كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" عن وجود اتصالات سرية أجراها الديمقراطيون والإدارة الأمريكية القادمة مع الجانب الإيراني لإرسال تطمينات لطهران بـ"عدم الانسياق والانجرار وراء حالة الاستفزاز التي تقوم بها إدارة ترامب تجاه إيران".
وطلب الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من طهران عدم إبداء أي ردة فعل أو اكتراث والانتظار حتى موعد تنصيبه يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021.
وأوضحت مصادر إيرانية مطلعة لـ"عربي بوست" أن القلق الإيراني بدأ يتصاعد أكثر في الآونة الأخيرة بالفعل.
يأتي هذا بعد أن أعلن الجيش الأمريكي يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني إرسال قاذفة من طراز "بي-52 إتش" (B-52H) من الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، في مهمة طويلة لردع "العدوان" وطمأنة شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، دون تحديد وجهتها النهائية. ثم ما تلاه من اغتيال عالِم نووي إيراني كبير في طهران.
رسائل أمريكية رفيعة المستوى
وأوضحت المصادر أن رسائل الرئيس الأمريكي المنتخب جو بادين حملها مستشاروه ومقربوه، إذ وصلت الرسائل من خلال كل من وزير الخارجية السابق جون كيري، وأليخاندرو مايوركاس وزير الأمن الداخلي الأمريكي في حكومة بايدن القادمة.
هذا بالإضافة إلى ليندا توماس غرينفيلد، التي رشحها الرئيس المنتخب بايدن لتكون سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة.
ووصلت الرسائل من هؤلاء الدبلوماسيين الأمريكيين إلى عباس عراقجي الذي يشغل منصب نائب للشؤون القانونية والدولية بوزارة الخارجية الإيرانية.
كما وصلت رسالة أخرى إلى ممثل إيران لدى الأمم المتحدة مجید تخت روانجي، بعدم الرد على حادثة اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة يوم الجمعة 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وعدم الرد على الاستفزازات التي يقوم بها ترامب في محاولة منه لجر إيران إلى حرب بتوافق أمريكي – إسرائيلي – سعودي.
زيارة نتنياهو وبومبيو
تأتي هذه الرسائل كتطمينات في أعقاب القلق الذي أبدته طهران بعد زيارة غير مسبوقة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخراً إلى المنطقة، والتي شملت الضفة الغربية والجولان، حيث وصفت بالزيارة غير الاعتيادية لمسؤول أمريكي رفيع المستوى.
وبهذا الصدد أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أنّ موسكو تعتبر زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للجولان السوري المحتل عملاً استفزازياً.
وكانت تقارير إعلامية إسرائيلية كشفت النقاب عن "زيارة سرية" قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للسعودية يوم الأحد 22 نوفمبر/تشرين الثاني، وأكدت هيئة البث الإسرائيلية (كان) وإذاعة الجيش الإسرائيلي أنّ نتنياهو التقى هناك بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
وأوضح المحلل السياسي الإيراني قيس قريشي أن التسريبات حول هذا اللقاء أشارت إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الزيارة كان مخصصاً للحديث عن خطر إيران وتغير السياسة الأمريكية في عهد جو بايدن التي ستفسح المجال أمام إيران لتكون قوة صاعدة من جديد بل لتكون القوة الضاربة في المنطقة مرة أخرى.
تقارب إسرائيلي سعودي يقلق إيران
وبطبيعة الحال، فإنّ الجانبين الإسرائيلي – السعودي يبديان قلقاً شديداً للسياسة والنهج الجديد الذي سيتبعه الرئيس الأمريكي المستقبلي جو بايدن، الذي يتوقع أنه لن يواصل المسار الذي اتخذه دونالد ترامب فيما يتعلق بإيران، حيث عمدت إدارة ترامب على إحداث التقارب بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
هذا التقارب بين تل أبيب بين السعودية والإمارات والبحرين الذي تأسس بشكل كبير على القلق المشترك بشأن إيران، لكنّ هذا الزواج لن يستمر طويلاً، في ظل الاحتمالات الكبيرة مراجعة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لسياسات واشنطن المتبعة في المنطقة.
وفي هذا السياق يؤكدّ المحلل السياسي الإيراني قيس قريشي، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أنّ الجانب الإيراني أبدى قلقاً كبيراً من هذه المتغيرات غير المسبوقة.
وأشار قريشي إلى أنّ بايدن بعث بطلب رسمي عبر مستشاريه وأعضاء من حكومته القادمة، بضرورة محافظة طهران على هدوئها حتى يوم تنصيبه رسمياً، في 20 يناير/كانون الثاني الحالي، وذلك حتى يتسنى للإدارة الأمريكية القادمة العودة إلى المفاوضات والاتفاق النووي، ورفع العقوبات الأمريكية عن طهران بالتدريج.
إيران لن ترد الآن على اغتيال العالم النووي
رسالة أخرى -بحسب تأكيدات قيس قريشي ومصادر خاصة أخرى رفضت الكشف عن اسمها لـ"عربي بوست"، بعث بها بايدن لطهران بعد عملية اغتيال العالِم النووي محسن زادة، التي وجه فيها أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أصابع الاتهام إلى الموساد الإسرائيلي.
هذا دفع إيران بالفعل إلى البحث في خيارات الردّ بحسب تأكيدات المصادر الخاصة، لكنّ هذا الرد لن يتم إلا بعد أن تتضح المتغيرات الجديدة في المنطقة بعد وصول جو بايدن للرئاسة الأمريكية.
ويقول قريشي إنّ بايدن لا يزال يريد الإيفاء بوعوده تجاه طهران وعبّر عن نيته تغيير سياسات واشنطن تجاه طهران بالمنطقة بعد وصول للبيت الأبيض، حيث سيعمل بايدن فور صعوده -بحسب قريشي- على إعطاء أولوية للملف الإيراني ورفع العقوبات عن إيران وفك الحظر عنها، بالإضافة إلى مباشرة المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني والجلوس من جديد إلى طاولة المفاوضات.
جدير بالذكر أنّ كواليس المشهد السياسي الجديد بين إيران والولايات المتحدة لم يكن وليد الاستفزازات الأخيرة التي تقوم بها إدارة ترامب تجاه طهران، فقد جرت عدة اتصالات ومساع أمريكية-إيرانية قبل عدة أشهر لترتيب مرحلة ما بعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكان يدير الاتصالات مسؤولون في الخارجية الإيرانية مع مقربين من الرئيس المنتخب جو بايدن قبل أن يتم ضمهم مؤخراً إلى إدارته الأمريكية القادمة.