شعبوية قبل الانتخابات أم حماية للأمن الداخلي.. لماذا قررت ألمانيا إعادة السوريين لبلادهم الآن؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/13 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/13 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش
ترحيل السوريين بألمانيا

بعد أن كانت البلاد في طليعة الدول المرحبة بالسوريين الفارين من الحرب، قررت ألمانيا يوم الجمعة 11 ديسمبر/كانون الأول 2020 استئناف عمليات ترحيل السوريين بألمانيا الذين يشكلون تهديداً للأمن، اعتباراً من بداية السنة المقبلة 2021، وذلك خلال مؤتمر عبر الهاتف جمع وزير الداخلية الفيدرالي المحافظ هورست سيهوفر ونظرائه الـ16 على مستوى الولايات.

وصرّح وزير الدولة في وزارة الداخلية، هانس يورغ أنغيلكه، لوسائل الإعلام بأن "الحظر العام على الترحيل إلى سوريا ستنتهي مدته في نهاية هذا العام"، مضيفاً أن "الذين يرتكبون جرائم أو يسعون وراء أهداف إرهابية لإلحاق أذى خطير بدولتنا وشعبنا، يجب أن يغادروا البلاد". 

الإرهاب وترحيل السوريين بألمانيا

تعالت الأصوات المطالبة بإعادة دراسة قرار المنع الشامل من الترحيل إلى سوريا، مباشرة بعد الاعتداء الذي حصل مؤخراً في مدينة دريسدن، إذ قال وزير الداخلية هورست زيهوفر في تصريحات تلت الحادث الإرهابي مباشرة "سأعمل من أجل إعادة تقييم إمكانية الترحيل إلى المناطق الآمنة في سوريا".

تغيير الموقف الألماني من ترحيل السوريين بألمانيا أخذ منحى تصاعدياً، بسبب تورط شاب سوري يبلغ من العمر 20 عاماً في تنفيذ اعتداء دام بسكين في مدينة دريسدن، كما أنه كان مداناً بعدد من الجرائم ومعروف بقربه من الأوساط الإسلامية، وكان يقيم في ألمانيا بموجب وضع خاص يمنح للأشخاص الذين تُرفض طلباتهم للجوء ولا يمكن ترحيلهم.

وكانت فكرة وزير الداخلية في إعادة النظر بمراجعة قرار وقف ترحيل السوريين بألمانيا قد لاقت دعماً كبيراً وسط سياسيين ألمان، مثل موقف نوربرت روتغن، عضو الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي دعا حينها إلى "استئناف عمليات الترحيل إلى سوريا، لتكون إشارة سياسية واضحة داخلياً وخارجياً مفادها أن ألمانيا ليست مكاناً لحماية من يشكلون خطراً لهجمات إرهابية".

وسبق لتوماس ستروبل وزير الداخلية في ولاية بادن فورتمبيرغ عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أن صرح لوسائل الإعلام بعد حادث الاعتداء الذي ارتكبه الشاب السوري مباشرة وقال: "لا يستطيع أحد أن يقنع آخر بأنه حتى المجرمين الذي ارتكبوا جرائم فظيعة لا يمكن ترحيلهم إلى سوريا".

من جهته يقول المحلل السياسي علي العبسي في حديثه مع "عربي بوست" إن "قرار ترحيل السوريين بألمانيا جاء في خضم ما شهدته ألمانيا من أزمات تسبب فيها أشخاص لهم ارتباط بمنظمات أو فكر إرهابي والمشكل الذي طرح أمام القضاء الألماني في هذه القضايا، بالإضافة إلى ارتفاع ملحوظ في نسب ارتكاب الجرائم، وهو ما جعل الشارع الألماني يتذمر من هذه التغيرات السلبية".

ومن وجهة نظر حقوقية، اعتبر كريم الواسطي، عضو مجلس شؤون اللاجئين في ولاية ساكسونية السفلى، في تصريحات لـ"عربي بوست" أن "اتخاذ ترحيل السوريين بألمانيا بإعادة الأشخاص الخطرين إلى سوريا تعتبر نقطة انعطاف مهمة وسلبية  في تدبير ملف اللاجئين السوريين من قبل الحكومة الألمانية، وانتكاسة للسياسة الداخلية، ونعتبرها كحقوقيين ضربة كبيرة لحقوق الإنسان في ألمانيا".

وأضاف المتحدث أن "الإصرار على طرح هذا موضوع ترحيل السوريين بألمانيا في اجتماع وزراء الخارجية للمقاطعات بمبادرة من الحزب المسيحي البافاري كان مخيبا للآمال"، مؤكداً أن الوضع حالياً "يجعلنا أمام منعطف يسمح بإبعاد هؤلاء الأشخاص الخطرين إلى دولة تمثل خطراً على حقوقهم وحياتهم، على الرغم من المواثيق الدولية التي تمنع ذلك وتعتبره انتهاكاً".

وتحدث الواسطي عن كون قرار ترحيل السوريين بألمانيا "يعطي إشارات للأحزاب وللناخبين المقربين من اليمين المتطرف والشعبوي، ويمكن اعتباره بمثابة تسابق مع الأحزاب الشعبوية من أجل الظفر بالناخبين".

فكرة الواسطي يتفق معها المحلل السياسي علي العبسي، الذي اعتبر أن "الوصول لمرحلة عدم تمديد الحظر المفروض منذ سنوات على قرارات الترحيل يؤشر إلى تغير كبير داخل الرأي العام والأوساط السياسية الألمانية"، معتبراً أن "الدفع نحو العودة لاعتماد خاصية الترحيل يمكن اعتباره "حركة من قبل السياسيين الألمان لإرضاء الرأي العام المحلي في ألمانيا وجلب تعاطف الأصوات الانتخابية استعدادا لانتخابات العام المقبل".

 رفض حقوقي

شكل قرار ترحيل السوريين بألمانيا صدمة وسط البلد الذي استقبل حوالي 790 ألف سوري منذ 10 سنوات ويضم حاليا أكبر جالية سورية في أوروبا.

وكانت ألمانيا قد علقت منذ 2012 عمليات الترحيل إلى سوريا بسبب النزاع الدامي الذي أسفر خلال قرابة 10 أعوام عن أكثر من 380 ألف قتيل وملايين اللاجئين.

ومن بين الفاعلين السياسيين في المشهد الألماني الرافضين لقرار ترحيل السوريين بألمانيا، الحزب المسيحي الاجتماعي الشريك الأصغر في الحكومة، الذي سعى لتمديد الحماية المطبقة منذ 2012 لمدة ستة أشهر أخرى إضافية، إذ اعتبر الحزب أن الوضع المحفوف بالمخاطر في سوريا لا يسمح بالدفاع عن عمليات الترحيل إليها.

كما أن كان من بين الرافضين لإعادة اعتماد هذا قرار ترحيل السوريين بألمانيا كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار، إذ كان أعضاء هاذين الحزبين من بين المنتقدين للفكرة والمتخوفين من آثارها.

وقال بوريس بيستوريوس عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي المشارك في الائتلاف الحاكم، إنه "من الناحية العملية فإن إجراءات ترحيل السوريين بألمانيا إلى سوريا يمكن أن تبقى شبه مستحيلة لعدم وجود مؤسسات دولة لدينا علاقات دبلوماسية معها"، منتقداً بشكل حاد رمزية معنى أن "تصبح ألمانيا التي استقبلت أكثر من مليون مهاجر، بينهم مئات آلاف السوريين، في ذروة أزمة تدفق المهاجرين، أول دولة في الاتحاد الأوروبي تقوم بإلغاء حظر الترحيل"، معتبراً أن "الأمر لا يدعو "للافتخار".

ومن بين المنظمات التي أعلنت عن رفضها للقرار، منظمة "كاريتاس" الخيرية التي انتقدت قرار ترحيل السوريين بألمانيا، إذ قال رئيسها بيتر نيهر في تصريحات إعلامية حول الموضوع إن "الوضع كارثي في سوريا والمخاطر التي سيتعرض لها من تم ترحيلهم بعد عودتهم، ستكون كبيرة".

وذٌكر الحقوقي الواسطي في تصريحه لـ"عربي بوست" أن "المنظمات الحقوقية في ألمانيا حاولت سبيل مراسلة الأحزاب والسياسيين في ثنيهم عن الموافقة على قرار ترحيل السوريين بألمانيا، على اعتبار أن النظام السوري معروف بانتهاكاته الصارخة في مجال حقوق الإنسان"، مشدداً على أن "تقارير منظمات حقوق الإنسان توضح الوضع على الأراضي السورية أكثر وتوضح الانتهاكات التي تجري هناك في ظل حكم نظام بشار الأسد".

وتحدث كريم الواسطي عن "صعوبة تطبيق هذا قرار ترحيل السوريين بألمانيا الذي يتطلب علاقات مع الحكومة السورية المنعزلة عن المجتمع الدولي بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان وجرائم الحرب"، معتبراً أن "جعل قنوات تربطك بحكومة كهذه ليس صواباً وفرصة تستغل من قبل النظام ليجعل من نفسه جهة تفاوض رسمية".

وشدد الحقوقي على أن "مبدأ اتخاذ إجراءات في حق الخارجين عن القانون والأشخاص الخطرين، بشرط أن تتماشى مع مفهوم الدولة الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان وأن يتم التعامل مع هؤلاء الأشخاص في إطار القانون الدولي"، معتبرا أن "الإصرار على إبعادهم إلى سوريا نقطة سلبية وانتكاسة في الموقف الألمان".

وذكر المتحدث أنه "منذ 2014 إلى اليوم، تعرض ما يفوق 1900 شخص عائد إلى سوريا للسجن والتعذيب، وهذا مؤشر خطير لما يمكن أن يصيب هؤلاء المهددين بأحكام الترحيل وما يمكن أن يتعرضوا له في سوريا في ظل نظام الحكم القائم".

من جهته اعتبر المحلل السياسي علي العبسي أن "استئناف عمليات ترحيل السوريين بألمانيا أمامه عراقيل كبيرة بسبب كل المراحل التي يجب القيام بها قبل تنفيذه في حق شخص ما مهما كان متورطاً، لذلك يبقى القرار في رأيي رمزي أكثر منه قراراً عملياً"، كما أن تفعيل الترحيل "يستوجب جهداً دبلوماسياً كبيراً واتفاقاً مع سوريا ودول الجوار مثل لبنان أو الأردن وتركيا والعراق وإقليم كردستان".

وعن انعكاسات قرار ترحيل السوريين بألمانيا على المعنيين بالأمر من اللاجئين السوريين، اعتبر المحلل السياسي علي العبسي أن "ترحيل المتهمين في جرائم إرهابية أو المنتمين لتنظيم داعش الإرهابي إلى سوريا، يعني الحكم عليهم بالإعدام فور وصولهم، وهذا سبب كاف في يد محاميي هؤلاء الأشخاص لاستعماله أمام القضاء للمطالبة بعدم ترحيلهم".

تحميل المزيد