم بدون الرئيس محمود عباس، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، الأحد 20 ديسمبر/كانون الأول 2020.
وسائل الإعلام الفلسطينية تحدثت في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن مقتل أبورزق (35 عاماً)، وجرح آخر في مخيم بلاطة للاجئين، وهو مخيم مكتظ يضم 30 ألف فلسطيني في 0,25 كيلومتر مربع خارج مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
لكن هذه المرة، لم تحدث الاشتباكات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، بل بين الفصائل الفلسطينية، مع أن أبورزق قضى 10 سنوات من حياته في السجون الإسرائيلية لمشاركته في "المقاومة الفلسطينية" في الانتفاضة الثانية (2000-2005).
تقول السلطات الرسمية إن أبورزق توفي "متأثراً بإصابته بانفجار قنبلة كان يعد لإلقائها". لكن والدته تتهم السلطات الفلسطينية، وتقول في شقتها الصغيرة في مبنى إسمنتي في شارع ضيق: "في الحقيقة قتل برصاص السلطة الفلسطينية".
تضيف الأم أن "حاتم كان إنسانا طيباً.. يتطلع إلى محاربة الفساد داخل السلطة الفلسطينية، لهذا لم يحبوه".
سُئلت الأم التي يختبئ ابناها الآخران خوفاً على حياتيهما، عما إذا كان ابنها يعمل مع محمد دحلان، فقالت وهي تبكي وتقبل ملصقاً ضخماً طُبع تكريماً لابنها "لو كان حاتم مع دحلان لما كنا نعيش في مثل هذه الشقة".
كُره كبير لدحلان
ويتردد اسم دحلان في الأراضي الفلسطينية في الحديث عن اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة التي أُعلنت في آب/أغسطس ووقعت في واشنطن في أيلول/سبتمبر.
كان دحلان رئيس المخابرات العامة قبل سيطرة حماس على قطاع غزة في 2007، وقد انشق عن حركة "فتح" ويعيش حالياً في المنفى، وهو مستشار لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد.
عند إعلان اتفاقيات التطبيع، داس الفلسطينيون على ملصقات تحمل صورة دحلان الذي يعتبره معارضوه "خائناً"، بينما يرى أنصاره أنه "خليفة" محتمل للرئيس الفلسطيني.
لكن داخل الطبقة السياسية الفلسطينية تبقى قضية ما بعد محمود عباس من المحرمات، وقالت إحدى الشخصيات المؤثرة في حركة "فتح" للوكالة الفرنسية: "في هذه المنطقة لا نحب الحديث عن الحياة بعد الموت".
وكان الباحث في معهد "الأمن القومي" الإسرائيلي د. عنان وهبة قد ذهب إلى تأكيد سيناريو التحضير لمرحلة ما بعد محمود عباس وليس استبداله، وقال في وقت سابق لـ"عربي بوست": "بحكم تقدم أبو مازن في السن، يُتوقع صعود قيادات معينة في حركة فتح لتكون ضمن المشهد السياسي القادم".
انتفاضة ضد محمود عباس؟
وعند مدخل مخيم بلاطة، يشرب عناصر أمن فلسطينيون مقنعون القهوة حول عربة مصفحة، بينما يترصد القناصة على أسطح المنازل.
اللواء وائل اشتيوي قال إن "جماعة دحلان يوزعون المال على الشباب العاطل عن العمل لإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على القوات الفلسطينية.. وهدفهم هو إثارة الاضطرابات وإظهار أن السلطة الفلسطينية لا تسيطر على المخيمات".
اشتيوي الذي كان يتحدث في شقته المحاطة بكاميرات مراقبة أضاف: "يريدون إشعال ثورة في المخيمات ثم يقولون بعد ذلك يجب إعادة دحلان ليحل المشكلة".
لكن الوكالة الفرنسية نقلت عن مقربين من دحلان نفيه أي مسؤولية عن تبادل إطلاق النار في مخيمات بلاطة أو مخيم الأمعري قرب رام الله.
في هذا السياق، قال العضو في حركة فتح ديميتري ديلياني، وأحد مؤيدي دحلان إن "السلطة الفلسطينية تعاني من فوبيا دحلان"، مضيفاً: "يعتبرونه وباءً أسوأ من كوفيد-19".
ديلياني رأى أن "هذا التمرّد هو رد فعل من بعض سكان المخيمات الذين تم التمييز ضدهم من قبل السلطة الفلسطينية"، مشيراً إلى أن "سكان المخيمات دفعوا الثمن الأعلى خلال الانتفاضات الفلسطينية و لم يعاملوا بشكل جيد.. الناس غاضبون"، وفق قوله.
من جانبه، قال مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف للوكالة الفرنسية، إنه "قلق للغاية من التوتر المتزايد بين السكان المحليين في مخيم (بلاطة) والقوات الفلسطينية"، داعياً "جميع الأطراف" إلى "ضبط النفس".
أما رئيس لجنة الخدمات المحلية لسكان بلاطة عمد زكي، فيشعر بالأسف للتسابق على السلاح، وقال إن "الناس في بلاطة ليسوا معجبين بدحلان لكنهم يبحثون عن بديل لتحسين وضعهم ومصيرهم.. إنها أرض خصبة".
أضاف بحزن: "هناك أسلحة في بلاطة اليوم أكثر مما كان خلال الانتفاضة الثانية"، متحدثاً عن وجود قاذفات صواريخ وبنادق ورشاشات كلاشنيكوف أخرى هجومية.