أعلن قصر الإليزيه، الأربعاء 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، وفاة الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان عن عمر يناهز 94 عاماً في منزله، وذلك جرّاء إصابته بفيروس كورونا المستجدّ، لتغيب بذلك شخصية ساهمت في إحداث تغييرات جوهرية في بلادها، ودعمت الخطوات الأولى لإنشاء الاتحاد الأوروبي.
الرئيس الفرنسي الأسبق الذي أُدخل المستشفى مرّات عدة خلال الأشهر الأخيرة بسبب مشاكل في القلب، كان حين انتخب في 1974 أصغر رئيس في تاريخ الجمهورية الخامسة إذ كان عمره 48 عاماً عندما تسلّم مفاتيح قصر الإليزيه.
رئيس وحدوي: تولّى جيسكار ديستان الرئاسة في 1974 بعدما فاز على الاشتراكي فرانسوا ميتران الذي لم يلبث أن انتقم لهزيمته في 1981 حين فاز بالانتخابات وحرم الرئيس المنتهية ولايته من البقاء في سدّة الرئاسة لولاية ثانية.
لكن، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، شكّل عهد هذا الرئيس الوسطي قطيعة مع النزعة المحافظة التي طبعت فرنسا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أجرى جيسكار ديستان في فرنسا حملة إصلاحات جذرية تضمّنت تشريع الإجهاض وتحرير الطلاق وخفض سنّ الاقتراع إلى 18 عاماً.
وفي أوروبا، ساعد في الدفع قدماً نحو الاتحاد النقدي بالتعاون الوثيق مع المستشار الألماني هيلموت شميدت الذي أصبح "صديقاً" له.
وحتى بعد خروجه من الإليزيه ظلّ هذا المؤيّد الشرس للوحدة الأوروبية يعمل في سبيل تحقيق التكامل الأوروبي، لا سيّما حين عيّن في مطلع الألفية الثانية رئيساً للمؤتمر الأوروبي الذي وضع مشروع دستور أوروبي موحّد لكنه لم يرَ النور.
كما يُعد الأب المؤسّس لمجموعة السبع، إذ إن قادة هذا النادي الذي يضمّ الدول الصناعية الأغنى في العالم اجتمعوا للمرة الأولى في 1975 بدعوة منه، في قمّة سرعان ما أصبحت موعداً سنوياً.
من جانبه، نعى الرئيس إيمانويل ماكرون الرئيس الأسبق، معتبراً أن "عهده غيّر فرنسا"، مشيراً إلى أن الراحل "كان خادماً للدولة وسياسياً يؤمن بالتقدّم والحريّة".
وكتبت صحيفة "لو باريزيان" في عددها الصادر الخميس إن "التاريخ لم ينصف بعد هذا الرئيس الذي أُسيء فهمه"، معتبرةً أن الراحل كان "منسياً بعض الشيء" لدى لمواطنيه على الرغم من أنه الرئيس الذي طوّر فرنسا "لكنّ الفضل في هذا لن يُنسب له أبداً".
تاريخ من العمل النضالي: أشارت وكالة الأنباء الفرنسية إلى أن ديستان اشتهر بانتهاجه أسلوب حياة أكثر تحرّراً واسترخاء من أسلافه، إذ إنه لم يتوانَ عن الظهور علناً وهو يلعب كرة القدم أو يعزف الأكورديون، كما لم يجد غضاضة في دعوة عدد من جامعي القمامة لتناول الإفطار أو في أن يحلّ ضيفاً يتناول العشاء في منازل مواطنين عاديين.
تشير الوكالة إلى أن الرئيس الراحل كان عمره 18 عاماً فقط حين التحق بصفوف المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية وشارك في تحرير باريس من المحتلّين النازيين في 1944، قبل أن يقاتل لمدة ثمانية أشهر في ألمانيا والنمسا.
كما انخرط جيسكار ديستان في الحياة السياسية عام 1959، وأصبح وزيراً للمالية في 1969. وبعد فشله في الفوز بولاية رئاسية ثانية لم يعتزل السياسة بل ظلّ يمارسها، من تحت قبة البرلمان الفرنسي كما الأوروبي، وذلك حتى عام 2004 حين سقط في الانتخابات التشريعية فاعتزل العمل السياسي.
خُلّد في أغنية ساخرة: خلال زيارته لمصر عام 1975، وذلك في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، استغل الثنائي الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم هذه الفرصة لأداء أغنية تحمل اسمه، تنتقد الزيارة وحقيقة أهدافها بأسلوب ساخر اشتهر به الرجلان اللذان عُرفا بحسّهما الوطني الناقد للنظام.
يأتي في مطلع الأغنية المقطع التالي: "فاليري جيسكار ديستان، والست بتاعه كمان.. هيجيب الديب من ديله.. ويشبعوا كل جعان"، ومن مقاطعها البارزة التي تسخر من محاولة الإعلام الرسمي إبراز الزيارة وكأنها ستحل كافة مشاكل مصر، وستقلب الأوضاع من النقيض إلى النقيض "التلفزيون حيلوّنْ (سيصبح بالألوان)، والجمعيات تتكون (يتم إنشاؤها)، والعربيات حتموّنْ (تعبئ) بدل البنزين بارفان (عطر)".