لا تسير الأمور جيداً داخل ميليشيات الحشد الشعبي في العراق هذه الأيام، وسط تصاعد الحديث عن خلافات كبيرة بين فصائل هذه القوات المحسوبين على طهران.
فبعد إعلان الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران عن هدنة مع الولايات المتحدة، والتعهد بعدم استهداف القوات والمصالح الأمريكية بالعراق، تفاجأ القادة الإيرانيون، وقادة الفصائل المسلحة الأخرى، بانتهاك عصائب أهل الحق، للهدنة واستئناف الهجوم على القوات الأمريكية المتواجدة بالعراق.
وعصائب أهل الحق هي أحد أهم الفصائل المسلحة الشيعية داخل الحشد الشعبي، والتي تحظى بدعم إيراني كبير، ويقودها قيس الخزعلي.
انتهاك للهدنة بدون تواصل مع الحلفاء
الهجمات على القوات الأمريكية، التى وقفت وراءها عصائب أهل الحق، وبعض الفصائل المسلحة التى تم تأسيسها حديثاً، والتي أعلنت مسؤوليتها عن تلك الهجمات، مثل جماعة أصحاب الكهف، أقدمت على انتهاك الهدنة، دون إعلام الجانب الإيراني، أو حتى بالتنسيق مع باقي الفصائل المسلحة المتحالفة معها، مثل كتائب حزب الله.
يقول قائد شبه عسكري، في كتائب حزب الله، تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، "تفاجأنا بانتهاك الخزعلي للهدنة، خاصة بعد زيارة الجنرال إسماعيل قاآني واجتماعه بعدد من القادة، للتأكيد على أهمية عدم استفزاز ترامب في هذه الفترة الحساسة، وهذا ما تم تفسيره بين قادة الفصائل، بأنه انشقاق للخزعلي عن الحشد".
يضيف القائد شبه العسكري، قائلاً: "الجماعات الحديثة التى أعلنت مسؤوليتها عن استهداف القوات الأمريكية، تابعة لعصائب أهل الحق، وتعمل تحت إشرافها، دون الرجوع إلينا، أو حتى مناقشتنا في الأمر، وهذا نذير بتدهور الأمور".
"نحن أحرار.. ولا وصاية علينا".
تحدثت مصادر عراقية لـ"عربي بوست" عن رفض قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، للأوامر الإيرانية بعدم استهداف القوات الأمريكية من قبل، وبالتحديد أثناء زيارة إسماعيل قاآني، قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، الشهر الماضي لبغداد.
مصدر مقرب من الخزعلي قال لـ"عربي بوست" إن عصائب أهل الحق ترفض الوصاية الإيرانية، لأن خروج القوات الأمريكية من العراق شأن خاص بالعراقيين، وليس الإيرانيين، نريد خروج جميع القوات الأمريكية ونعمل على ذلك، ولا دخل لطهران بالأمر.
يضيف المصدر ذاته، وهو أحد القادة البارزين في فصيل عصائب أهل الحق، قائلاً: "انتظرنا شهراً، لتنفيذ ترامب بالانسحاب من العراق، ولكن لم يحدث، يريد الإيرانيون تمديد الهدنة، من أجل عدم استفزاز أمريكا، وطمعاً في عودة بايدن إلى الاتفاق النووي، ونحن نريد خروج المحتلين من بلادنا، نحن أحرار، عراقيون وطنيون، نفعل ما نراه مناسباً لنا ولبلدنا".
الصراع بين عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله
في الآونة الأخيرة، أصبح الصراع بين عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، في تزايد، وجاء أمر انتهاك الهدنة من قِبل عصائب أهل الحق، ليزيد الطين بلة.
سياسي شيعي بارز مقرب من الفصائل المسلحة تحدث لـ"عربي بوست" عن هذه الخلافات قائلاً: "يريد الخزعلي لعب دور قيادي كبير داخل هيئة الحشد الشعبي، ولا يريد أن تفوز كتائب حزب الله وأبو الفدك بجميع الغنائم، وهذا سبب الخلاف الرئيسي".
وبحسب السياسي الشيعي، فإن الخلافات بين الفصيلين الأكبر داخل الحشد الشعبي تتمثل في خلافات على الأموال والأسلحة، فكلا الطرفين يتهم الآخر بالاستحواذ على موارد هيئة الحشد الشعبي، وحرمان باقي الفصائل من حقوقها.
يقول قائد شبه عسكري في عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "لا يمكنني إنكار وجود خلافات داخلية داخل الحشد الشعبي، ولكن هذا لا علاقة له بانتهاك الهدنة، نحن لم نستهدف الأمريكان للفوز بالغنائم كما يشاع، نحن نعمل لمصلحة بلادنا".
إلى الآن، كافة الفصائل المسلحة العراقية، وعلى رأسها كتائب حزب الله، ملتزمون بالهدنة، والأوامر الإيرانية بعدم استهداف القوات الأمريكية على الأراضي العراقية، لكن يبدو أن عصائب أهل الحق مستمرة في العصيان والتمرد على هذه الأوامر، مما ينذر بتصاعد الخلاف بينها وبين باقي الفصائل.
يقول أحد قادة كتائب حزب الله لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "تمرد عصائب أهل الحق، واستمرار الخزعلي في العناد، لن يفيدا بشيء، بل سيجر الجميع إلى اقتتال داخلي، وخسارة كبيرة لقوة الحشد الشعبي، الذي ضحى بحياة أبنائه من أجل توحيد العراق".
يتوقع القائد في كتائب حزب الله، الأسوأ قائلاً: "الاقتتال بين كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وشيك، أنا لا أتمناه، لكنه وشيك للغاية، لابد من العمل على منعه بأقصي سرعة".
ضربة السيستاني
بجانب الخلافات بين فصائل الحشد الشعبي، والتي يرى عدد من قادة الفصائل أنها مؤشر خطر، سيؤدي إلى انهيار الحشد الشعبي، إذا لم يتم تدارك الأمر، فقد وجَّه آية الله العظمى علي السيستاني ضربة موجعة للفصائل المسلحة الموالية لإيران، في وقت حرج.
في 9 ديسمبر/كانون الأول أعلنت أربعة من الفصائل المسلحة الشيعية انفصالها عن هيئة الحشد الشعبي، وتشكيل قوة أخرى لحماية الأضرحة والأماكن المقدسة في العراق.
هذه الفصائل الأربعة تُعرف بولائها لآية الله السيستاني، وقد هددت العام الماضي بالانفصال عن الحشد الشعبي، مراراً وتكراراً، إذا لم يتم رفع الوصاية الإيرانية عن هيئة الحشد الشعبي.
عندما تأسست هيئة الحشد الشعبي في عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، كان التأسيس منطلقاً من فتوى شرعية من آيه الله السيستاني، أعلى سلطة دينية شيعية في العراق.
وفي نفس الوقت، منح نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي آنذاك، الشرعية القانونية للحشد الشعبي، باعتباره قوة شبه عسكرية تابعة للدولة العراقية، فأصبحت الفصائل المسلحة داخل الحشد الشعبي تتمتع بالشرعية الدينية والقانونية.
انسحاب الفصائل الأربعة الموالية للسيستاني، يعلن الأخير ضمنياً، رفع الشرعية الدينية عن هيئة الحشد الشعبي، ورفضه لعمل باقي الفصائل المسلحة داخل الحشد والموالية لإيران.
يقول سياسي شيعي بارز مقرب من الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران: "الخطوة التي أقدم عليها السيستاني تعني ترك باقي الفصائل في العراء، هو يعلم أنها ضربة موجعة لإيران قبل أن تكون للفصائل، الأمر خطير الآن".
أكدت كل من فرقة العباس القتالية، لواء علي الأكبر، لواء أنصار المرجعية، وفرقة الإمام علي، تكوينهما لقوة جديدة تضم حوالي 15 ألف مقاتل، كما فتحت الباب أمام طلبات التقديم للالتحاق بالقوة الجديدة أمام المقاتلين من الفصائل الأخرى.
يقول احد قادة فرقة العباس القتالية لـ"عربي بوست": "تلقينا عدداً كبيراً من طلبات الالتحاق من مقاتلين من كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وسرايا السلام، جميعهم يريدون ترك أماكنهم الحالية، والانضمام إلى القوة الجديدة".
يؤكد القائد شبه العسكري أن الموافقة على طلبات الالتحاق مازالت قيد التدقيق والمراجعة، فيقول: "الأعداد كبيرة جداً، والموافقة على جميع الطلبات تعني انهياراً وشيكاً للفصائل الاخرى، إلى الآن لم نتخذ قراراً واضحاً بشأن الموافقة من عدمها".
يقول السياسي الشيعي العراقي إن الفساد المالي داخل الفصائل المسلحة الموالية لإيران زاد من سخط المقاتلين المنضمين إلى هذه الفصائل، بجانب سحب الشرعية الدينية منها، وكل هذا جعل المقاتلين يريدون الانضمام إلى القوة الجديدة، التي تتمتع بدعم السيستاني، فيقول إن "المقاتلين داخل الفصائل الموالية لإيران يعانون من نقص الرواتب بسبب الفساد، كما ليس من الشرط أنهم موالون لخامنئي، عدد كبير منهم يعلن ولاءه للسيستاني، لذلك يريدون الرحيل والانضمام إلى القوات المدعومة من السيستاني".
الرد الإيراني
بالعودة إلى تمرد عصائب أهل الحق، إلى الآن لم يتدخل القادة الإيرانيون بشكل مباشر لحل هذه المسألة، لكن وفقاً لمصدر من الجانب الإيراني، مقرب من المسؤولين الإيرانيين عن الملف العراقي، فإن طهران تحاول احتواء هذه الأزمة، ولو بشكل مؤقت.
يقول المصدر لـ"عربي بوست": "ترى طهران أن الأمر خطير، تمرد الخزعلي من جانب، وخطوة السيستاني لتقسيم الحشد من جانب آخر، لذلك لا تريد طهران اندلاع الاقتتال بين الفصائل الآن، وتعمل على محاولة تهدئة الأمور، واحتواء الخزعلي، حتى يتسلم بايدن منصبه".
تحدث المصدر نفسه عن محاولات حثيثة في الأيام القليلة الماضية عن احتواء أزمة الخزعلي، لكن يبدو أن الأمور تسير نحو تصاعد التوتر.
فقد علم "عربي بوست" من مصادر عراقية وإيرانية مطلعة، عن محاولة لاغتيال الشيخ جابر رجبي، القائد في عصائب أهل الحق العراقية.
يقول قائد شبه عسكري داخل عصائب أهل الحق، لـ"عربي بوست": "نجا رجبي من محاولة اغتيال بالسم في طهران، لكنه على قيد الحياة، ويحاول التعافي من أثر التسمم".
رفض القائد شبه العسكري التعليق على سبب زيارة الشيخ جابر رجبي لطهران في هذا التوقيت، وهل لها علاقة بأمر الأزمة الأخيرة، بين عصائب أهل الحق وباقي الفصائل.
اعتقالات داخل الحشد الشعبي
في اليومين السابقين، تم تداول أخبار عن حملة اعتقالات داخل الحشد الشعبي العراقي، فقد اعتقل أمن الحشد القيادي السابق في سرايا الخراساني، حامد الجزائري.
مصدر داخل الحشد الشعبي تحدث لـ"عربي بوست" عن أمر اعتقال الجزائري المقرب من إيران، فيقول: "تم اعتقال الجزائري من قِبل قوة أمن الحشد، كما تم اعتقال عدد من رجاله، وإغلاق مقره، وتفتيش منزله بالكامل، بأوامر من أبوالفدا -الرئيس الفعلي للحشد الشعبي الآن- لمخالفته أوامر القادة".
ورفض المصدر الإفصاح أكثر عما تحمله كلمة "مخالفة أوامر القادة"، قائلاً: "الآن نحن في مرحلة التحقيق، بعدها سنفصح عن كل شيء".