أفاد موقع Middle East Eye البريطاني، السبت 12 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن إحدى الفصائل المسلحة المدعومة من إيران والأكثر نفوذاً بالعراق، قد تمرّدت على أوامر طهران الداعية إلى وقف استهداف المصالح الأمريكية في بغداد، وما زالت تنفذ هجمات ضد قواتها دون أن تؤكد مسؤوليتها عن ذلك.
كانت إيران قد أصدرت في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أوامر صارمة لحلفائها المسلحين في العراق بعدم مهاجمة أهداف أمريكية، خوفاً من ردود فعل قاسية من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي يوشك على ترك سدة الحكم في يناير/كانون الثاني المقبل، والرامية لعرقلة الجهود الإيرانية للتفاوض مع خليفته جو بايدن، على أرضية العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحب منه ترامب لاحقاً.
خلافاً للتوجيهات الإيرانية الصريحة والصارمة، فقد نفَّذ فصيل شيعي بارز يدعى عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي بعض الهجمات على السفارة الأمريكية في بغداد والمبعوثين الأمريكيين خلال الأسابيع الثلاثة الماضية "دون تنسيق مع أي من الفصائل الأخرى أو الإيرانيين"، بحسب ما أفاد قائد إحدى الفصائل المسلحة للموقع.
يشير ذلك إلى أن عصائب أهل الحق باتت تعمل على هذا النحو خارج السيطرة الإيرانية، دون أن تعتمد على حماية طهران أو الفصائل العراقية شبه العسكرية الأخرى، وهو ما يُثير عديداً من التساؤلات حول مستقبل فصيل شيعي يارز.
وقائع هجمات لـ فصيل شيعي
يأتي ذلك في ظل ما نقلته مصادر أمنية من أن قافلتين عسكريتين تحملان معدات للقوات الأمريكية قد تعرضتا لهجوم الخميس، 10 ديسمبر/كانون الأول، بعبوات ناسفة، على الطريق السريع جنوب بغداد، وقد أسفر الهجوم عن أضرار مادية.
سبق تلك التفجيرات هجومٌ صاروخي آخر استهدف السفارة الأمريكية وسط بغداد، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، ما أدى إلى مقتل طفل وسبعة آخرين، بالإضافة إلى إلحاق أضرار مادية بعدد من الممتلكات الخاصة والمباني الحكومية.
عقب ذلك، أعلنت فصيل شيعي يطلق على نفسه اسم "كتيبة قاصم الجبارين" مسؤوليته عن هجمات العاشر من ديسمبر/كانون الأول، فيما كانت جماعة أخرى تُطلق على نفسها اسم "أصحاب الكهف" قد أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات الصاروخية، في نوفمبر/تشرين الثاني.
غير أنه حتى وقت قريب، لم تكن كلتا المجموعتين معروفة من قبل، لكن تم تداول أسمائهم خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث تناوبوا على إعلان المسؤولية عن هجمات استهدفت قوافل الدعم اللوجستي لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في عدد من المحافظات.
ورغم توجيه أصابع الاتهام إلى كتائب حزب الله، وهي فصيل شيعي يعد الأشد نفوذاً، فإن قادة أربعة فصائل شيعية مسلحة، ومنها تلك المجموعة وعصائب أهل الحق، قد نفوا لموقع MEE مشاركتها في هذه الهجمات.
بل أصرّت تلك المصادر على أن عصائب أهل الحق هي التي نفذت تلك الهجمات، قاطعةً الطريق أمام الهدنة التي كانت الميليشيات قد أعلنتها، في أكتوبر/تشرين الأول، مع الولايات المتحدة.
من جانبه، قال قائد بارز في عصائب أهل الحق، تحدَّث بشرط عدم الكشف عن هويته، لموقع Middle East Eye: "كانت الهدنة مشروطة بجدولة خروج القوات الأمريكية في العراق في غضون شهر واحد، لكن الأمريكيين لم يفوا بهذا الشرط، ولم يفعلوا أي شيء لإثبات نيتهم المغادرة".
كما قال القائد "إن امتناع واشنطن عن وضع أي خطط ملموسة للانسحاب الكامل من العراق يعني أن فصيله لم يعُد ملزماً بوقف إطلاق النار".
عصيان مفاجئ وخلاف كبير
رغم أن رد فعل إيران لم يتضح بعد، فإن الهجمات الأخيرة التي نفذتها مجموعات صغيرة مرتبطة بعصائب أهل الحق "من جانب واحد ودون تنسيق مع الفصائل الأخرى"، أثارت خلافات كبيرة مع كتائب حزب الله، الشريك التقليدي للعصائب على مدى أكثر من عقد من الزمان، والفصائل الشيعية الأخرى المدعومة من إيران.
من جهته، قال سياسي شيعي بارز مقرَّب من إيران، طلب عدم نشر اسمه، لموقع MEE: "لا يزال المسؤولون الإيرانيون يضغطون على [الفصائل العراقية] للتحلي بالصبر وعدم مهاجمة المصالح الأمريكية في العراق، لأن هذه الهجمات قد تربك الوضع السياسي في كل من [العراق وإيران]".
بحسب السياسي، فإن عصائب أهل الحق هي أبرز الفصائل العراقية غير الراضية عن التوجيهات الإيرانية،حيث قال "إن ممثلين عن العصائب قالوا في لقاء مع زعماء الشيعة مؤخراً، إن "الوضع في العراق له خصوصية وأنهم غير ملزمين بوجهة النظر الإيرانية ولن يخضعوا لإرادة طهران".
بحسب الموقع، فإن عصائب أهل الحق تسعى حاليا إلى إعادة إنتاج خطابها الإعلامي والسياسي وتكريس فكرة انتمائها الوطني وعدم ارتباطها بإيران، وذلك بهدف التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، والتنافس على زعامة فصائل المقاومة المسلحة في العراق".
على المستوى الداخلي، يقول قادة فصائل إن اندلاع قتال بين عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله شيء "غير متوقع حالياً"، لكن إصرار عصائب أهل الحق على نهجها الجديد سيعني بالضرورة أن إيران قد تتخلى عنها وتضحي بها وتتركها لمواجهة الأمريكيين والحكومة العراقية وحدها.
تعليقاً على الموقف من تصرفات عصائب أهل الحق، قال أحد قادة كتائب حزب الله لموقع MEE: "كل السيناريوهات ممكنة، ما سيحدث مع فصيل شيعي كعصائب أهل الحق يتوقف على ما يقرره الإيرانيون، والمتوقع أن تسعى إيران إلى إعادتهم لحظيرتها ومحاولة الحد من طموحات [قيس] الخزعلي أو ترضيته بتسويةٍ ما".