بعد الحسم في إجراء انتخابات في المغرب العام المقبل، قدّمت أحزاب مغربية مذكّراتها بشأن الإصلاحات السياسية والانتخابية، أبرزها مقترح مراجعة كيفية احتساب "القاسم الانتخابي"، وهو عدد الأصوات المطلوبة للحصول على مقعد نيابي في كل دائرة انتخابية.
ويعدّ القاسم الانتخابي منهجية لتوزيع المقاعد البرلمانية بناء على قاعدة معينة، إما باحتساب عدد الأصوات الصحيحة، وإما باحتساب عدد المصوّتين، أو باحتساب عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، ووفقه يُحدد عدد الأصوات التي تخوّل كل حزب الحصول على مقعد انتخابي.
ومن خلال القاسم الانتخابي تُحتسب الأصوات الصحيحة في كل دائرة انتخابية، ثم قسمتها على عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة، ويكون الخارج الانتخابي هو عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد نيابي، وذلك بعد خصم الأوراق الملغاة أو المتنازع عليها أو البيضاء أو غير القانونية.
تعديل "احتساب الأصوات"
أعاد مقترح القاسم الانتخابي إلى واجهة الحياة السياسية المغربية الجدل الذي يسبق الاستحقاقات البرلمانية في المغرب، خصوصاً أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي وجد نفسه هذه المرة في مواجهة أغلب الأحزاب السياسية التي اصطفت وراء مقترح واحد ووحيد، وهو تعديل طريقة اقتسام الأصوات.
المقترح المثير للجدل أعده حزب الاتحاد الدستوري المتمركز في صفوف الأغلبية، في مذكرة لم يطلع عليها الرأي العام، وتوصل "عربي بوست" لمضامينها، والتي طالب من خلالها باستخراج القاسم الانتخابي من "قسمة مجموع المسجّلين في اللوائح الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية، دون تمييز بين من شاركوا في الانتخابات ومن لم يشاركوا فيها".
مقترح الاتحاد الدستوري اصطفت وراءه أغلب الأحزاب الكبيرة في المغرب، وهي حزب الاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية المنتمون إلى الأغلبية الحكومية، وأيضاً حزبا الاستقلال والتقدم والاشتراكية المعارضان، والذين طالبوا باحتساب الأصوات المعبر عنها، بما في ذلك الأصوات الملغاة والأوراق البيضاء والأوراق المتنازع عليها.
مقترحات الأحزاب تُخالف الطريقة المعمول بها في الانتخابات الماضية منذ سنة 2002، عندما استُخرج القاسم الانتخابي بقسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد، وهو ما مكّن حزب العدالة والتنمية من تصدّر الانتخابات منذ سنة 2011، يليه حزب الأصالة والمعاصرة (معارض) في المرتبة الثانية.
وبرّرت الأحزاب السياسية مقترحها، بكون هذه التعديلات ستحول دون حصول حزب سياسي على أكثر من مقعد نيابي في الدائرة الانتخابية، وبالتالي القطع مع ظاهرة المقعدين والثلاثة في الدائرة الواحدة، والتي غالباً ما يحصل عليها الحزب الأول والثاني في الانتخابات السابقة، ويبقى المستفيد في حال إقرار هذا التعديل هو الأحزاب الصغيرة، الأمر الذي سيُحدث توازناً وينقذ هذه الأحزاب الصغيرة من الموت.
مقابل ذلك، يمكن لاحتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، أن يُفقد حزب العدالة والتنمية نحو 40 مقعداً نيابياً، ما بين الدوائر الانتخابية المحلية واللائحة الوطنية.
المقترح الفخ
أمام المقترحات التي تُقدمها الأحزاب المغربية، عبّر حزب العدالة والتنمية الإسلامي عن رفضه لأي تعديل لمنهجية توزيع الأصوات الانتخابية، مطالباً بالاحتفاظ باحتساب القاسم الانتخابي بناء على الأصوات الصحيحة فقط، كما هو معمول به سابقاً.
ويرى سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن "احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجّلين، لا تجربة مُقارِنة تُسنده أو تُعضده وليس له منطق يدعمه"، رافضاً القبول بمعيار المسجّلين على أساس أنه "يخالف ما جاء في الفصل 7 من الدستور، الذي يمنح الأحزاب السّياسية مهمة التعبير عن إرادة النّاخبين، ما يجعل التنظيمات السياسية تستمدّ مشروعيتها من إرادة النّاخبين الذين صوّتوا وليس من غيرهم".
وأضاف القيادي في الحزب القائد للائتلاف الحكومي في حديثه مع "عربي بوست"، أن موقف حزبه "يعدّ موقفاً مبدئياً ودستورياً وديمقراطياً"، داعياً "إلى ضرورة الإبقاء على النّظام الحالي بخصوص القاسم الانتخابي، الذي يقوم على احتساب هذا القاسم على أساس عدد الأصوات الصّحيحة فقط".
قيادي آخر في حزب العدالة والتنمية تحدّث لـ"عربي بوست" قال إن مقترحات الأحزاب غير بريئة، وهدفها الأول إبعاد حزب العدالة والتنمية عن تصدر الانتخابات المقبلة، بعدما قام بمهمته الرئيسية وهي إخماد شرارة الربيع العربي التي مرت بسلام بالمغرب، وعصفت بدول قريبة سياسياً وجغرافياً من المغرب.
وأضاف المتحدث إلى أن "الأحزاب المنافسة لحزب العدالة والتنمية لم تجد طريقة "لكبح جماح" الحزب الإسلامي، الذي يستند على قاعدة انتخابية كبيرة، سوى تعديل مسألة القاسم الانتخابي في القانون الانتخابي، وليس للعدالة والتنمية سوى التشبث بما هو مسطر في الدستور والوقوف في وجه من يسعى إلى إبعاده عن تصدر الانتخابات وقيادة الحكومة المقبلة، ومنعه من تحقيق الاكتساح الذي حققه في الولايتين السابقتين منذ 2011″.
من جهته اعتبر إدريس قصوري، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، في حديث لـ"عربي بوست"، أن حزب العدالة والتنمية هو "المستهدف الأوّل من مراجعة كيفية احتساب القاسم الانتخابي"، إذ "لا يُعقل احتساب أصوات من امتنعوا عن التصويت، وكيف يمكن أن نعتبر هؤلاء مشاركين بالقوّة ضدّ إرادتهم وحقّهم الدّستوري".
طرْح العدالة والتنمية أكده إسماعيل حمودي، أستاذ القانون والعلوم السياسية، الذي قال إن تعديل القاسم الانتخابي، كما تريد أحزاب عديدة "سيحول بشكل مؤكد دون حصول حزب العدالة والتنمية على أكثر من مقعد واحد في الدائرة الانتخابية الواحدة، علماً أنه كان يحصل على أكثر من 40 مقعداً إضافياً بسبب فوزه بمقعدين أو ثلاثة في الدائرة الواحدة".
ولا يرى أستاذ العلوم السياسية في حديثه لـ"عربي بوست"، أن هذه التقنية تستهدف حزب المصباح وحده، معتبراً أن "أحزاباً أخرى مثل الأصالة والمعاصرة والاستقلال ستكون خاسرة هي الأخرى، بالرغم من أنها تبنت مقترح التعديل".
كما أوضح إسماعيل حمودي، أستاذ القانون والعلوم السياسية، أن التقنية الجديدة المتعلقة بتعديل القاسم الانتخابي، "تسمح بالتحكم القبلي في نتائج الانتخابات"، ومن ثم ستؤدي "إلى بلقنة الخارطة السياسية وتشكيل حكومة هشة"، وفق إدريس قصوري، الأكاديمي والمحلل السياسي.
وخلص حمودي أن هذه التقنية "ستفرغ مبدأ التنافس السياسي والانتخابي من محتواه، وقد يؤثر ذلك على حجم التعبئة، ومن ثم التأثير سلباً على نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة".
هل تلتزم السلطة الحياد؟
أمام هذا الجدل القائم حول طريقة احتساب الأصوات الانتخابية يُطرح سؤال جوهري لدى المراقبين بهذا الخصوص، حول ما إذا كانت السلطة تسعى من خلال بعض الأحزاب السياسية، إلى إبعاد حزب العدالة والتنمية من تصدر المشهد الحزبي، وذلك بالدفع في اتجاه عدم فوزه بالمرتبة الأولى في الاستحقاقات المقبلة.
في السياق، قالت مصادر "عربي بوست"، التي حضرت الاجتماع الذي جمع ممثلين من الأحزاب السياسية ووزير الداخلية عبدالواحد لفتيت، إن هذا الأخير التزم الحياد أمام مقترحات الأحزاب التي اتفقت على تعديل القوانين النظامية للأحزاب والرفع من تمثيلية الأحزاب، لكنها اختلفت على نقطة القاسم الانتخابي.
وزير الداخلية قال في الاجتماع، إن الإشراف السياسي على الانتخابات سيكون لرئيس الحكومة، وإن وزارة الداخلية تلعب فقط دور "تقريب وجهات النظر"، مشيراً إلى أن الحوار حول القاسم الانتخابي مازال مستمراً.
كلام وزير الداخلية "استبعده" مصدر رفيع المستوى في حديثه مع "عربي بوست"، مشيراً إلى أن "السلطة في المغرب تُعطي إشارة بعدم حاجتها لحزب العدالة والتنمية، في الوقت الحاضر".
وأضاف المتحدث، أن الحزب الإسلامي، بالإضافة إلى قوته الانتخابية، جرى تعزيزه في انتخابات 2011 من طرف السلطة ليُحقق اكتساحاً انتخابياً تاريخياً، ويزيح أحزاباً سياسية يسارية كبيرة كالاتحاد الاشتراكي، وأحزاباً محافظة كالاستقلال، الذي قاد أكثر من حكومة في تاريخ المغرب.
وأوضح المتحدث أن الأحزاب المطالبة بتعديل القاسم الانتخابي لم تضع نصب عينيها افتراضية فوز العدالة والتنمية رغم اعتماد مقترحها، وهل ستكون هناك طريقة لعزل الحزب كاعتماد "انحباس" جديد يُعلنون من خلاله عجز الحزب عن تشكيل الحكومة، وبالتالي تكليف الحزب الثاني بتشكيلها، بحسب ما ينص عليه الدستور.
واعتبر المتحدث أنه مع أي تدخل في القاسم الانتخابي، أو انحباس تشكيل الحكومة، سيكون "تدخل للسلطة من أجل تشكيل المشهد الحزبي والسياسي، وفق ما يقتضيه هواها ومصلحتها السياسية والاقتصادية والأمنية".
رفض الإسلاميين
وبمجرد الإعلان عن مقترحات الأحزاب السياسية، اعتبر حزب العدالة، قائد الائتلاف الحكومي، نفسه مستهدفاً من هذه المقترحات، بغرض تحجيم قوته الانتخابية وإبعاده عن المرتبة الأولى، ومنعه بطريقة "قانونية" من قيادة الحكومة للمرة الثالثة.
ورفض العدالة والتنمية للتعديلات في القوانين الانتخابية عبّر عنه عدد من قياداته، سواء بمقالات تحليلية أو بمواقف على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن التعديل يُمكنه أن يُفقد العدالة والتنمية حوالي 40 مقعداً برلمانياً في الانتخابات المقبلة.
وكتب القيادي في العدالة والتنمية والوزير السابق الحبيب الشوباني، في مقال مطول دافع فيه عن طرح حزبه، معتبراً أن "تعديل قانون القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين مخالف للدستور أساساً".
وأضاف الشوباني في المقال الذي توصل إليه "عربي بوست" أن "مقترح الأحزاب يصطدم بحواجز دستورية منيعة على الاختراق أو القفز والتجاوز، وكذا التنبيه إلى المخاطر السياسية الكبيرة التي من شأن اعتماده أن يُنتجها كمُخرجات حتمية كافية للإجهاز على ما تبقى من رصيد الثقة في جدوى المشاركة السياسية، والإيمان أصلاً بقيمة ودور الأحزاب ووظائفها الدستورية".
واعتبر الشوباني أن اعتماد المقترح يعتبر منافياً للدستور نصاً وروحاً، لأنه ينطوي على تدابير تؤدي إلى خلط "إرادة الناخبين، كما أنه شكل من أشكال المساس الصريح بنزاهة الناخبين، وعصف بالروح الإصلاحية لدستور 2011، الذي يصنف بحق كـ"دستور لتعزيز المشاركة والتشاركية".
من جهته، نشر الموقع الرسمي الإخباري لحزب العدالة والتنمية مقالاً بعنوان "لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين"، اعتبر من خلاله أن "المطالبين بتعديل القاسم الانتخابي بعيدون جداً عن تمثل قيم الديمقراطية، بل هم يريدون من خلال هذا الاقتراح شرعنة الريع الانتخابي، بمجازاة الراسبين في معركة الديمقراطية والإقناع، وتمتعهم بما لا يستحقون ما دامت صناديق الاقتراع قد قالت قولها، الذي في حده الحد بين الديمقراطية والاستهتار بها".
ورفضت الأمانة العامة للحزب مقترح القاسم الانتخابي، معتبرة أن "أي مراجعة للقوانين الانتخابية يجب أن تكون مؤطرة بقاعدة تعزيز الاختيار الديمقراطي، وصيانة المكتسبات المحققة في هذا المجال".
واعتبرت قيادة الحزب أن احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين "يخالف المقتضيات الدستورية والمنطق الانتخابي السليم، كما يخالف ما هو معمول به في التجارب الديمقراطية المقارنة"، بالإضافة إلى أن "تعديل القوانين الانتخابية ينبغي أن يقدم رسائل واضحة وغير ملتبسة، تتجه لتعزيز مصداقية المؤسسات لا العكس، وتعزيز مشاركة النساء والشباب ومغاربة العالم".