بحديث لنبي الإسلام محمد "مَن رأى منكم منكراً فليغيره"، اختار جو بايدن الرئيس الأمريكي الحالي، عبر فيديو نُشر على موقع حملته الانتخابية، أن يُخاطب الأمريكيين المسلمين من أبناء البلد والمهاجرين خلال أيام الحملة، واعداً بدعمهم، وإلغاء قرارات فرضتها إدارة سلفه الجمهوري على المسلمين في اليوم الأول لإدارته.
https://www.youtube.com/watch?v=kjobthw2rw0&feature=emb_logo
الحملة الانتخابية للمرشح الديمقراطي بايدن، نجحت في "استغلال إيجابي" للمسلمين الأمريكيين، ورغم عدم وجود أرقام مضبوطة حول حاملي ديانة الإسلام، لأن القوانين الأمريكية تمنع جمع معلومات الانتماء الديني في إحصائها الرسمي، فإن التقديرات تقول إن نسبة المسلمين في البلاد تتراوح بين 1 إلى 2% من إجمالي السكان، أي ما يفوق 3 ملايين مسلم.
كل هذه الأرقام لم يأخذها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالحسبان، وجهر بعدائه للمسلمين، بينما استغلها الفائز بمنصب الرئاسة جو بايدن بشكل ذكي، واختار خطاباً سلمياً يعد فيه المسلمين داخل أمريكا وخارجها.
خطاب خاص
استغلّ الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن حملته الانتخابية باللعب على حبل المسلمين في البلد، فوجّه لهم خطاباً خاصاً نُشر على موقع حملته، واعداً بإلغاء كل القيود التي فرضها الجمهوري دونالد ترامب، وإعطاء المسلمين حقهم الطبيعي في العيش في كل الولايات الأمريكية، وذلك في خطوة سابقة.
توجيه خطاب خاص للمسلمين لم يسقط عبثاً على مسيّري الحملة الانتخابية لبايدن، فبلغة الأرقام، وحسب استطلاع للرأي أجراه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، تحت عنوان "استطلاع اقتراع الناخبين المسلمين في الانتخابات الرئاسية لعام 2020″، فقد وصلت نسبة مشاركة المسلمين في الانتخابات الأخيرة إلى 84%، كما أن 69% من الناخبين المسلمين دعموا جو بايدن، بينما اختارت نسبة 17% منهم التصويت لصالح ترامب.
في قراءة لهذه الأرقام، يقول جلال مقابلة، الدكتور والباحث في معهد دراسات القيادة الاستراتيجية بجامعة جايمس ماديسون بولاية فيرجينيا، في حديثه لـ"عربي بوست" إن "ارتفاع نسبة مشاركة العرب خلال هذه الانتخابات يُعزى إلى أن الجالية العربية والمسلمة كانت خلال الفترة الماضية في مواجهة مباشرة مع الإدارة الأمريكية، التي اتخذت العديد من القرارات بهدف إقصاء العرب والمسلمين وتعزيز حالة الانقسام في المجتمع الأمريكي".
واعتبر الباحث أن العرب والمسلمون اقتنعوا أن "لعب دور الضحية لن يساعدهم على رفع الظلم الذي يتعرضون له في هذا البلد، واستبدلوا ذلك بالمشاركة الفعالة لإحداث التغيير الذي يأملون، ومزيد من العدالة الاجتماعية في بلد سر نجاحه كان دائماً مرهوناً بقدرته على استيعاب التنوع".
اللغة التحليلية ترجمها إبراهيم عيسى، مواطن مغربي مقيم منذ 6 سنوات بالولايات المتحدة الأمريكية، في حديثه مع "عربي بوست" بالقول، إن "الجالية المسلمة والعربية أصبحت تعي أهمية المشاركة السياسية والانخراط في العمل السياسي".
وأضاف المتحدث أن "المسلمين في أمريكا تأكد لهم تأثيرهم الكبير على الانتخابات بشكل عام، وبالأخص على ممثلي الكونغرس في مناطق انتشارهم، كما أنهم لعبوا دوراً مهماً في تأمين أو قلب نتائج عدد من الولايات لصالح الديمقراطيين، بعدما احتكرها الجمهوريون لمرات عديدة".
من جهتها، ترى ربى مهداوي، صحفية فلسطينية مقيمة بأمريكا، أن "مسلمي أمريكا أصبحوا يرفضون أسلوب التعالي الذي تعامل به ترامب معهم طيلة فترة ولايته، فانساقوا وراء العاطفة التي لعبت عليها حملة بايدن، الذي أمامه اليوم خيار تنفيذ وعوده".
هل يفي بايدن بوعوده؟
قدم جو بايدن وعوداً محددة للمسلمين خلال حملته الانتخابية، أغلبها يندرج في شق الحقوق وإيلاء الأهمية لظاهرة الإسلاموفوبيا "التي ساهمت في صعودها سياسات ومواقف الرئيس دونالد ترامب"، حسب الرئيس، الأمر الذي مكنه من كسب تأييد في صفوف مسلمي أمريكا، لكن هل يفي بايدن بوعوده الانتخابية، خصوصاً أن عدداً مهماً من المسلمين صوّت من أجل إحداث التغيير.
ومن بين الوعود التي قدمها بايدن بالإضافة إلى إلغاء حظر السفر، قال المرشح الديمقراطي إنه لن يكتب خطابات للدكتاتوريين، وسيسعى إلى وضع القيم الديمقراطية والدبلوماسية الأمريكية عبر العالم، والحديث بصوت عال عن انتهاكات حقوق الإنسان والاستهداف العنيف والملاحقة للأقليات المسلمة عبر العالم.
بايدن لم يُقدم وعوداً للمسلمين الأمريكيين المقيمين في الولايات المتحدة فقط، بل وعد أيضاً بإنهاء الأزمات في سوريا وغزة واليمن، بالإضافة إلى تحقيق العدل للمسلمين الأمريكيين، الذين عانوا من خطاب الكراهية لمدة 4 سنوات، مدة حكم غريمه الجمهوري.
وتعليقاً على وعود بايدن يقول جلال مقابلة، الباحث في معهد دراسات القيادة الاستراتيجية بجامعة جايمس ماديسون، في حديثه مع "عربي بوست"، إن "الرئيس المنتخب بايدن قدم وعوداً محددةً ضمن خطة المئة يوم الأولى، وهو مؤشر على نية جادة للتنفيذ مباشرة بمجرد دخوله إلى البيت الأبيض".
المتحدث قال إن الطريق لن تكون معبدة أمام بايدن لتنفيذ كل وعوده الانتخابية، لأن حكمه سيكون من دون أغلبية، ما يعني وجود المزيد من العراقيل لإدارته من طرف الجمهوريين لأي مساع تصب في اتجاه المصالحة مع الجاليات العربية والمسلمة.
ويرى أيمن محسن، المواطن المصري المقيم بأمريكا، أن الإنجاز الأروع إلى حدود الساعة هو إنهاء خطابات الكراهية للرئيس السابق قائلاً: "تأثرنا بشكل سيئ للغاية بخطابات ترامب العنصرية، كان دائماً يصور المهاجرين على أنهم خطر على أمريكا، ورأينا الكراهية تزداد لدى الأمريكيين المنتمين لليمين، وهذا جعلنا نشعر أننا تحت ضغط نفسي كبير".
وعود بايدن رسمت صورة وردية بخصوص الفترة المقبلة لدى المسلمين بأمريكا، فالمواطن المغربي إبراهيم عيسى يرى أن "بايدن يتوجه إلى فتح صفحة جديدة مع العرب والمسلمين بعد الإساءة التي لحقتهم من الرئيس السابق ترامب، خصوصاً أنه ركز عليهم بشكل لافت هذه السنة في حملاته الانتخابية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي".
لكن ربى المهداوي، الصحفية الفلسطينية المقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية، ترى أن ما تم تقديمه من وعود من قِبل بايدن لا تتجاوز كونها "دعاية سياسية، لا أقل ولا أكثر، كما أن المشهد السياسي إلى حدود الساعة يتسم بالضبابية، ولا يمكن في خضم ذلك التنبؤ بالشيء الكثير". مشيرة إلى أنه "من المستحيل، مثلاً، أن يتم الوفاء بوعد إدراج مقررات الدين الإسلامي في المدارس أو الجامعات الأمريكية".
تمثيلية مشرفة
وأفادت ثلاث منظمات مدافعة عن حقوق المسلمين في أمريكا، يوم السبت الماضي، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بأن أكثر من نصف المرشحين المسلمين لشغل مناصب في المجالس النيابية في الولايات الأمريكية قد فازوا في الانتخابات العامة التي جرت بالتزامن مع انتخابات الرئاسة 2020.
ففي بيان مشترك صادر عن منظمة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير"، و"جيت باك"، و"إم باورتشينج"، نشرته وكالة الأناضول، تأكد أن 57 مرشحاً أمريكياً مسلماً من أصل 110 ترشحوا لمختلف المناصب، وفازوا في انتخابات مجالس الولايات.
وبحسب البيان، فإن عدد المرشحين المسلمين في انتخابات هذا العام هو الأعلى منذ 2016، وخاضوا المنافسة في 24 ولاية أمريكية، إضافة للعاصمة واشنطن، كما أوضح البيان أن 7 من إجمالي الفائزين الـ57 دخلوا التاريخ كأول مسلمين تم انتخابهم في ولايتهم.
ويقول الباحث جلال مقابلة، عضو معهد دراسات القيادة الاستراتيجية بفرجينيا "عربي بوست" إن "أمريكا تتغير بفضل ما فرضته الأقليات، إذ تخلت عن اعتبار نفسها طارئة على المجتمع الأمريكي، وصارت ترى نفسها مكوناً أساسياً من النسيج الاجتماعي، ولها الحق في المشاركة والتمثيل مثل باقي المكونات الأخرى".
وأوضح المتحدث أن "الأقليات استوعبت أن الحقوق لا تُمنح وإنما تُنتزع، وانتقلت من سياسة قبول الواقع كما هو إلى سياسة إحداث التغيير وفرض الشروط التي تضمن اندماجاً أفضل لها".
واعتبر المواطن المصري، أيمن محسن، الذي يعيش في أمريكا لما يزيد عن 5 سنوات، في حديثه لـ"عربي بوست" أن "تمثيل المجلسين (النواب والشيوخ) أهم من منصب الرئيس هنا في أمريكا. والترشح والفوز بمناصب داخلهما من قبل مسلمين رسالة واضحة من الديمقراطيين الرافضين لخطابات الكراهية".