أعاد التصويت الأخير للجنة المخدرات بالأمم المتحدة إعادة تصنيف نبتة القنب الهندي من فئة "الأكثر خطورة" إلى الفئة "الأقل خطورة" وفتح باب استعمالها الطبي (أعاد) جدل تقنين زراعة هذه النبتة في المغرب إلى الواجهة.
تُعتبر زراعة القنب الهندي (الكيف باللغة العامية المغربية) المصدر الرئيسي لعيش أزيد من 90 ألف أسرة في ريف شمال المملكة، كما أن المغرب يُعد المصدر الأول للحشيش المستخرج من النبتة نحو أوروبا.
وأمام هذه التصنيفات يُعول مزارعو القنب الهندي في المغرب على تقنين نشاطهم، وإخراجهم من الفقر وتجنيبهم سلسلة المطاردات والمتابعات القضائية، مقابل استفادة كبار الوسطاء والمهربين الذين يجنون أموالاً طائلة من تجارة هذه النبتة وتصديرها لأوروبا.
تصنيف القنب الهندي
اختار المغرب، نهاية الأسبوع الماضي التصويت بـ"نعم" على مقترح استعمال نبتة القنب الهندي في الاستخدام الطبي، وهو القرار الذي وافقت عليه 27 دولة مقابل رفض 25 دولة بالأمم المتحدة.
وكشف جلال التوفيق، عضو اللجنة الدولية للمخدرات بالأمم المتحدة، أن "تصويت المغرب إلى جانب 26 دولة لصالح إعادة تصنيف القنب الهندي جاء تأسيسا على توصيات منظمة الصحة العالمية، التي ارتأت أن عدداً من الأمور التي تتضمنها الاتفاقية الدولية للمخدرات لسنة 1961 أصبحت متجاوزة".
أوضح التوفيق في تصريح لـ"عربي بوست" أن "القرار الجديد للجنة المخدرات بالأمم المتحدة جاء لتصحيح خطأ الاتفاقية الدولية للمخدرات لسنة 1961، إذ لم يكن معروفاً لدى الباحثين أن القنب الهندي يُمكن استعماله في الميدان الطبي والعلاجي، لكن الآن اتضح أن مشتقاته لها مزايا علاجية على الرغم من محدوديتها وهو ما استدعى نقله من فئة المخدرات التي يضمها الجدول الرابع (الأكثر خطورة) إلى الجدول الأول (الأقل خطورة)".
وأشار المتحدث إلى أن "إعادة تصنيف القنب الهندي لا تعني انتفاء خطورته، بل فقط الاعتراف بالمزايا العلاجية له"، مضيفاً أن "بعض مشتقات القنب الهندي يمكن أن تستعمل في علاج مرض الصرع لدى الأطفال والألم المزمن".
وأضاف التوفيق أن "الجدل القائم على المستوى الدولي بشأن القنب الهندي سببه مادة "الكانابيديول"، وهي مادة غير محظورة ولا تسبب الإدمان، مشيراً إلى أن "عدداً من الشركات العالمية ترغب في الاستثمار في هذه المادة، لكن حينما يتم استخلاصها من النبتة يجب أن تكون خالية من "التتراهيدروكانابينول"، وفي حالة تحقق هذا الشرط يمكن أن تستعمل هذه المادة سواء في الميدان الطبي كما يمكن استهلاكها دون مشاكل".
أصل القنب الهندي
لا يُعرف تحديداً متى بدأت زراعة القنب الهندي في المغرب، خاصة في قبيلتي كتامة وبني خالد وسط جبال الريف شمال المغرب، هذه المنطقة التي يُطلق عليها اسم "بلاد الكيف"، إلا أن الباحث الفرنسي، الكولونيالي أوجست مولييراس، مؤلف كتاب "المغرب المجهول" كشف أن زراعة هذه النبتة قديمة جداً، فيما تتحدث مصادر أخرى أن النبتة ظهرت في عهد الملوك السعديين أي في القرن السادس عشر الميلادي.
وتُنسِبُ الرواية الشفهية تسمية نبتة القنب الهندي بـ"الكيف" في المغرب إلى الولي الصالح سيدي أمحمد جمعون بدوار دروتان جماعة تمروت قبيلة بني خالد المشهور بـ"الشريف مول الكيف" (الشريف صاحب الكيف).
وتقول الرواية إن "سيدي محمد جمعون" أمر ساكنة كتامة بقطع أشجار الغابة وزارعة التبغ بدلها، وحينما ظهرت نبتة القنب الهندي التي لا يعرف لحد الآن كيف دخلت المنطقة، سأل سكان القبيلة الولي الصالح عن جواز زراعته مثل التبغ فأجابهم "كيف كيف" (لا فرق بينها) فاُطلق على النبتة اسم "الكيف" بالعامية المغربية.
يقول عبدالحي الطيار، فاعل جمعوي ورئيس الهيئة الإقليمية لمنتخبي حزب الأصالة والمعاصرة بإقليم شفشاون شمال المغرب، إن "ساكنة المنطقة بنوا ضريحاً على قبر أمحمد جمعون، الذي عاش في المنطقة خلال فترة حكم السعديين، وتتبرك الساكنة من هذا الضريح عقب انتهاء موسم حصاد القنب الهندي، وذلك في مهرجان تتخلله الاحتفالات وتُقدم خلاله الذبائح بحثاً عن رضا الولي وعن زيادة محصول الموسم المقبل".
ولم يتردد الطيار في حديثه مع "عربي بوست" عن الدفاع عن "بلاد الكيف"، معتبراً أن "زراعة القنب الهندي في المناطق التاريخية ليست مورداً اقتصادياً فقط، بل تراث زراعي توارثته ساكنة المنطقة أباً عن جد، مما يستدعي الحفاظ عليه".
وتابع المتحدث: "القنب الهندي أصبح جزءاً من هوية قبيلتي كتامة وبني خالد، مما يستدعي الحفاظ عليه بخصوصيته المحلية كإرث للمنطقة"، معتبراً أن "انتشار زراعة النبتة في مناطق أخرى بعيداً عن مناطقه التاريخية خطأ يجب التراجع عنه من طرف الدولة مقابل تقنينه في منطقة كتامة وبني خالد".
عبدالحي الطيار، طالب الدولة السماح بـ"استهلاك القنب الهندي المغربي في مناطقه التاريخية داخل المقاهي، فهو تراث يمتد لثلاثة قرون، وأصبح جزءاً من الهوية والذاكرة لدرجة أن هناك موسماً يقام سنوياً بضريح شهير بالمنطقة، والذي تنسب إليه فتوى إباحة زراعة الكيف".
ويبرز الطيار أن "القنب الهندي لم يجرم بظهير ملكي، إلا في سنة 1974 أما قبل هذا التاريخ فقد كانت زراعته مباحة"، معتبراً أن "اليوم أصبح هناك وعي عالمي بأهمية الاستعمال الطبي لهذه النبتة".
وطالب المتحدث الدولة بـ"تنزيل قرار الأمم المتحدة لتقنين زراعة الكيف من خلال وضع سياسات عمومية تستحضر معاناة مزارعي الكيف وإعادة الاعتبار إليهم، مشيراً إلى أن أغلب المزارعين هم من الطبقات الشعبية ولم يسمعوا بهذا القرار".
من جهته يرى جلال التوفيق، عضو اللجنة الدولية للمخدرات بالأمم المتحدة في حديثه مع "عربي بوست" أن "المغرب إذا ما أراد الشروع في الاستعمال الطبي للقنب الهندي، فإن الأمر يتطلب إنشاء وكالة مهمتها الإشراف على هذه العملية من خلال منح الترخيص للمستثمرين وتتبع ومراقبة البذور المزروعة، بما في ذلك البذور المستوردة".
القنب الهندي وغياب البديل
يخشى مزارعو القنب الهندي في مناطق الزراعة شمال المغرب الحديث إلى وسائل الإعلام عن نشاطهم الزراعي خوفاً من الملاحقات القضائية، بما أن القانون المغربي لحدود اليوم لم يُقنن زراعة النبتة رغم الأصوات الحقوقية والتشريعية التي طالبت بالسماح لهؤلاء بممارسة نشاطهم بشكل سليم.
ميلود مزارع بالغ من العمر 36 سنة تحدث إلى "عربي بوست" باسم مستعار خوفاً على محصوله الزراعي من الإتلاف كما حصل مع العشرات من أقرانه، الذين تعرضوا للمضايقات بمجرد الحديث عن الموضوع خارج جبال الريف الشاهقة.
ميلود كغيره من عدد من أبناء المنطقة حافظ للقرآن، وحاصل على شهادة الإجازة من كلية أصول الدين بتطوان، فهذه المنطقة التي تُعرف بـ"كولومبيا المغرب" أغلب أبنائها يحفظون القرآن منذ الصغر، ولذلك فلن يكون غريباً أن تجد مسجداً شامخاً في أحد الدواوير تحيط به حقول القنب الهندي.
يقول ميلود في حديثه مع "عربي بوست": "حصلت على الإجازة من كلية أصول الدين وشاركت في عدد من المباريات دون أن أتمكن من الحصول على وظيفة في الدولة تقيني شر زراعة القنب الهندي وفي الأخير استجبت إلى نداء الأرض، فقررت ممارسة مهنة أجدادي".
وأضاف المتحدث: "ورثنا زراعة القنب الهندي أباً عن جد، وفي ظل غياب بديل يحفظ كرامتنا لا يمكننا الاستغناء عن هذا النشاط، والدولة اليوم هي المسؤولة، فلم تقم بشيء من أجل تنمية المنطقة، ولا تقنين الزراعة وشرائها مباشرة من المزارعين بدل تركهم لقمة سائغة للمهربين وأباطرة المخدرات".
وإذا كان ميلود قد اختار زراعة القنب الهندي للعيش الكريم، فإن الشاب بلال المنحدر من منطقة كتامة وجد في تربية النحل بديلاً، وذلك في غياب أي دعم حكومي، أو قانوني في المنطقة يجعله يمارس مهنته في ظروف صحية.
يقول بلال في حديثه مع "عربي بوست": "عدد من أفراد عائلتي يزرعون القنب الهندي، ومن المؤكد أن عدم دعم الدولة لمبادرات الشباب ومواكبتها لن يؤدي بهم إلا لمزيد من التشبث بهذه الزراعة".
بدوره يؤكد عبدالله أحد الفلاحين الصغار بمنطقة أساكن أن زراعة القنب الهندي ورثها عن أجداده، معبراً عن "رغبته في الانخراط في أي مبادرة تقدم عليها الدولة وتكون غايتها تقنين زراعة النبتة واستعمالها طبياً، لكنه يخشى أن يكون ذلك على حساب صغار المزارعين، وأن تقوم الشركات الكبرى باحتكار زراعة هذه النبتة".
متابعات قانونية
في كل سنة تقوم السلطات المغربية بحملة مداهمات لمناطق زراعة القنب الهندي وذلك بحرق عدد من الهكتارات، وإصدار مذكرات بحث في حق عدد من المتهمين بزراعة النبتة والاتجار فيه، ويقدر عدد المتابعين في المناطق الريفية بقضايا زراعة القنب الهندي بحوالي 45 ألف شخص.
وترفض الحكومة مناقشة مقترح قانون يهدف إلى العفو العام على مزارعي الكيف، مؤكدة أن هذه النبتة محظورة وطنياً ودولياً ولا يمكن التغاضي عن مخالفة القانون.
وبحسب عبدالحي الطيار فإن "الأشخاص المتابعين في قضايا زراعة الكيف يواجهون عدة مشاكل، إذ يحرمون من مجموعة من الحقوق، بما في ذلك حقهم في الحصول على بعض الوثائق الإدارية".
وكشف الفاعل الجمعوي الطيار في حديثه مع "عربي بوست" أن "عدداً من المزارعين لا يذهبون للإدارات العمومية خوفاً من أن يكونوا ضمن المبحوث عنهم. فهم يخشون جميع إدارات الدولة، كما أن جميع سكان المنطقة تحولوا إلى متهمين".
ويرفض الطيار النظرة الدونية لمزارعي القنب الهندي قائلاً هناك "نظرة كلاسيكية عن المزارعين باعتبارهم مجرمين ومافيا وأنهم أغنياء يعيشون في رفاه اقتصادي، لكن الأمر عكس ذلك تماماً، فـ"بلاد الكيف" تُسجل فيها أقل نسب الجرائم وأغلبهم بسطاء مسالمون ومتدينون محافظون".
وتابع المتحدث: "أنا مع العفو العام على جميع المزارعين المبحوث عنهم وأيضاً مع رد الاعتبار القانوني لجميع مستهلكي القنب الهندي أو الحشيش المغربي بشكل تلقائي".
وجهة نظر الطيار لا يتقاسمها معه آخرون إذ اعتبر النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، علي العسري أنه "ليس كل المزارعين بسطاء، بل إن بعضهم تحولوا إلى تجار حشيش، إذ يقومون باستخراج مخدر الحشيش من نبتة الكيف ثُم يبيعونها".
ويؤكد العسري في حديثه مع "عربي بوست" أن "مشكلة زراعة القنب الهندي أعقد مما يتصور البعض، إذ أصبحت جزءاً من المعيش اليومي وثقافة المنطقة التي يصعب إقناع أهلها بالتخلي عنها"، لكنه يرى في المقابل أن "الحكومة ملزمة بالالتفات إلى ساكنة هذه المناطق وفك العزلة عنها".
ويقول عبدالله، الذي سبقت متابعته بتهمة زراعة القنب الهندي، إن "سكان المنطقة يعيشون في هلع دائم مخافة أن تكون قد صدرت في حقهم مذكرات بحث، فضلاً معاناة أبناء المنطقة من الوصم الاجتماعي"، ويقول: "كلما أوقفني شرطي وتأكد أنني من بلاد الكيف يعتقد أنني غني وأتاجر في الممنوعات ويجب أن أدفع إتاوة له".