قالت صحيفة The Times البريطانية، في تقرير نشرته الإثنين 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إنه من المنتظر أن يواجه ضباط أمن مصريون يُشتبَه في تعذيبهم وقتلهم أحد طلاب الدكتوراه بجامعة كامبريدج البريطانية، المحاكمة بإيطاليا، في ظل تنامي الإدانات الدولية لسجلِّ مصر في حقوق الإنسان.
حيث يختتم قضاة تحقيق إيطاليون تحقيقهم في تورط 5 ضباط مُشتبَهين في قتل جوليو ريجيني (28 عاماً)، وهو إيطالي عُثِر على جثته وعليها آثار تعذيب، مُلقاة على جانب أحد الطرق بالقاهرة في فبراير/شباط 2016، بعد 9 أيام من اختفائه بالمدينة.
شكوك حول القتل: وتعرَّض ريجيني، الذي تفيد تقارير بأنَّ بحث الدكتوراه الخاص به عن النقابات العمالية المصرية أثار الشكوك بشأن كونه جاسوساً، لتعذيب شديد لدرجة أنَّ والدته لم تستطع التعرُّف على الجثة إلا من طرف أنفه.
في حين قال مصدر إيطالي بالتحقيق، لصحيفة The Times البريطانية، إنَّ قضاة التحقيق بروما على الأرجح سيطلبون إجراء محاكمة لبعض المشتبه فيهم الخمسة، وضمنهم الرائد مجدي إبراهيم عبدالعال شريف، وهو ضابط بجهاز الأمن الوطني المصري. وقال المصدر: "من المحتمل جداً أن يخضع شريف للمحاكمة".
من ناحية أخرى، لم تُقم مصر حتى الآن إلا بالقليل، من أجل التعاون في التحقيق، وقد يخضع المشتبه فيهم للمحاكمة غيابياً. ولا تملك إيطاليا اتفاقية تسليم مجرمين مع مصر في حال صدرت إدانات.
لكنَّ الأدلة المروعة التي ستظهر في المحاكمة، ستثير انتقادات دولية لسجن مصر ما يُقدَّر بنحو ستين ألف سجين سياسي.
تشريح جثة الإيطالي: وكشف تشريح الجثة، أنَّ ريجيني عانى كسراً في أسنانه وكسراً بالعنق والمعصم وأصابع القدمين وأصابع اليدين تحت التعذيب، فضلاً عن حروق وكدمات، فيما حُفِرَت أحرف على جلده.
من جانبها نفت مصر الادعاءات بأنَّه تعرَّض للتعذيب من أجل الكشف عن اتصالاته مع شخصيات بالمعارضة، وقالت إنَّه قُتِلَ على يد عصابة إجرامية أردت الشرطة المصرية جميع أفرادها قتلى، وهي النظرية التي سخِر منها المحققون الإيطاليون.
في حين قال المصدر: "ستظهر الأدلة الأخرى التي جُمِعَت والتي لم يُكشَف عنها بعد، في المحاكمة".
لكن بعد اختتام التحقيق الإيطالي رسمياً في 4 ديسمبر/كانون الأول المقبل، سيكون قضاة التحقيق ملزمين، بموجب القانون الإيطالي، بإرسال الأدلة بحق المشتبهين إليهم قبل أن يتمكن قضاة التحقيق من مطالبة أحد القضاة بمنح تفويض لعقد محاكمة. لكنَّ الطلبات التي قُدِّمَت إلى مصر للحصول على بيانات اتصال المشتبهين في أبريل/نيسان 2019، قُوبِلَت بالصمت.
إذ قال المصدر: "رسمياً، لا يمكن المضي قدماً بالمحاكمة إلا بعد إعلام المتهمين بها، لكن إن استطعنا أن نثبت للقاضي أنَّ الاتصالات بين إيطاليا ومصر، فضلاً عن التغطية الإخبارية، قد أشارت إلى شريف عدة مرات، يمكن أن يقرر القاضي أنَّ عدم تلقي رد هو تكتيك ويمكن المضي قدماً بالمحاكمة".
أزمة دبلوماسية لإيطاليا: خلق التحقيق صداعاً دبلوماسياً لإيطاليا، التي تربطها علاقات تجارية وثيقة مع مصر من خلال صفقات غاز وإبحار فرقاطات عسكرية.
مع ذلك، تتنامى الإدانات الدولية لاعتقالات الرئيس عبدالفتاح السيسي لمنتقديه، وقد تزداد عقب هزيمة داعمه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
إذ أُلقي القبض هذا الشهر (نوفمبر/تشرين الثاني) 2020، على ثلاثة من أعضاء "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهي مجموعة حقوقية رائدة، بعد لقائهم سفراء أجانب.
ورداً على ذلك، غرَّد أنتوني بلينكن، مستشار الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن للسياسة الخارجية، بأنَّ "مقابلة الدبلوماسيين الأجانب ليست جريمة. وكذلك الحال بالنسبة للدفاع السلمي عن حقوق الإنسان".
من جانبه كتب الصحفي البريطاني ريتشارد سبنسر، إنَّ مسؤولاً مصرياً، من الواضح أنَّه لا يفهم آلية عمل الصحافة البريطانية، طلب منه ذات مرة أن "يكبح" زميلاً أصغر في صحيفة منافسة كان قد أساء إلى السلطات بالقاهرة. وأسرَّ المسؤول إلى ريتشارد قائلاً: "أنا قلِق عليه للغاية، ريتشارد. أنت تعلم كيف هي سجوننا".
وهذا صحيح. فالكل كان يعرف في تلك الأشهر التي تلت انقلاب 2013 الذي أوصل السيسي إلى السلطة، أنَّه تجري تعبئة السجون بالنشطاء الليبراليين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين والصحفيين، ومن ضمنهم الأجانب.
حالة صادمة: مع ذلك، كانت حالة جوليو ريجيني صادمة على نحوٍ خاص. ففي عهد حسني مبارك، كان الأجانب دوماً يحظون بمعاملةٍ أكثر لطفاً من نظرائهم المواطنين، سواء كانوا نشطاء أو صحفيين.
كان جوليو ريجيني يدرس لنيْل درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج البريطانية، وفي حين كان موضوع أطروحته، عن النقابات العمالية المصرية، سياسياً، فإنَّه لم يكن موضوعاً حساساً.
ولم يكن مدى التعذيب الذي تعرَّض له غير متناسب تماماً مع أي تهديد قد يمثله وحسب، بل كان مفرطاً حتى وفق المعايير المصرية.
من ناحية أخرى بحثت السلطات بشكل أعمى عن كبش فداء، وألقت باللائمة في فترة من الفترات، على أربعة مجرمين صغار مفترضين كانت الشرطة قد أردتهم قتلى.
لكنَّ قلة من الدبلوماسيين كانت تساورهم شكوك بشأن ما وقع فعلاً، حتى قبل أن تُطلِعهم مصادر مجهولة خاصة بهم على المسألة. فمن بين أذرع أجهزة الأمن المصرية العديدة، هناك واحدٌ منها فقط يجرؤ على تنفيذ اعتداءٍ كهذا.