8 أشهر بعد وصول جائحة كورونا إلى المغرب، التجأت المصحات الخاصة في البلاد إلى فرض تعريفة خاصة مرتفعة مقابل علاج مرضى كوفيد-19، الذين لم يجدوا مكاناً لهم في المستشفيات العمومية، وتدهورت حالتهم الصحية نتيجة إصابتهم بالفيروس التاجي.
وتفجر جدل التكاليف المرتفعة للمصحات الخاصة، بعد توجه هذه الأخيرة إلى طلب شيكات من مرضى كورونا كضمان قبل التكفل بوضعيتهم الصحية، كما أنها تُحدد الأسعار الاستشفائية بين 100 ألف درهم (10 آلاف دولار) و140 ألف درهم (14 ألف دولار).
وفي حالة وفاة المريض، تمتنع المصحات الخاصة عن تسليم الجثة للعائلة حتى يُؤدى المبلغ المسطر في الشيك الضامن، وفي حالة عجز ذوي الميت عن الأداء يتم الالتجاء للمحاكم.
ارتفاع كلفة استشفاء مرضى كورونا بالمصحات الخاصة، وتضخيم فواتير العلاج بها، وصفه المنتقدون بـ"الاستغلال الفاضح للوضع الوبائي"، مقابل ذلك دافعت المصحات الخاصة عن طرحها.
صمت رسمي وتبرير المصحات
أمام موجة الانتقادات والسخط المجتمعي اختار وزير الصحة المغربي، خالد آيت طالب الانحناء للعاصفة التي خلقها ارتفاع تكاليف العلاج في المصحات الخاصة من فيروس كورونا، فالتجأ إلى الصمت باستثناء بيان رسمي كشف من خلاله أن التعريفات المعلن عنها، والمحددة من طرف وزارة الصحة ما زالت سارية المفعول.
موقف وزارة الصحة تُكذبه حالات الواقع، التي تلتجئ لمواقع التواصل الاجتماعي، أو المواقع الإخبارية لطرح قصصها مع "استغلال" المصحات الخاصة، والسبب الأساسي يرجع إلى الارتفاع الكبير في الأسعار، الذي لا يُناسب حتى الأسر المتوسطة في المغرب.
رد وزارة الصحة كان عبارة عن بيان مشترك مع الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، والذي جاء بعد اجتماع ترأسه الوزير آيت طالب، بحضور ممثلي الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، وعدت فيه بالتعاون مع المصحات وفق ما يناسب الموارد المادية الحالية.
من جهتها دافعت المصحات الخاصة عن اتهامها بـ"تضخيم" فواتير العلاج من كورونا، فألصقته في ارتفاع مصاريف معدات التكفل بالمرض، وما يتطلبه الأمر من مصاريف يومية باهظة الثمن، وغلاء بعض المواد والمستلزمات الطبية التي تدخل ضمن علاج مرضى "كوفيد 19".
وكشف الدكتور رضوان السملالي، رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، أن "المصحات الخاصة تجندت وراء وزارة الصحة ودعمتها بكافة الإمكانيات المتاحة منذ بداية الجائحة، وذلك مع تحميلها مسؤولية استقبال المرضى ومعالجتهم للمستشفيات العمومية".
وأضاف المتحدث في حديثه مع "عربي بوست" أن "ارتفاع عدد الإصابات بكورونا في الفترة الأخيرة، لم تعد الأطقم الطبية بالمستشفيات العمومية قادرة على مواجهته فدخلت المصحات الخاصة على الخط، وذلك بتنسيق مع السلطات العمومية".
وبرر الدكتور السملالي ارتفاع فواتير علاج كورونا بالمصحات الخاصة كون المصاريف مرتفعة بشكل كبير، فالأكسجين في غرف الإنعاش للحالات الحرجة حسب تعبيره "يُكلف يومياً 5000 آلاف درهم (500 دولار)، ولباس الطاقم الطبي يُكلف 2000 درهم (200 دولار)، وإذا قضى المريض في الإنعاش مدة تتراوح ما بين 3 و4 أسابيع، قد يكلف إلى حدود 20 مليون سنتيم (20 ألف دولار) دون تناسي تكاليف الأدوية المانعة لتخثر الدم".
أزمة في البرلمان
جشع المصحات الخاصة في المغرب انتقل إلى قبة البرلمان، إذ وجه الفريق الاشتراكي، بمجلس النواب، يوم الخميس 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 سؤالاً كتابياً إلى وزير الصحة، خالد آيت طالب، مستفسراً حول كيفية تعاطي المصحات الخاصة مع مرضى كوفيد – 19.
وجاء في السؤال الموجه لوزير الصحة كون "هذه المصحات باتت خارج الإجماع الوطني، الذي يدعو إلى استحضار قيم التكافل خلال فترة الجائحة، وذلك بممارستها الجشعة وغير القانونية في التعامل مع مرضى كورونا، الأمر الذي أصبح خارج السيطرة القانونية والضوابط المعمول بها، بل أصبحت تفرض قوانينها الخاصة دون أي مراعاة لأي ضوابط تنظيمية أو قانونية".
الفريق الاشتراكي بمجلس النواب طالب من وزير الصحة، بالعرض المستعجل لـ"الآليات والمساطر والقرارات والتدخلات العاجلة التي تقوم بها الوزارة، إزاء الوضعية المختلة والخطيرة التي تمارسها هذه المصحات الخاصة"، وأيضاً إبراز كيفية تصحيح الوزارة للوضع وفرض التطبيق الصارم للقانون تجاه هذه الوحدات الصحية.
أحمد العلا، طبيب جهاز تنفسي، ونقابي قال في حديثه مع "عربي بوست" إن "المصحات الخاصة اليوم أصبحت تُقايض الدولة، فالجميع يعلم أن المنظومة الصحية في المغرب ليست قوية، وأمام الارتفاع الكبير لإصابات كورونا فالدولة وجدت نفسها مضطرة إلى إعطاء الضوء الأخضر للمصحات لبدء التكفل بالمرضى".
وأضاف المتحدث أن "بعض الأسر والعائلات المغربية التي تتوفر على الإمكانيات المادية كانت تطالب بفتح الباب أمام المصحات الخاصة لاستفادتها من العلاج بمقابل مادي وتجنب المستشفيات العمومية، التي ليست لها سمعة حسنة في المغرب".
ورمى النقابي الكرة الملتهبة في شباك الحكومة ووزارة الصحة، هذه الأخيرة التي بحسبه يجب أن توفر دعماً للمصحات الخاصة إذا كانت مصممة على التعريفة التي حددتها، ورفضتها المصحات، ولكيلا يكون هناك تضرر للمواطن.
حماية المستهلك
وأمام جدل أسعار المصحات الخاصة، يعرف المغرب تفجراً وبائياً كبيراً، تسبب في أزمة استشفاء كبيرة على مستوى المملكة، فازدادت أعداد الحالات الخطيرة والحرجة، التي بلغ عددها الإجمالي 1051، حسب النشرة الوبائية ليوم الأحد 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، منها 89 تحت التنفس الاختراقي، بينما تخضع 460 حالة للتنفس الاصطناعي غير الاختراقي، هذه الأرقام التي أدت إلى ملء أسرة الإنعاش التي خصصتها البلاد لحالات "كوفيد 19" بنسبة 39%.
أيضاً تعيش مدينة الدار البيضاء، وحدها، تفجراً وبائياً كبيراً، بعد تسجيلها أرقام إصابات تجاوزت إصابات ووهان الصينية، بؤرة الفيروس، فأصبحت المدينة تعرف ارتفاعاً في الحالات الخطيرة والحرجة، ما عجل بلجوء أهالي بعض المرضى إلى المصحات الخاصة.
ممارسات المصحات الخاصة دفعت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك لإصدار بيان تنتقد فيه ارتفاع أسعار الاستشفاء، و"استغلال المواطنين" لتحقيق الأرباح في فترة الجائحة.
وقالت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، في بيان لها إن "شكاوى المواطنين من بعض المصحات الخاصة، توالت منذ موافقة وزير الصحة، وإعطائه الضوء الأخضر لهذه المصحات لمعالجة مرضى كوفيد 19، هذه المصحات التي صارت تُلزم زبائنها بدفع مبالغ خيالية كتسبيق عن العلاج".
وأضافت الجامعة التي تعنى بحماية المستهلك أن "معاناة مرضى كوفيد 19، مع المصحات الخاصة لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن بعضها اتجه إلى حد رفض تسليم الفواتير والتقارير الصحية للمرضى، وهو ما يعتبر مخالفة للقرارات المتخذة من طرف السلطات العمومية في ظل الجائحة".
وطالبت الجامعة، وزير الصحة، بالحديث إلى الرأي العام وتقديم توضيحات بهذا الشأن، والتدخل للحد من غطرسة هذه الفئة "الجشعة" التي تتصيد الفرص ولو على حساب صحة وسلامة المستهلك، مطالبة أيضاً "السلطات المراقِبة ببذل مجهود أكبر لمحاربة هذه الظاهرة، وإلزام المصحات الخاصة بتطبيق القانون، وخصوصاً المقتضيات التي تهم المستهلك".
مقابل ذلك طالبت الجامعة كل المستهلكين، بتحمل مسؤولياتهم، والتبليغ عن جميع من يتلاعب بصحة وسلامة المواطن، عبر جميع الوسائل المتاحة له، لاسيما البوابات الوطنية لتقديم الشكايات.