ضغوط إيرانية وتهديدات للشركة المنفذة تسببت في انتحار مديرها.. هل سيرى مشروع ميناء الفاو العراقي النور؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/18 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/19 الساعة 11:14 بتوقيت غرينتش

منذ الخامس من أبريل/نيسان عام 2010 وضع العراقيون حجر أساس لمشروع ميناء الفاو الكبير، الذي وصفه خبراء بأنه سيكون من أبرز المحطات الاقتصادية التي تمول ميزانية العراق، إذ  قُدرّت كلفته بنحو 4.6 مليار دولار، وكان من المفترض أن ينجز خلال أربع أو خمس سنوات.

لكنه وبعد 10 سنوات على وضع حجر الأساس، لم يرَ المشروع النور في ظل سيادة المحاصصة الحزبية بين الكتل السياسية في البرلمان العراقي، واستمرار الفساد في المنافذ الحدودية والبحرية في البلاد.

وبحسب ما قالته الحكومة العراقية عند التأسيس، فإن تحالفاً استثمارياً تقوده شركة إيطالية تقوم ببناء الميناء، لكن الشركة تعرضت لابتزازات من قبل جماعات خارجة عن القانون، بعدها جاءت شركة كورية تعرّض مديرها للتهديدات ذاتها من جماعات مسلحة خارجة عن القانون ما دفعه للانتحار.

الشارع العراقي فهو الآخر يقرُ بأن السياسيين العراقيين في السنوات الـ17 الماضية عملوا على استنزاف ثروات البلاد وتقديم التنازلات لدول الجوار لتحقيق مكاسب شخصية واقتصادية لمجموعاتهم وشركاتهم على حساب مصلحة الدولة والشعب، يُضاف لذلك تواطؤ بعض السياسيين في تمرير اتفاقيات مشبوهة كانت سبباً مباشراً في تلكؤ مشروع ميناء الفاو، فقد تمت سرقة الأموال، وتضييع المخصصات.

تلاعب في مواصفات الميناء

يتركز الحديث حالياً عن أعماق منخفضة مختلفة عن التصاميم الأولية، وتقليل عدد الأرصفة، وإلغاء مشاريع خدمية وسياحية مرتبطة بالمشروع من أجل تقليل الكلفة، لكنَّ خبراء وبرلمانيين يقولون إن المصاعب المادية ليست مبرراً كافياً لتقزيم المشروع، فيما بعد ظهرت تسريبات تشير إلى تدخل قيادات إيرانية لتخفيض مستوى منسوب المياه في ميناء الفاو، كي تتغير حركة سير الباخرات والسفن العملاقة.

بهذا الصدد يتحدث مهندس في ميناء الفاو -طلب عدم الكشف عن اسمه- وقال لـ"عربي بوست": "هناك مخاوف كبيرة بخصوص التلاعب بمواصفات الخطة الموضوعة للميناء، حيث تسعى أحزاب سياسية عراقية عن طريق ميليشياتها إلى أن تخفض من عمق الميناء إلى 14 متراً بدلاً من 24 متراً، ما يجعله عاجزاً عن استقبال السفن والبواخر الكبيرة، ما يؤدي إلى خسارة العراق ملايين الدولارات من الرسوم الجمركية".

ويتابع: "تجري صفقات استثمارية لا تصبُّ في صالح العراق، بل في صالح دول أخرى، حيث يتم تأجيل تنفيذ مشروع ميناء الفاو، ووضع العراقيل القانونية، وذلك بهدف عدم استقبال السفن، الأمر الذي يؤدي إلى تحول حركة السفن نحو ميناء مبارك الكبير الذي يقع على الضفة المقابلة لخور عبدالله، شمالي دولة الكويت المجاورة لمحافظة البصرة على شط العرب".

ويضيف: "إذا ما تم فعلاً إنجاز المشروع فإنه سيحول العراق ليكون قبلة للتجارة والنقل العالميين؛ لأن المسافة القصيرة نسبياً التي تربط العراق بموانئ البحر الأحمر والبحر المتوسط، كما يمكن أن تكون قناة جافة ضخمة تنقل جزءاً كبيراً من التجارة العالمية خصوصاً في الشرق الأوسط".

ولكن تحاول دول كثيرة مثل الإمارات التي تصرّ على توسيع مينائها "جبل علي" بالتعاون مع إيران، التدخل ومنع إتمام وإنجاز مشروع ميناء الفاو، لعدم تحويل حركة السفن لخارج أراضيها، تزامناً مع تقدم العمل بشكل كبير في ميناء مبارك الكويتي، الذي يبعد كيلومترات قليلة عن الميناء العراقي ويعد المنافس الرئيس له، فإن الأوضاع لا تزال معقدة على الجانب العراقي.

من جانبه يقول برهان المعموري، عضو لجنة الخدمات البرلمانية، لـ"عربي بوست" إن "موازنة عام 2020 خصصت فيها الحكومة العراقية 400 مليون دولار لإكمال ميناء الفاو، وفي حال لم تعالج قضية المنطقة الحرة واستمر التلاعب بمواصفات البناء الهندسي، فإن البواخر والسفن ستأتي لميناء مبارك الكويتي ويكون الممر عن طريق الكويت للسوق أو المنطقة الحرة بشكل مباشر دون الحاجة لتكمل طريقها وتصل إلى ميناء الفاو العراقي".

ويتابع المعموري: "هناك تأخير متعمّد في ملف بناء الميناء"، مؤكداً أن لجنته ستستضيف وزير النقل ومدير الموانئ وسيتم كشف الحقائق أمام البرلمان العراقي، لذلك يجب مراعاة هذه القضية الحساسة بشكل يضمن ألا تكون هناك اتفاقيات على حساب حركة التجارة والاستيراد من الموانئ العراقية، وأن تختار رئاسة الوزراء مفاوضين أكفاء من أجل عدم تقليل مواصفات ميناء الفاو".

لماذا تتصارع الأطراف على ميناء الفاو؟

يراد لميناء الفاو أن يكون الوجهة الجديدة للعراق بدل الاعتماد على النفط، إذ في حال ما أُكمل ستعتمد هيكلية موازنات العراق السنوية عبر الميناء بالإضاف للبترول.

بهذا السياق يكشف مستشار في رئاسة الوزراء لـ"عربي بوست" بالقول: "إن الفساد الإداري وارتباط بعض المسؤولين العراقيين بالأجندات الخارجية يجعل من شبه المستحيل تخيل إقامة مشروع سيادي كبير مثل هذا المشروع، وإن أهمية الميناء ليست اقتصادية فقط، ولكن أيضاً سياسية ودبلوماسية وعسكرية، ولهذا أعتقد أن التحديات أمامه كبيرة".

ويضيف المستشار الاقتصادي: "تكمنُ أهمية مشروع ميناء الفاو في الذي يبلغ كلفته 5,5 مليار دولار، وأبرز ما يميز الميناء هو امتلاكه الطاقة الاستيعابية بـ 99 مليون طن سنوياً، كما يضم الميناء 99 رصيفاً تجارياً، بالإضافة لـ6 أرصفة نفطية، ويسع 25 مليون حاوية، كما يعتبر أكبر الموانئ المطلة على الخليج العربي، كأحد أكبر 10 موانئ في العالم".

كما تابع: "تم تصميم مشروع الفاو لاستقبال السفن التي تزيد حمولتها على 100 ألف طن، والتي تحتاج إلى أعماق مائية أكبر وأرصفة ميناء أكثر مما هو متاح في موانئ البصرة الحالية، وإذا تم بناء ميناء الفاو كما هو مخطط له، فسيكون واحداً من أكبر 12 ميناءً في العالم، كما يُعد الميناء العراقي الوحيد على البحر المفتوح، وكل هذه الأهمية تجعل الميناء عرضة للتوقيف والعراقيل من أجل مصالح سياسية خارجية لدول خليجية بالإضافة لإيران".

التأخر في إنجازه يجعل أهميته تتناقص

من جانه يصرّح خبير النقل سلمان مهيوب ويقول لـ"عربي بوست" إن "ميناء الفاو كان يجب أن ينجز منذ سنوات، لأن التأخر في إنجازه يجعل من أهميته تتناقص مقابل المشاريع الجادة التي تقام في المنطقة، علماً بأن التصاميم الأصلية للميناء والتي تتضمن إنشاء مدينة ومرافق سياحية وبحيرات قد توفر 14 ألف وظيفة للعراقيين، وقد تسهم في جلب 1-3 مليارات دولارات سنوياً للخزينة العراقية".

ويتابع مهيوب: "تتنازع الأطراف الخليجية على المشروع لما له من أهمية استراتيجية على العراق، عبر تحريك عجلة الملاحة البحرية، وستكون المدينة الصناعية في منطقة الفاو الأولى في الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يكون للمشروع مردودات مالية كبيرة للعراق من خلال نقل وإيصال البضائع والنفط بشكل أسرع من أي وقت مضى، كما ستبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 99 مليون طن سنوياً، فضلاً عن تنشيط قطاع النقل في العراق إلى تنويع طرق الاستيراد والتصدير".

ويتوقع مهيوب أن يحقق الميناء للعراق منافع تقدر بنحو 15 مليار دينار شهرياً عند اكتمال المشروع وعمله بطاقته القصوى.

كما يشير خبير النقل إلى أنه "من المقرر إنشاء خط سكة حديد يربط منطقة الخليج عبر الأراضي العراقية بشمال أوروبا من خلال تركيا، وهذا ما يضفي عليه أهمية عالمية على مستوى التجارة العالمية، كما سيتم بناء مخازن للحبوب وأبراج وساحبات هوائية وأحزمة ناقلة عدد 2 و22 رافعة نمطية بطاقات مختلفة ومهابط للطائرات، بالإضافة لفتح طرق دولية وإقامة معامل لمعالجة المياه ومحطات للوقود".

تدخلات خارجية خليجية

يوجد في محافظة البصرة أربعة موانئ رئيسية أخرى بالإضافة لميناء الفاو الكبير، بما في ذلك أبوفلوس وخور الزبير والمقل وأم قصر، إلا أن أعماق المياه وطوال أرصفتها محدودة ولا يمكنها استيعاب صادرات كبيرة، ما يجعل الفاو مهماً لأنه قادر على استضافة سفن عملاقة. لكن ميناء الفاو يتقاسم واردات حركة السفن الكبيرة مع الكويت والإمارات، لذلك يواجه معوقات تحول دون إكماله.

بدوره يتحدث مسؤول في وزارة الخارجية العراقية معلقاً لـ"عربي بوست" بالقول: "إن ميناء الفاو سيُمكن العراق من أن يكون الأول في المنطقة في مجال الموانئ، ومن دون ميناء الفاو لن يستطيع العراق أن يتموقع في المكانة الصحيحة في المنطقة مستقبلاً، ويأتي الخطر الأول والأكبر من ميناء مبارك الكبير في الكويت الذي باشرت الكويت بناءه في عام 2010 بقيمة 1.1 مليار دولار قبالة السواحل العراقية على جزيرة بوبيان ومن المفترض أن ينتهي في عام 2016".

يوضح المسؤول الحكومي: "المشروع -وكما اختارت الكويت تنفيذه- يقع على بعد كيلومترات قليلة من مشروع الفاو الكبير وتُعد أحرج منطقة ملاحية في العالم، كونها تفرض واقعاً جغرافياً سياسياً على العراق من حيث إنها تغلق الرئة البحرية الوحيدة للعراق الذي لا يملك منفذاً بحرياً غيرها، وتحرم العراق من ارتباطاته البحرية مع البلدان الأخرى، فضلاً عن أن المشروع ينوي مد خطوط سكك حديدية باتجاه أم قصر الميناء العراقي ما سيؤدي إلى تبعات على تجارة العراق البرية".

وختم بقوله: "علماً بأن دراسة جدوى المشروع أقرّت بأن ميناء مبارك سيعتمد على التجارة الكويتية – العراقية بشكل كبير، إذ سيعتمد على الحركة التجارية العراقية بشكل كبير، من باب الاعتماد على الاستهلاك الذي تتركز أعلى نسبة له في العراق بنسبة 68%، ومن المتوقع أن 80% من السوق العراقية ستتحرك عبر ميناء مبارك الكبير في بوبيان لأن الموانئ العراقية لا تحمل سعة كبيرة للحاويات كما سيحمله ميناء مبارك".

من جانبٍ آخر تحدث المحلل الاقتصادي فيصل الساعدي لـ"عربي بوست" بالقول: "مشروع الفاو الكبير في العراق يهدد مكانة موانئ جبل علي في دبي الذي يعد أكبر ميناء في المنطقة العربية بما يؤمنه من نفاذ لأسواق محلية وإقليمية وعالمية فيها أكثر من ملياري شخص، والجدير بالذكر أن هذا الميناء المتعدد وسائط النقل البحري والبري والجوي يلعب دوراً محورياً في اقتصاد إمارة دبي بشكل خاص واقتصاد الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، ويعتبر محورياً كذلك لأكثر من 90 خدمة ملاحية أسبوعية تربط أكثر من 140 ميناءً في أنحاء العالم".

ويتابع الساعدي: "وقد شكلت الإمارات ثقلاً وإحراجاً كبيراً على مصر في فترات الحكم المختلفة من أيام مبارك إلى مرسي ومن ثم السيسي لعدم المساس بتطوير قناة السويس، لما تحمله من آثار سلبية على موقع جبل علي واقتصاد دبي، لذا فإنه من غير المستبعد أن تكون الإمارات ساهمت أيضاً بضغوط على الحكومة العراقية منذ إعلان المشروع في السنوات الماضية للقضاء على الفكرة أو لتأخيره وعرقلته عن طريق سياسيين تابعين لأحزاب في البرلمان العراقي مقابل إمدادهم بالمال من جهة وتوفير السلاح وتهريبه للميليشيات من جهة أخرى".

ضغوط إيرانية على الحكومة

في زيارته الأخيرة لطهران، حث الرئيس الإيراني حسن روحاني رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على إنهاء ربط السكك الحديدية بين مدينة الشلامجة الإيرانية ومدينة البصرة العراقية.

وبخصوص هذا الأمر يتحدث مسؤول في هيئة المنافذ الحدودية العراقية لـ"عربي بوست" ويقول: "إيران تدفع العراق للمضي قدماً في ربط السكك الحديدية الوطنية الإيرانية بالعراق، هذا إلى جانب السكك الحديدية السورية، ما سيربط إيران في النهاية بالبحر الأبيض المتوسط في ميناء اللاذقية السوري، وهذا قد يجعل العراق أكثر اعتماداً على الموانئ الإيرانية في شمال الخليج".

كما يصرّح المسؤول الحكومي، شريطة عدم الكشف عن هويته للموقع، مؤكداً أن دولاً مجاورة ضغطت على الحكومة العراقية لوقف المشروع أو على الأقل جعل العمل يسير ببطء، وأوضح أن أعذار الحكومة بشأن التمويل واهية، وقال: "هناك فصائل مسلحة تابعة للحرس الثوري الايراني لديها عناصر عسكرية تشرف على عمليات سير الباخرات والسفن الكبيرة، وتقوم بالتلاعب بأعداد وكميات الحمولات الإيرانية لتجنب دفع الرسوم الجمركية".

وعن كيفية تحويل حركة النقل يقول: "تسعى إيران الى إحياء مشروع الربط السككي بين ميناء الإمام الخميني "ماهشهر" والبصرة، بهدف نقل البضائع للعراق عن طريق البر، بدلاً من أن يستقبل العراق البواخر ويكون هو الجهة الرئيسة لاستقبالها، الأمر الذي قد يمنع ميناء الفاو الكبير من تحقيق أية نقلة نوعية في الاقتصاد العراقي المعتمد على النفط فقط بشكل رئيس".

تواصل فريق "عربي بوست" مع وزير النقل العراقي ناصر الشبلي لمعرفة مراحل تنفيذ مشروع ميناء الفاو، وقد أعلن أن وزارته وقعت عقداً مع شركة هانوا الكورية الجنوبية لاستئناف مشروع الفاو، ومن المقرر أن تشمل هذه المرحلة إنشاء خمسة أرصفة، وتعميق القناة الشراعية للميناء، من 19 إلى 21 متراً، وإنشاء البنية التحتية لخمسة أرصفة، كما تشمل المرحلة إنشاء نفق يربط بين ميناء خور الزبير وطريق استراتيجي يربط الحدود العراقية بالكويت.

وأضاف الشبلي: "هذا لا يعني أن الميناء سيكون جاهزاً في المستقبل القريب؛ لأنه في حين أن الكثير من التأخير يتعلق بالتمويل، فإن جزءاً من المشكلة يتعلق أيضاً بالنزاعات الحدودية بين العراق وجيرانه، حيث تحاول الحكومة العراقية التوصل إلى اتفاقات مع إيران والكويت والإمارات لحل هذه الخلافات، وتعتبر هذه خطوة مهمة لاستكمال المشروع، ما يمنح العراق القدرة على استضافة سفن بحرية عملاقة، إلا أن جيران العراق قد يرون أن استكمال الميناء لا يخدم مصلحتهم".

من جانبٍ آخر، ذكر أسعد الرشيد، مدير مشروع ميناء الفاو، لـ"عربي بوست" بالقول: "ميناء الفاو سيساهم في تنمية الاقتصاد العراقي وزيادة الحركة التجارية وهو ما سيحقق أربعة أضعاف ما يجمعه العراق مالياً من الموانئ الأخرى مجتمعة"، مضيفاً أن "الغرض الأساسي من الميناء هو تحميل وتفريغ الحاويات، كما يضم الميناء عشرات المراسي لتلبية الطلب المحلي على مدى الثلاثين عاماً القادمة، بالإضافة إلى ذلك، ستشمل محطات الحاويات بالميناء أرصفة للبضائع السائبة وأرصفة للبضائع العامة".

ويضيف الرشيد: "وتضمنت أولى خطوات المشروع بناء كاسر الأمواج الشرقي، وعلى الرغم من إحراز الكثير من التقدم في إنشاء حواجز الأمواج ، فإن المشروع بشكل عام قد توقف تقريباً بسبب الصعوبات المالية، حيث كانت خطتنا الأولية هي استكمال المرحلة الأولى من الميناء بحلول عام 2024 في حال سارت الأمور على ما يرام وسلاسة"، مشيراً إلى "وجود عجز مالي يتراوح بين 3 مليارات و4 مليارات دولار لتنفيذ المشروع، علاوةً على الابتزازات التي يتعرض لها المهندسون من قبل جهات مسلحة مجهولة الهوية".

حادثة انتحار مدير الشركة الكورية المنفذة للمشروع

أثار العثور على مدير شركة "دايو" الكورية المنفذة لمشروع ميناء الفاو الكبير في البصرة العراقية، مشنوقاً داخل غرفته، تساؤلات عدة حول حقيقة انتحاره، ومن الأطراف المستفيدة من تعطيل تنفيذ الميناء الذي يعول عليه العراقيون كثيراً.

والمثير للغموض هو أن إعلان حادثة انتحار بارك تشول هوبا، جاء بعد ثلاثة أيام من توقيع السلطات العراقية مع الجانب الكوري عقداً لبدء تنفيذ مشروع الميناء، حيث قدرت حكومة العراق السابقة التكلفة الإجمالية التقديرية لإتمامه بنحو 4.4 مليار يورو.

وتعليقاً على ذلك، ولمعرفة المعلومات الدقيقة من مصادرها الحكومية، تواصل فريق "عربي بوست" مع عضو لجنة النزاهة البرلمانية العراقية صباح العكيلي، الذي صرّح قائلاً: "الكثير من العراقيين لم يصدقوا أن ما جرى حادثة انتحار، إضافة إلى أن ما تسرب بشكل غير رسمي عن تحقيقات، يوضح أن الأمر ليس انتحاراً".

ويتابع العكيلي: "بصفتي محامياً قبل أن أكون نائباً، فإنني مُطلع على حوادث من هذا النوع، وأرى أن الوضع العام للجثة وما ظهر من آثار على أطراف أصابعه، لا يمكن للحادثة أن تكون بدافع شخصي، أو القول إنه أقدم على الانتحار".

كما طالب النائب بحسب تعبيره: "يجب على الحكومة العراقية أن تحقق بشكل جدي للكشف عن ملابسات الحادث؛ لأن مدير الشركة الكورية هو ضيف ويعمل بصفة رسمية، وقد يؤدي عدم كشف الحقائق إلى إرباك سياسي كبير مع دول الجوار، وانسحاب كبرى الشركات الاستثمارية الأجنبية".

وأضاف العكيلي أن "ميناء الفاو مشكلة لا نرى لها حلاً في المستقبل؛ لأن الخلافات السياسية حول الموضوع من الممكن أن تجرّنا إلى مشكلات كبيرة، لذلك لم نصدق منذ البداية أن إنشاءه سيكتمل، ومن ثم فإن إعلان حادثة الانتحار ليس من باب الصدفة، لأسباب كثيرة وعلى رأسها أن الأمر مرتبط بالميناء نفسه، فالعراق كما يعرف الجميع حدوده مفتوحة منذ عام 2003، لذلك لا نستبعد أن تدخل جهات أجنبية ومخابرات دول كثيرة، لذلك لا يمكن ترك الأمر إلى الصدفة أو أن الحادث شيء طبيعي، وإنما هو مؤامرة كبيرة ومدبرة على مستوى عال، الهدف منه إيقاف المشروع".

الجدل الدائر وتأخير بناء ميناء الفاو الكبير يضعف قيمته التجارية، وإن فساد النظام في العراق وتورط كبار المسؤولين فيه بالرشى والولاءات الخارجية أدى لخنق ميناء الفاو العراقي، فضلاً عن التنافس الضاري بين الأحزاب والكتل والعوائل السياسية الدينية المهيمنة على الحكومة ورغبة كل منها بالحصول على الحصة الأسد فيه، كل ذلك الضياع الاقتصادي أدى إلى إهمال الميناء وخسارة العراق لمنفذ بحري مهم جداً، كان من شأنه تمويل الخزينة العراقية بواردات يكون لها مستقبل استثماري كبير.

علامات:
تحميل المزيد