بشكل مفاجئ أعلنت الرئاسة الفلسطينية أن الرئيس محمود عباس وصل إلى العاصمة الأردنية عمان، في إطار جولة خارجية يقودها رفقة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، للقاء بملك الأردن عبدالله الثاني، وبعده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وذلك لبحث سبل مواجهة التطبيع مع إسرائيل وترميم العلاقات الإقليمية بالمنطقة.
الزيارة التي يجريها الرئيس الفلسطيني هي الأولى له منذ آخر جولة زيارة للعاصمة المصرية القاهرة في فبراير/شباط الماضي، وذلك في إطار حضوره لاجتماع على مستوى وزراء خارجية دول الجامعة العربية، وقد التقى حينها بأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبوالغيظ.
مواجهة التطبيع
تأتي دلالات الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأردن ومصر في ظل تسارع الأحداث التي شهدتها المنطقة في الأسابيع الأخيرة، والتي بدأت بإعلان مفاجئ من السلطة الفلسطينية عن إعادة العلاقات المتوقفة مع إسرائيل والتنسيق الأمني معها.
أيضا، تأتي هذه الزيارة بسبب حالة الاحتقان لدى الفصائل والشارع الفلسطيني بسبب توقف مفاوضات المصالحة بين حركتي حماس وفتح، وتعويل السلطة على دور أكبر لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الذي أعلن عن مواقف سياسية جديدة لقيت ترحيباً فلسطينياً.
وقال أبويوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إن "مضامين الزيارة التي يجريها الرئيس محمود عباس إلى كل من عمان والقاهرة، لا تختلف في سياقها عن جولات سابقة، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحتان الداخلية والخارجية، ولكن الهدف الرئيسي منها يتمثل في إعادة ترميم العلاقات مع الدول التي خرجت عن الصف الوطني في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس الأمريكي ترامب، إضافة إلى محاولة استدراك محاولات بعض الدول العربية لوقف سيرها على خُطى الدول المطبّعة مع إسرائيل".
وأضاف أبويوسف في حديثه مع "عربي بوست" أن "هنالك تحضيرات تجرى على قدم وساق لبلورة موقف عربي موحد، يدعم توجهات السلطة الفلسطينية لإعداد خطة جديدة للسلام توازي صفقة القرن، وهذا أمر يحتاج إلى تنسيق المواقف مع محيطنا العربي أولاً، ثم الخروج بصيغة نهائية لاعتماد هذه الخطة كمرجعية رئيسية للسلام، وقد حصلنا على موافقة من بعض الدول في القارة الأوروبية لهذا التوجه، ونحن نجري تنسيقاً موازياً مع الدول العربية في إطار ذلك".
وكشف المتحدث أن "زيارة الرئيس محمود عباس للأردن جاءت للتأكيد على موقف السلطة الداعم لإبقاء الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، ورفض أي محاولات أو خطط يجري التحضير لها لنزع هذه الوصاية أو استبدالها، لأن المساس بهذا الملف قد يفتح الباب أمام تغيرات جذرية في الساحة الفلسطينية".
مرحلة جديدة
تشير الكثير من الدلائل إلى أن السلطة الفلسطينية تتحضر لبدء مرحلة جديدة من العلاقات مع محيطها الإقليمي والدولي، بعد أن وضعت نفسها في موقف المواجهة المباشرة مع الدول العربية، بسبب رفضها لخطوات التقارب التي قادتها الإمارات والبحرين لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، إذ اعتبرت السلطة الفلسطينية خطوات التقارب هذه بمثابة "ضغط سياسي عربي للقبول بصفقة القرن".
مقابل ذلك فرضت دول عربية حصاراً مالياً على السلطة الفلسطينية بسبب مواقفها المتشددة تجاه دول الخليج المطبعة، الأمر الذي أوصل السلطة إلى مرحلة القبول بهذا الواقع الجديد، والقبول به بسبب الثمن السياسي والمالي الذي دفعته في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي أرغمها على التراجع عن مواقفها الأخيرة وإعادة السفيرين الفلسطينيين إلى الإمارات والبحرين، بعد أن قررت استدعاءهما كتعبير عن مواجهة التطبيع مع إسرائيل.
عبدالله عبدالله رئيس الدائرة السياسية بالمجلس التشريعي، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال لـ"عربي بوست" إن "السلطة الفلسطينية لا يمكن أن تنسلخ عن محيطها العربي، وما جرى في الأشهر الأخيرة جاء كرد فعل على ممارسات دفعتها لاتخاذ موقف متشدد تجاه الدول المطبعة، ولكن ذلك لا يمنع أن تعاد الأمور لمسارها الصحيح، فالسلطة لا يمكن أن تخوض مواجهة مزدوجة مع الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية دون أن يكون هناك سند عربي لها".
وأضاف المتحدث: "نتطلع لطيّ صفحة الخلافات مع الدول التي خرجت عن الإجماع العربي، من أجل محاولة الخروج بصيغة إجماع لدعم خطة سلام موازية لصفقة القرن، سيكشف عنها الرئيس عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مطلع العام القادم، وسوف تتضمن رؤية مختلفة عن رؤية الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، تضمن الحفاظ على حقوق شعبنا، وهذا لا يمكن تحقيقه دون أن يكون هناك دعم عربي مسبق لهذه الرؤية الجديدة للسلام".
وقال المتحدث إن "السلطة الفلسطينية دفعت ثمناً كبيراً للحفاظ على موقف عربي موحد، وهذا الثمن أبقى القضية الفلسطينية في مركزيتها كقضية ليس للفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية عربية إسلامية بالدرجة الأولى، لذلك نحن نحاول أن نبقي على خط العلاقات مع كافة الدول الصديقة لنا، حتى لو ظهرت بعض الخلافات التي يمكن تجاوزها، لأن خسارتهم تعني تفرد إسرائيل بالقضية الفلسطينية، وهذا ليس في صالحنا".
استباق زيارة نتنياهو للقاهرة
في سياق متصل، كشفت صحيفة معاريف العبرية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستعد لزيارة القاهرة خلال الأسابيع القادمة، للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورغم أن هدف الزيارة يتمثل بتعزيز العلاقات الاقتصادية، فإن ذلك لا ينفي فرضية محاولة السلطة الفلسطينية نقل رسائل سياسية إلى إسرائيل من خلال استباق الرئيس عباس زيارته للقاهرة.
وكشفت مصادر لـ"عربي بوست" أن "إسرائيل تعلم جيداً أن السيسي يعد محوراً مهماً في إطار فرض التطبيع مع باقي الدول العربية، ويمكن استخدامه كي يمارس ضغوطه على الرئيس عباس لتطويع الموقف الفلسطيني الذي أعلن مواجهة التطبيع، وإخضاعه من جديد للإرادة العربية الرسمية المتجهة للانخراط في حلف إقليمي مع إسرائيل".
عبدالستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "السلطة الفلسطينية تحاول أن تعيد تموضعها في المنطقة، وتحاول أن تستدرك الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي، وزيارة القاهرة وعمان هي بمثابة الرجوع لبيت الطاعة، والقبول بالواقع الجديد الذي شهدته المنطقة في الأسابيع الأخيرة".
وأضاف المتحدث أن "السلطة الفلسطينية تسعى إلى مد جسور التواصل مع الدول العربية المنضوية تحت لواء محور الإمارات، ولذلك تأتي زيارة عباس إلى القاهرة بمثابة بوابة رجوعه إلى أحضان هذا المحور الذي يضم الإمارات والسعودية ومصر، والهدف منه محاولة القبول باشتراطات ورؤية هذه الدول، وكأنه تنسيق متفق عليه بينها، لأن المواجهة معها ستكون خاسرة، أما الثانية فتتمثل بإنقاذ الحالة الفلسطينية من الداخل، لأن استمرار الحصار المالي للسلطة قد يكون بوابة لانقلاب ناعم ضد قياداتها".