منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2020، شهدت محافظة صلاح الدين، وبالضبط في مدينة الفرحاتية العراقية، مجزرة مروعة، راح ضحيتها 12 شخصاً من الأغلبية السنية على يد مجهولين، الحادثة التي أثارت الغضب وسط الأوساط السنية، ووُجهت فيها أصابع الاتهام إلى قوات الحشد الشعبي.
فتحت "مجزرة الفرحاتية" مجدداً النقاش بين السياسيين السنيين وقادة العشائر في العراق، ووصل الأمر إلى المطالبة بطرد كافة أنواع القوات العسكرية وشبه العسكرية من المحافظات المحرّرة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومن بينهم قوات الحشد الشعبي.
مُقابل ذلك، أعربت قوات الحشد الشعبي عن تمسكها بالمحافظات العراقية المحررة، وربطت تواجدها بضمان الأمن والاستقرار، ومنع عودة داعش إلى المناطق المحررة والآمنة.
رفض للحشد الشعبي
كانت "مجزرة الفرحاتية" النقطة التي أفاضت الكأس، وأعادت النقاش في العراق حول ضرورة طرد قوات الحشد الشعبي من كل المحافظات المحررة، لضمان عودةٍ آمنةٍ للأهالي النازحين، خوفاً من خطر تنظيم الدولة الإسلامية.
ففي الأيام القليلة الماضية، اجتمع نواب البرلمان عن المُكون السني، بعدد من كبار قادة العشائر في المحافظات السنية المحررة، لمناقشة ضرورة وكيفية طرد قوات الحشد الشعبي من هذه المحافظات.
أحد قادة العشائر، رفض الكشف عن هويته، قال في حديثه مع "عربي بوست"، "أهالي المحافظات السنية المحررة إلى الآن في المخيمات يخشون العودة إلى منازلهم رغم القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وأيضاً خوفاً من الفصائل المسلحة المنتشرة في هذه المحافظات".
من جهته، اعتبر أحد القيادات السنية القبلية الذي تحدث لـ"عربي بوست"، أن جميع الحوادث التي تحدُث في المناطق المحررة المسؤول عنها هو الحشد الشعبي، قائلاً: "هناك مطالبات واسعة النطاق بطرد كافة القوات الأمنية، وعلى رأسها الحشد الشعبي، فقد تعرّض السكان إلى عمليات استهداف وسوء معاملة من قِبل هؤلاء".
ويرى القيادي السياسي السني، أن وجود الحشد الشعبي داخل المحافظات كان بغرض تحرير الأراضي من داعش، وإحكام الأمن، وهذه المهمة انتهت الآن، ويجب على حكومة مصطفى الكاظمي، اليوم، العمل على عودة النازحين وتأمين الحياة الكريمة لهم.
ويقول محمد البلداوي، النائب السني في البرلمان العراقي، عن محافظة صلاح الدين، لـ"عربي بوست"، "نعلم أن "فلول" داعش مازالوا متواجدين في هذه المحافظات، وأن تضاريس المحافظات المحررة صعب السيطرة عليها، والحشد الشعبي فقط من يعرف أسرارها، لكن العائلات النازحة في المخيمات تريد العودة إلى ديارها والإحساس بالأمان".
الحشد الشعبي: متاجرة انتخابية
بعد مجزرة الفرحاتية أصدر قائد اللواء 41، التابع لهيئة الحشد الشعبي، بياناً يُعلن فيه تبرئة قواته من الحادثة، ومعلناً أن عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية هم من قاموا باختطاف الشباب في المدينة، بجانب اختطاف عدد من عناصر الحشد الشعبي أيضاً.
وقال قائد فصيل مسلح تابع للحشد الشعبي متواجد في محافظة صلاح الدين في حديثه لـ"عربي بوست"، إن "الكتل السياسية السنية تُريد المتاجرة بهذه الحادثة، بعد قرار تقسيم الدوائر الانتخابية، فالسنة في البرلمان يريدون عودة النازحين لكسب عدد أكبر من الأصوات، على حساب أمن المحافظات المحررة، في المقابل لا توجد قوة أمنية عراقية على دراية تامة بتفاصيل هذه المناطق مثل قوات الحشد الشعبي".
في هذا الصدد، يقول سياسي سني بارز، تحدث لـ"عربي بوست"، ورفض الكشف عن هويته "أعتقد أن الوقت مازال مبكراً للحديث عن انسحاب قوات الحشد الشعبي، فبعض النواب عن المكون السني يريدون ضمان الفوز في الانتخابات المقبلة، دون النظر إلى نتائج انسحاب الحشد من المحافظات المحررة".
وأضاف المتحدث أن تنظيم الدولة الإسلامية مازال يُحاول السيطرة مرة أخرى على المناطق المحررة، وهذا الأمر شديد الخطورة في الوقت الحالي على أمن العراق ككل، وليس فقط على المحافظات المحررة.
ما البديل؟
في الاجتماعات بين الكتل السياسية السنية، والقيادات العشائرية، لإعلان رغبتهم في طرد قوات الحشد الشعبي، لضمان عودة النازحين، كان السؤال الأهم: من الذي سيحفظ الأمن والاستقرار في هذه المحافظات، إذا تمت الموافقة على طرد قوات الحشد الشعبي من قبل الحكومة؟
يقول القيادي السياسي السني لـ"عربي بوست"، "لا نريد الشرطة الاتحادية أيضاً، ولا نريد الجيش العراقي، الذي أغلبه من الطائفة الشيعية، نحن نعاني من التمييز، ونريد أن تحكم محافظتنا قوات أمنية من أبنائنا، منعاً لتكرار المعاملة السيئة التي نتعرض لها".
الحديث عن تكوين قوات أمنية من السنة في المحافظات ذات الأغلبية السنية، ليس بجديد، فقد بدأ الحديث عن إنشاء إقليم فيدرالي سني يتردد داخل الأوساط السياسية في الفترة الأخيرة بقوة، خاصة بعد اتفاق "سنجار" بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، الذي يدعو إلى إخلاء قضاء سنجار من كافة القوات شبه العسكرية، والإبقاء على عدد من قوات البيشمركة، والشرطة الاتحادية، وهو ما اعتبره بعض الساسة العراقيين تخلياً واضحاً وصريحاً عن سنجار لصالح الأكراد.
يقول السياسي السني لـ"عربي بوست"، إن "الدستور العراقي يسمح بإنشاء إقليم فيدرالي سني، بموجب المادة 119، لكن النخبة السياسية السنية منقسمة حول هذا الأمر، فبعضهم يرون أن الأمر ضروري، إذا أرادت الحكومة العراقية إغلاق المخيمات وعودة النازحين المحليين وإرساء الاستقرار في المحافظات المحررة، والبعض الآخر يجدون أن تفكيك وحدة الأراضي العراقية لن يجلب سوى المزيد من المشكلات المعقدة".
في النهاية، يعد أمر طرد قوات الحشد الشعبي من المحافظات السنية المحررة معقداً، إن لم يكن مستحيلاً، فإلى الآن لم يتم إخلاء قضاء سنجار من قوات الحشد الشعبي، كما أكد أحد قادة الفصيل المسلح في حديثه لـ"عربي بوست": "لن يغادر أي مقاتل من مقاتلي الحشد المحافظات المحررة، خروجنا يعني عودة داعش على الفور، فلا بد أن يكف الساسة السنة عن هذه المطالبات السخيفة والساذجة".
أي دور للحكومة؟
اليوم وبعد ثلاث سنوات من انتصار العراق على تنظيم الدولة الإسلامية، لا يزال أكثر من مليون عراقي نازحين، وهناك مئات الآلاف في المخيمات في محافظات (أربيل والسليمانية، ودهوك) كانوا قد فروا من محافظاتهم الأصلية في موجات، فمنهم من غادر دياره فور سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المحافظة، ومنهم من غادر وسط الحملات العسكرية ضد التنظيم.
في 10 يونيو/حزيران 2020، زار رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي مخيم السلامية للنازحين جنوب الموصل، ووعد ساكنيه بالعودة القريبة إلى ديارهم، التي أصبحت محرَّرة وآمنة تصلح للعيش المطمئن.
يبلغ عدد سكان مخيم السلامية حوالي 16 ألف نسمة، من أصل 334 ألفاً في المخيمات الأخرى، لكن إلى الآن لم تتخذ الحكومة العراقية أية خطوة لإعادة هؤلاء النازحين.
يقول مسؤول حكومي بازر لـ"عربي بوست": "كانت حكومة عادل عبدالمهدي تدرس الأمر بجدية، لكنها توقفت فجأة وبدون توضيح الأسباب، فالمشكلات كبيرة أمام عودة النازحين، هناك من يخاف من قوات الحشد الشعبي، وهناك من يرى أن مدنهم المحررة لا تزال غير قادرة على استقبالهم".
وبالإضافة إلى ذلك، حالت الظروف الاقتصادية السيئة التي يمر بها العراق، وتفشي فيروس كوفيد-1، وانخفاض أسعار النفط، والضائقة المالية الكبيرة، دون استكمال عمليات إعادة البلاد، وهذا سبب مهم في عدم عودة النازحين إلى محافظاتهم المحررة.
يقول أحمد حسين، أحد النشطاء المدنيين في مجال مساعدة النازحين في العراق، لـ"عربي بوست": "أغلب المحافظات المحررة لا يوجد بها الحد الأدنى من الخدمات العامة، فجميع العائلات فقدت منازلها في الحرب، وأصيب بعض أفرادها، وفقدوا مصدر رزقهم، والحكومة إلى الآن لم توفر لهم أي بدائل، لذلك يجدون أن استمرار العيش في المخيم أفضل من العودة إلى ديارهم، على الأقل هناك يجدون القليل من الماء والغذاء".