تصاعد التوتر على معبر الكركارات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، بعد أن أعلن المغرب، صباح اليوم الجمعة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، التدخل عسكرياً وبشكل رسمي في المنطقة بعدما أقدمت البوليساريو، منذ 21 أكتوبر/تشرين الأول 2020 على إغلاق الممر، بهدف "الضغط على الرباط وإثبات وجودها قبل موعد صدور تقرير مجلس الأمن الدولي الخاص بقضية الصحراء".
يوجد معبر الكركارات حسب الأمم المتحدة في منطقة حدودية عازلة، منزوعة السلاح، تبعاً لاتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو الموقع سنة 1991، كما أنه المنفذ التجاري البري الوحيد بين المغرب وموريتانيا ودول الساحل، وأيضاً دول المغربي العربي، فيومياً تمُر منه العشرات من الشاحنات التي تنقل البضائع والسلع.
بداية الأزمة
بدأت الأزمة في 21 من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020 عندما قررت البوليساريو رسمياً قطع الطريق أمام الرحلات التجارية التي تربط المغرب بموريتانيا، وذلك بوضع 60 شخصاً تابعاً للبوليساريو بوضع الأحجار والإطارات المطاطية وتخريب الممرات إلى المنطقة الحدودية.
أيام قليلة بعد قطع الطريق قامت البوليساريو بإرسال قواتها إلى المنطقة بهدف "حماية مواطنيها"، حسب تبريرها، الأمر الذي اعتبره المغرب استفزازاً، خصوصاً أن المنطقة عازلة ومنزوعة السلاح من نحو 29 سنة.
ومع استمرار أزمة غلق معبر الكركارات بدأ المغرب تحركاته العسكرية بالقرب منه، وهددت جبهة البوليساريو بإنهاء اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع الرباط إذا "أدخلت المملكة عسكريين أو مدنيين إلى منطقة الكركرات العازلة الواقعة عند الحدود بين موريتانيا والصحراء".
مصدر دبلوماسي رفيع المستوى قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن المغرب قرر التصرف وفقاً لسلطته وفي احترام تام للقانون الدولي، محملاً البوليساريو كافة المسؤوليات والعواقب نتيجة إقفالها غير القانون للمعبر، وبطريقة عشوائية".
وأشار المصدر إلى أن المغرب أعطى الوقت الكافي للمساعي الحميدة للأمين العام للأمم المتحدة من أجل إقناع البوليساريو بوقف أعمالها المزعزعة للاستقرار ومغادرة المنطقة العازلة في الكركرات، إلا أن هذه المساعي لم تنجح إلى حدود صباح اليوم الجمعة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
واعتبر المصدر ذاته أن المغرب اعتبر "ما تقوم به البوليساريو يشكل "زعزعة للاستقرار مع سبق الإصرار، ويؤدي إلى تغيير وضع المنطقة العازلة، ويهدد وقف إطلاق النار، مضيفاً أن المملكة التزمت بأكبر قدر لضبط النفس في مواجهة الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة وقررت تحمل مسؤوليتها ووضع حد لهذا الإغلاق واستعادة الحركة المدنية والتجارية".
وتُعتبر موريتانيا هي المتضرر الأول من إقفال معبر الكركارات وذلك بسبب الأزمة التجارية التي خلفتها عملية منع الشاحنات المحملة بالسلع من تجاوز الحدود بين المغرب وموريتانيا، هذه الشاحنات التي ضلت عالقة بمدينة العيون.
وناشد وزير الخارجية الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة التدخل لإيجاد حل للمعبر في أقرب وقت، بسبب الأزمة القائمة لدى تجار موريتانيين في الأسواق بسبب استنزاف مدخراتهم وارتفاع أسعار البيع للمواطن العادي.
تدخل مغربي
بعد مرور نحو 15 يوماً على إغلاق المعبر، أعلن المغرب، صباح اليوم الجمعة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 التدخل رسمياً بعد ما اعتبرته "تسلل البوليساريو إلى المنطقة وقيامها بأعمال العصابات، وبعرقلة حركة تنقل الأشخاص والبضائع على هذا المحور الطرقي، وكذا التضييق باستمرار على عمل المراقبين العسكريين لبعثة المينورسو".
وكشفت الوزارة بيان لها أن "المغرب قرر التحرك، في احترام تام للسلطات المخولة له، لأن التحركات التي تقوم بها البوليساريو الموثقة بالصورة، تشكل بحق أعمالاً متعمدة لزعزعة الاستقرار وتغيير الوضع بالمنطقة، وتمثل انتهاكاً للاتفاقيات العسكرية، وتهديداً حقيقياً لاستدامة وقف إطلاق النار، كما أن هذه التحركات تقوض أية فرص لإعادة إطلاق العملية السياسية المنشودة من قبل المجتمع الدولي".
وأكدت الوزارة أنه بعد أن التزم بأكبر قدر من ضبط النفس، لم يكن أمام المغرب خيار آخر سوى تحمل مسؤولياته من أجل وضع حد لحالة العرقلة الناجمة عن هذه التحركات وإعادة إرساء حرية التنقل المدني والتجاري.
مصدر رفيع المستوى بوزارة الخارجية المغربية كشف في حديثه لـ"عربي بوست" أن القوات المغربية بدأت فعلاً في وضع حواجز بين عناصر البوليساريو والمعبر من أجل إفساح المجال لمرور شاحنات نقل السلع إلى موريتانيا وباقي دول إفريقيا جنوب الصحراء، مشيراً إلى أن العملية تتم باحترافية كبيرة.
من جهته قال مصدر حكومي رفيع في حديث مع "عربي بوست" إن "قيام عناصر من جبهة البوليساريو بإغلاق معبر الكركرات خطوة يائسة وانتحارية التي تحاول تصدير أزماتها الداخلية في تحد صارخ لدعوات الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة الحفاظ على حرية التنقل المدني والتجاري، معتبراً أن المغرب اختار الكيفية المناسبة التي يرد بها".
المصدر الحكومي الرفيع، أكد أن المغرب وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته بضرورة حماية حرية التنقل المدني والتجاري، لكنه لن يقبل في المقابل أن يفرض عليه أي كان واقعا جديدا في المنطقة.
تدخل الجيش
من جهتها أعلنت القوات المسلحة الملكية تفاصيل تدخلها في منطقة الكركارات لإعادة حركة النقل المدني والتجاري بين المغرب وموريتانيا، وذلك بعد إعلان المغرب رسمياً التدخل لإنهاء إقفال المعبر الحدودي.
وقالت القوات المسلحة الملكية، في بيان لها، صباح اليوم الجمعة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إنه "على إثر الحصار الذي قام به نحو 60 شخصاً تحت إشراف عناصر مسلحة من البوليساريو بمحور الطريق الذي يقطع المنطقة العازلة بالكركرات ويربط المملكة المغربية والجمهورية موريتانيا الإسلامية، وتحريم حق المرور، انتقلت القوات المسلحة الملكية ليلة الخميس إلى الجمعة، إلى إقامة طوق أمني".
وأضاف المصدر ذاته أن "هذه العملية التي ليست لها نوايا عدوانية تتم وفق قواعد التزام واضحة، تقوم على تجنب أي احتكاك مع أشخاص مدنيين وعدم اللجوء إلى استعمال السلاح إلا في حالة الدفاع الشرعي.
هل تندلع الحرب؟
أمام تدخل المغرب تطرح عدداً من التساؤلات حول رد فعل البوليساريو، خاصة أنها هددت الاثنين 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بإنهاء العمل باتفاق وقف إطلاق النار الموقّع مع الرباط إذا "أدخلت" المملكة عسكريين أو مدنيين إلى منطقة الكركرات العازلة الواقعة عند الحدود بين موريتانيا والصحراء.
وكشفت البوليساريو في بلاغ سابق لها أن "القوات المغربية بدأت منذ نهاية الأسبوع الماضي، في عملية جلب أعداد كبيرة من قوات الدرك وأجهزة أمنية أخرى إلى منطقة الكركرات".
وحذّرت البوليساريو من أن "دخول أي عنصر عسكري أو أمني أو مدني مغربي إلى هذه المنطقة العازلة الخاضعة لسيطرة الأمم المتحدة سيعتبر عدواناً صارخاً سيكون على الطرف الصحراوي أن يرد عليه بكل حزم دفاعاً عن النفس وعن السيادة الوطنية، وهو ما سيعني أيضاً نهاية اتفاق وقف إطلاق النار وفتح الباب أمام اشتعال فتيل حرب جديدة في كامل المنطقة".