بدأت بوادر الخلاف الكبير بين الجزائر والإمارات تظهر للجميع، فرغم غياب تصريحات رسمية، باستثناء مؤشرات تقول إن هناك شيئاً ليس على ما يرام بين "الأشقاء"، والعلاقة التي رعاها آل زايد مع نظام بوتفليقة في طريقها إلى القطيعة المعلنة.
وحسب المعلومات المتوفرة لـ"عربي بوست"، فإن العميد عبدالغني الراشدي، المدير العام لقسم الأمن الداخلي في جهاز المخابرات الجزائري استقبل فعلاً رسالة سرية من نظرائه في الإمارات، هذه الأخيرة التي تحدثت بنبرة تهديدية، وقالت "إذا لم تتراجع الجزائر عن التعامل مع حلفاء ضد سياسة أبوظبي، فعليها أن تتحمل مسؤوليتها الاقتصادية والسياسية".
الرسالة تم تحويلها مباشرة إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الذي اختار التزام الصمت تجاه التهديدات الإماراتية، فبدأت الحرب الباردة بين الطرفين، آخرها اصطفاف الإمارات مع المغرب في نزاعه مع جبهة "البوليساريو" في أزمة الكركارات الأخيرة.
أزمة الصحراء
أمام الحرب الباردة القائمة بين الجزائر والإمارات، اختارت هذه الأخيرة فتح قنصلية لها في مدينة العيون جنوب المغرب، كاعتراف ضمني منها بمغربية الصحراء، خصوصاَ أن الجزائر تتبني طرح "البوليساريو"، وتقول إن العيون هي مدينة توجد في المناطق المتنازع عليها مع المغرب.
مصادر رفيعة المستوى في الجزائر قالت في حديثها لـ"عربي بوست" إن الإمارات قبل افتتاحها قنصلية في مدينة العيون بعثت برسائل تحذيرية للجزائر، لتنبيهها بخصوص نهج سياسة تركيا وقطر، خصوصاً في الملف الليبي، بالإضافة إلى تخلي الجزائر عن استثمارات إماراتية مهمة.
وأضاف المتحدث أن "اجتماعات عقدتها قيادات في الجيش الجزائري والمخابرات، منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بتنسيق مع الرئيس عبدالمجيد تبون، لبحث سبل الرد على الاستفزازات الإماراتية، فاختارت قيادة الجزائر الصمت، خصوصاً أن الأمر تزامن مع أزمة المعبر الحدودي الكركارات".
من جهتها راسلت الإمارات المغرب في برقية رسمية، تدعم جهوده في الصحراء، وتُنوه بالعملية الأخيرة التي قام بها، والتي أدت إلى تحرير الطريق إلى موريتانيا عبر الكركارات بعد إقدام تابعين للبوليساريو بقطع الطريق لمدة 20 يوماً.
الإمارات لم تدعم حراك الجزائر
ويبدو أن الأزمة بين الإمارات والجزائر ليست وليدة اللحظة، فكشفت مصادر لـ"عربي بوست" أنه في حراك فبراير/شباط 2020 سعت أبوظبي بكل الطرق إلى منع أي تغيير في الجزائر، وحاولت إخراج المسيرات من إطارها السلمي.
وقالت لويزة حنون، زعيمة حزب العمال في الجزائر في حديثها مع "عربي بوست"، إن "الإمارات كانت ألد أعداء الحراك الجزائري، إذ حاولت بكل الطرق زعزعة المشهد السياسي خلال فترة المظاهرات في الشارع"، مضيفة "رأينا تدخلاً مباشراً للإمارات في الشأن الداخلي للجزائر، وقد رد الحراك بقوة على هذه المحاولات، من خلال أعلام وهتافات قصفت مساعي هذه الدولة للتأثير على الشارع الجزائري".
واعتبرت المتحدثة أن أبوظبي كانت "أكبر معرقل لأي عملية تغيير في عديد من الدول العربية، بما فيها الجزائر، الأمر الذي أدى اليوم إلى حرب باردة بين الدولتين".
زعيمة حزب العمال أرجعت سبب سجنها إلى انتقادها للإمارات وتدخل دولة خليجية في شؤون الجزائر قائلة: "إن أسباب سجني في 9 مايو/أيار 2019، تعود إلى انتقادي قائد الأركان، نائب وزير الدفاع حينها القايد صالح، بسبب زياراته المتكررة إلى الإمارات، وعلاقته المشبوهة مع آل زايد، وهو نفس السبب الذي أدى إلى اعتقال المجاهد الراحل لخضر بورقعة".
رأي لوزيرة حنون دعمه تحليل أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر عبدالمالك غالي، الذي قال إن "الإمارات بدأت التدخل في الشأن الجزائري مباشرة بعد خروج أصوات لإسقاط العهدة الخامسة، وذلك قبل استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة".
وقال غالي في تصريح لـ"عربي بوست" إن "الإعلام الإماراتي ممثلاً في قناتي "العربية" و"سكاي نيوز"، كانتا تستميتان لبقاء عبدالعزيز بوتفليقة، بل وذكرتا الحراك بـ"الشر"، وحاولتا نقل صور معاكسة تماماً لسلمية المسيرات، واستغلال زوايا أحداث معزولة اعتبرتها فوضى وخروجاً عن السيطرة".
وأضاف المتحدث أن "الإمارات انتقدت من خلال إعلامها، وضيوفه، نائب وزير الدفاع قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، لما اختار كفة الشعب، بل وهناك حصص وتحليلات أدرجته في إطار الانقلاب العسكري، وذلك بعدما انتقد حراك الإمارات العربية المتحدة، وتدخلها في الشأن الجزائري، ما جعل بعض المسيرات المتزامنة مع الحراك في الجزائر ترفع شعار "ديرو الانتخابات في الإمارات".
أزمة اقتصادية
بالموازاة مع الأزمة السياسية التي بدأت تظهر أسبابها بين الإمارات والجزائر، بسبب اختيار الجزائر الاصطفاف إلى جانب أنقرة والدوحة، هناك أسباب اقتصادية أخرى، زادت من عمق الأزمة بين البلدين.
وكشف مصادر لـ"عربي بوست" أن من الأسباب التي حركت الإمارات ضد الجزائر مؤخراً، تجميد استثمار الشركات الإماراتية الكبرى وعلى رأسها "موانئ دبي"، بالسوق الوطنية في الجزائر، بعدما كانت تلعب دوراً مهماً في السابق.
وفي عز الحراك الشعبي في الجزائر، وبالضبط في 19 سبتمبر/أيلول 2019، خرج المدير العام لمجمع تسيير موانئ الجزائر "سيربور" عاشور جلول، بتصريح إعلامي أكد فيه استعادة فروع مجمع ميناء الجزائر حصص أسهمها من الشريك الإماراتي "مواني دبي العالمية".
استقلالية تسيير موانئ الجزائري وسحبها من شركة "موانئ دبي العالمية" كانت في شقها الأول تعني بثلاثة مؤسسات، وهي مؤسسة ميناء الجزائر، وميناء "جن جن" بولاية جيجل وكذا ميناء بجاية، وهي أهم الأقطاب الاقتصادية الكبرى في الجزائر، والتي كانت تدر من ورائها الإمارات أرباحاً كبيرة جداً.
الاتفاق الموقّع سابقاً بين مؤسسة ميناء الجزائر حسب صلاح الدين جلي، الخبير الاقتصادي الجزائري، يُحدد صلاحيات "موانئ دبي العالمية"، في نشاط تفريغ وشحن الحاويات فقط، بينما توكل إلى مؤسّسة ميناء الجزائر مهمّة الإدارة، معتبراً أن "الاستراتيجية العالمية لموانئ دبي أبعد من أن تقتصر على تفريغ وشحن الحاويات".
الخطوة تُعد حسب الخبير الاقتصادي الذي تحدث لـ"عربي بوست" "بمثابة صفعة اقتصادية لشركة عالمية تسير أكثر من 78 محطة بحرية، موزّعة على 50 دولة، تشمل 6 قارات، ولها عدة مشاريع مستقبلية، لذا فتقليص مهامها في التفريغ والشحن يعد بالنسبة لها إهانة".
وتراجعت أرباح شركة موانئ دبي منذ سبتمبر/أيلول 2019، بنسبة تزيد عن 55%، وهو رقم كبير جداً في رأي الخبير الاقتصادي، الذي أكد أيضاً استحواذ الشركة سابقاً على 70% من أرباح خدمات الموانئ خاصة ميناء الجزائر.
ومن المشاريع التي كانت تُسيل لعاب العديد الشركات الفرنسية والإماراتية، بحسب الخبير مشروع ميناء الحمدانية بشرشال غرب العاصمة، والذي يتم إنجازه بشراكة جزائرية صينية، وهو أكبر ميناء في إفريقيا، سيتم ربطه بخطوط السكة الحديدية إلى الحدود الجنوبية للدول الإفريقية.
هذا الميناء، يضيف جلي "سيكلف حسب الدراسة الأولية للمشروع مبلغاً يتراوح ما بين 5 و6 مليارات دولار، ومن شأنها معالجة 6.5 مليون حاوية و25.7 مليون طن من البضائع سنوياً وسيوجه الميناء المستقبلي إلى التجارة الوطنية عن طريق البحر، كما سيكون محوراً للمبادلات على المستوى الإقليمي".
وأضاف المتحدث أنه "سيصعب على الشركات الإماراتية والفرنسية تضييع مثل هذه الصفقة، التي كانت بين أيديهم في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، كما أن "فكرة إنشاء الميناء الأكبر إفريقيا كانت قبل 6 سنوات من الآن، لكنها تأجلت لأسباب مجهولة، وكانت حكومة بوتفليقة قد حسمت بشكل كبير من سيكون وراء الإنجاز والتسيير، وتم الاتفاق مبدئياً على تكليف الشركات الفرنسية لإنجاز المشروع، وموانئ دبي العالمية في التسيير والشحن والتفريغ، لكن جاءت رياح الحراك وغيرت كل شيء".
التطبيع مع إسرائيل
وأمام كل هذه التغيرات بين البلدين، زاد التطبيع الإماراتي مع إسرائيل من الشرخ القائم بين أبوظبي والجزائر، هذه الأخيرة التي صدر عنها تصريح رسمي من رئيس البلاد عبدالمجيد تبون ينتقد فيه المطبعين.
وكشف المحلل السياسي والكاتب الصحفي الجزائري مصطفى بونيف، أن "التصريح الأخير للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حول تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل، كان سبباً في ازدياد عمق الهوة بين البلدين، لأن الإمارات أحست بالإهانة والتدخل في شؤونها الداخلية".
واعتبر المحلل السياسي أن "تبون قدم رسالة واضحة بالنسبة للإمارات التي تسعى لاستمالة الدول العربية وإغرائها مالياً، وإن استدعى الأمر إثارة الفوضى بداخلها من أجل الاعتراف بإسرائيل".
ويستبعد الناشط السياسي والمرشح السابق للرئاسيات في الجزائر عبدالحميد مدني، أن تكون تصريحات تبون وراء التحرك الأخير للإمارات، مستدلاً بكون أبوظبي كانت على خلاف كبير مع الجزائر أيام الحراك الشعبي، في فبراير/شباط 2019.
ويقول مدني في هذا الشأن إن "تصريح تبون كان له وقع عالمي، وكان بمثابة صفعة على خد الإمارات، لكن الخلاف بين الدولتين بدأ قبل إعلان التطبيع والاعتراف، بما يوحي بوجود أمور أخرى وعلى رأسها الشق الاقتصادي والملف الليبي".
جيش إلكتروني
الحرب بين الجزائر والإمارات لم تقتصر على القرارات التي يتخذها آل زايد وجنرالات قصر المرادية، بل تحولت إلى حرب إلكترونية تتهم فيها الجزائر شبكات إلكترونية بمهاجمة الناشط السياسي والمرشح السابق للرئاسيات في الجزائر، عبدالحميد مدني، اتهم بشكل صريح الإمارات بالوقوف وراء محاولات "تمزيق" الجزائر، وبث الخلاف والفتنة بين الجزائريين، من خلال استغلالها لجيش إلكتروني يضرب الهوية الجزائرية بالدرجة الأولى.
ويقول مدني في تصريح لـ"عربي بوست": "يجب على الجهات الأمنية الجزائرية التحقيق المُعمق لكشف الجهات التي تُسير آلاف الصفحات عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتي في غالبها تضرب الهوية الوطنية، وتركز على تشويه منطقة القبائل".
وكشف عبدالحميد مدني أن "للإمارات دوراً فاضحاً وواضحاً في اللعبة، خاصة بعد فشلها في ضرب الحراك الشعبي، وعرقلة المسار الإصلاحي بعيداً عن الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وحاشيته".
الجيش الإلكتروني الذي تسيره الإمارات في رأي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر عبدالمالك غالي "لا يزال يكثف ضرباته لتمزيق الجزائر، وهو ما تعكسه آلاف المنشورات اليومية، التي تسعى لبث الفرقة والكراهية".
وتلعب الإمارات بحسب ذات المتحدث، على "أوتار منطقة القبائل، للوصول إلى هدف تحييدها، وإثارة الفتنة بين العرب والأمازيغ"، والحل في نظر غالي يكمن "في التطبيق الصارم للقوانين الأخيرة التي تم سنها لمحاربة كل أشكال الكراهية والعنصرية والجهوية، وكشف أصحاب الصفحات المزيفة التي تركز على ذلك".
من جهتها كشفت رئيسة حزب العدل والبيان، أن "الإمارات تُسير جيشاً إلكترونياً يستهدف الجزائر وشعبها"
وقالت صالحي في منشور لها على صفحتها الرسمية بـ"الفيسبوك" إن "الإمارات هي من تقف وراء الجيش الإلكتروني، الذي يستهدف منطقة القبائل الجزائرية، حتى إن قرار منع العلم الأمازيغي خلال مسيرات الحراك جاء بضغط من الإمارات، بهدف إحداث الفوضى، وإفشال أي تغيير في الجزائر".
الإمارات تعني فرنسا وإسرائيل
يعتبر الكاتب الصحفي التونسي عائد عميرة، أن الإمارات وفرنسا، صورتان متطابقتان في الأهداف بكل من تونس والجزائر، لأنها ترفض في نظره أي "نهضة شعبية نحو الأفضل لتظل ومثيلاتها في الخليج سائدة.
وأكد عميرة في تصريح لـ"عربي بوست" أن "الإمارات ستحاول التحرش بالجزائر، كما حاولت في تونس عقب الانتخابات الرئاسية التي فاز بها قيس سعيد رئيساً للبلاد، وذلك بمحاولة ضرب استقرار تونس، وخلق أزمات سياسية خاصة على مستوى البرلمان، الأمر نفسه يقع مع الجزائر هي الأخرى التي تعيش تحرشاً، من خلال الاستفزاز ومحاولة ضرب الهوية الجزائرية، وبث الشقاق والفوضى، وإشغال الرأي بما يدور حول الحدود ودول الجوار".
ويرى عائد أن السياسة الخارجية الإماراتية "تتماشى مع السياسة الفرنسية في العديد من الدول، بدءاً من ليبيا ثم تونس ثم منطقة الساحل والقرن الإفريقي، فكلاهما يعتمد على أسلوب بث العنف والفوضى ودعم المتمردين للوصول إلى أهدافهم"، كاشفاً "أن هناك تنسيقاً إماراتياً فرنسياً لإرباك الوضع في الجزائر، فكلاهما يعمل على ذلك ويسعى إليه".
وأضاف المتحدث أنه "بعد وضوح التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، فإن أجندة العمل الإماراتية لا تنطبق على السياسة الفرنسية، التي تجتهد للعودة إلى مكانتها والحفاظ على مصادر ثرواتها بالجزائر، بل تسعى إلى تطبيق أجندة إسرائيل في المنطقة، وعلى الجزائر أن تكون حذرة من لعبة الإمارات، وأن تتحاشى التعامل معها، لأن ذلك يلصقها بإسرائيل مباشرة".
من جهته، يرى مراد بوجود، الخبير الأمني الجزائري، إن "هناك عملاً استخباراتياً كبيراً بين الإمارات العربية المتحدة والحكومة الفرنسية، من أجل تأجيج الأوضاع على الحدود الجزائرية، وإرباك مهمة الجيش الجزائري في الدفاع عن أرضه، خاصة من العمليات الإرهابية".
"تتعدى الحدود الجزائرية مع دول الجوار 6300 كلم، يصعب مراقبتها، لاسيما في ظل التوتر الأمني عبر جل دول الجوار، خاصة في ليبيا، ومالي، والنيجر، ومؤخراً الخلاف بين المغرب وجبهة "البوليساريو""، يُضيف المتحدث.
وأشار الخبير إلى أن "الإمارات العربية المتحدة وفرنسا فشلتا في اقتحام الحراك من خلال جيش إلكتروني أراد تقسيم الجزائر إلى أقاليم متناحرة، تعمل اليوم على ضرب الجزائر على الحدود، وزعزعة المشهد الاقتصادي والفلاحي وحتى الاجتماعي".
وكشف المتحدث أن الإمارات وفرنسا هما المعنيتان بحديث وكيل الجمهورية لدى محكمة "شرشال" غرب الجزائر العاصمة، والذي أعلن عن تفكيك شبكة داخلية ممولة من دول أجنبية تستهدف حرق المساحات الغابية والزراعية، وذلك لضرب الاستقرار في الجزائر.
يضيف المتحدث، حتى إن الجزائر "تملك معلومات تشير إلى تورط تلك الجهات في تخريب بعض المنشآت النفطية بعمق الصحراء، ووقوفها وراء ظاهرة اختطاف الأطفال والجرائم الأخرى، دون استبعاد تحريكها لعمليات إرهابية، قد تستهدف الجزائر، لاسيما على الحدود الجنوبية والمنشآت النفطية".
وكان وكيل الجمهورية لدى محكمة شرشال قد صرح بتورط أطراف أجنبية في الحرائق الأخيرة التي شهدتها الجزائر، مع إلقاء القبض على شبكة داخلية ممولة من الخارج، دون الإشارة إلى الممول.