على الرغم من الإعلان عن وفاة زعيم حزب البعث العراقي المنحل، عزة الدوري، النائب السابق لرئيس العراق صدام حسين، منذ أيام، فإن الحزب عبر جناحه العسكري المسمى "الطريقة النقشبندية"، يحاول الانقلاب على النظام القائم في العراق منذ عام 2003.
ويبدو أن حزب البعث العراقي المنحل يحاول إعادة نفسه إلى السلطة والسيطرة على الحكم بالعراق، في ضوء سلسلة اجتماعات متواصلة لقيادات الحزب بدول أوروبا والشرق الأوسط.
لكن أبرز ما يميز هذا الحزب هم رجال الطريقة النقشبندية، ذلك التنظيم السري المكون من ضباط أمن وجيش واستخبارات سابقين، قاوموا الاحتلال الأمريكي للعراق. ثم منذ عام 2012، تحالفوا مع داعش ضد القوات العراقية حتى الآن. وربما يحاول هؤلاء إحداث عملية زعزعة للأمن بشمال بغداد في ذكرى إعدام صدام حسين، بحسب معلومات استخباراتية.
فما هو هذا التنظيم؟ ومتى نشأ؟ وكم تبلغ قوته؟ وما طبيعة تحالفه مع داعش، ومخططاته للإطاحة بالنظام القائم في العراق حالياً؟
من هم رجال الطريقة النقشبندية؟
تنظيم الطريقة النقشبندية يعود إلى الحركة الصوفية في العراق، ويعد بمثابة الجناح العسكري لحزب البعث العراقي. أسس التنظيم عزة الدوري نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بهدف مقاومة الجيش الأمريكي بعد غزو بغداد عام 2003.
هذا التنظيم ليس لديه قائد محدد، إنما هو عبارة عن مجموعات تؤمن بالطريقة الصوفية.
وأوضح الخبير الأمني واللواء المتقاعد ماجد القيسي لـ"عربي بوست"، والذي تواجَه مع هؤلاء الرجال من قبل خلال خدمته، أن قسماً من هؤلاء الرجال وليس جميعهم، ضباط ورجال أمن ومخابرات.
أما الأغلبية فهم من بيئة المجتمع، وأعدادهم قبل عام 2010 لم تكن بالقليلة، وكانوا يمارسون طقوسهم الدينية في الأماكن التي يوجدون فيها بمحافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين والأنبار أيضاً.
من استهداف الأمريكيين إلى القوات العراقية
وأوضح اللواء المتقاعد لـ"عربي بوست"، أن الطريقة النقشبندية كانت لا تتعرض لقوات الأمن العراقية، وأنها كانت تستهدف الوجود الأمريكي فقط. لكن الأمر تغير منذ عام 2012.
وأضاف، بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2011، لم تستطع الحكومة العراقية في ذلك الوقت استمالة رجال هذا التنظيم إلى صفها، بل ذهبت إلى اعتقالهم ودفعهم إلى رفع السلاح بوجه قوات الأمن العراقية.
وأوضح أنه عندما كان قائداً عسكرياً في ذلك الوقت، كتب توصية إلى القيادات الأمنية بأن رجال الطريقة النقشبندية يجب جذبهم إلى صف قوات الأمن، على اعتبار أنهم كانوا يتعرضون للقوات الأمريكية فقط، وأنهم أوقفوا كل عملياتهم العسكرية بعد انسحاب الأمريكان.
"لكن الحكومة وبعض ضباط الأمن بسبب قلة فهم، تعرضوا للطريقة وقاموا باعتقالهم في أماكن وجودهم التي كانت معروفة للقوات الأمنية في وقتها"، على حد قوله.
ولفت اللواء المتقاعد إلى أنه استجوب بنفسه بعض رجال الطريقة النقشبندية عام 2012، إلا أنهم كانوا بعيدين كل البعد عن تنظيم القاعدة الذي كان له نشاط ملحوظ في تلك الفترة وما قبلها.
وذكر أنهم قالوا في اعترافاتهم بالنص: "نحن نستهدف القوات الأمريكية، إلا أننا لا نستهدف القوات العراقية بالمطلق، ونحن بعيدون عن تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى".
أين يوجدون؟
وأشار اللواء المتقاعد إلى أن أماكن وجود وانتشار الطريقة النقشبندية تتمثل في محافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين.
وأوضح أنهم يوجدون على وجه الخصوص في مناطق الحويجة وكريت وبيجي والعلم وأبو حيدر، والأخيرة هي مسقط رأس نائب رئيس الجمهورية السابق عزت الدوري.
العلاقة مع داعش
وتابع اللواء المتقاعد ماجد القيسي، أن زعيم تنظيم داعش الحالي، أبو ابراهيم القريشي، هو بالأساس من رجال الطريقة النقشبندية، وكان معتقلاً عام 2008، حسب المعلومات الموجودة لدى الجيش الأمريكي.
ونتيجة لما قامت به الحكومة العراقية عام 2012 من اعتقالات، انضم رجال الطريقة النقشبندية إلى داعش عام 2013. وشارك في ثورة العشائر التي أطاحت بالمحافظات العراقية السُّنّية سنة 2014.
يمتلك التنظيم كثيراً من الدبابات والصواريخ والسيارات المصفحة والسيارات الرباعية الدفع والأسلحة المتنوعة التي حصل عليها من الجيش العراقي. وقادة عملياته الميدانية من ضباط الجيش العراقي السابق ويملكون خبرة كبيرة في القتال والمناورة، وهو ما ساهم في طردهم للجيش العراقي، والسيطرة على الموصل وصلاح الدين في يومين عام 2014.
وحالياً، يوجد هؤلاء بكثرة في المناطق التي سيطرت عليها داعش.
تحركات جديدة نحو انقلاب
وكشف مسؤول بالمكتب السياسي لحزب البعث عن تحركات لرجال الطريقة النقشبندية في مناطق شمال وغرب العاصمة بغداد، بالتعاون مع شخصيات سياسية وعسكرية بالحكومة العراقية لتنفيذ محاولة انقلاب في العراق.
وقال المسؤول بالمكتب السياسي، الملقب بـ"أبو حارث"، لـ"عربي بوست"، إن القيادة القُطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي اختارت عكلة الكبيسي، أمين سر القُطر للحزب بالوكالة، خلفاً للراحل عزة الدوري، وإن الكبيسي كان مسؤولاً عن تنظيمات الحزب بمحافظة ميسان جنوب العراق.
وكانت الحكومة العراقية أطلقت سراح الكبيسي في أبريل/نيسان 2012.
وأضاف أن وفاة الدوري واختيار الكبيسي لا يغيران من سياسة ومنهج القيادة القُطرية لحزب البعث، فالقيادة هي من وضعت مخطط الانقلاب العسكري على الحكومة والعملية السياسية بالعراق، بالتعاون مع مسؤولين وضباط بالأجهزة الأمنية ورجال الطريقة النقشبندية، بهدف "إزاحة النظام الأمريكي الإيراني عن العراق، وإعادة السلطة إلى رجالها الحقيقيين"، على حد تعبيره.
تحالف مع داعش
وأقر أبو حارث بوجود تعاون بين رجال الطريقة ومجلس الشورى لتنظيم داعش بقيادة أبو إبراهيم القريشي، لتنفيذ مخطط الانقلاب العسكري من خلال شن هجمات متفرقة لتنظيم داعش في عدة مناطق ومحافظات عراقية قبل السيطرة على المناطق والقرى التي تعتبر مدخلاً للعاصمة بغداد.
ولفت المسؤول في المكتب السياسي لحزب البعث المنحل في العراق، إلى أن "عدد رجال الطريقة النقشبندية بالعراق يتراوح بحدود 8-10 آلاف مقاتل"، إلا أن عددهم الحقيقي يفوق هذا العدد أربعة أضعاف، طبقاً لتقديرات أمنية.
تحركات فعلية للتنظيم
إلى ذلك كشف مسؤول استخباراتي عراقي، عن تحرك مكثف للعناصر المسلحة في المناطق الفارغة المعروفة بمثلث الموت، بين محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك.
وقال المسؤول غير المخول له التصريح لـ"عربي بوست"، إن "تنظيم داعش والمجاميع الإرهابية استغلت أزمة جائحة كورونا وتوقف الطلعات الجوية لطيران التحالف الدولي، لتدريب عناصرها، خصوصاً ما يسمى أشبال الخلافة في مناطق سلسلة جبال مكحول شمال محافظة ديالى.
إلا أن أعدادهم غير معروفة وتتجاوز 5 آلاف مقاتل"، على حد وصفه.
وأضاف أنه حسب المعلومات الاستخباراتية، فإن هذه التدريبات المكثفة لا تقتصر على عناصر تنظيم داعش فقط، إنما لها علاقة برجال الطريقة النقشبندية، وهي بمثابة دعم للمخطط والمشروع لحزب البعث لتنفيذ انقلاب عسكري جديد بالعراق.
وبيَّن المسؤول أنه حسب المعلومات، فإن تنظيم داعش بدأ منذ منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول، تنفيذ هجمات متفرقة لاستهداف شيوخ العشائر للمكونات الشيعية والسنية في محافظتي صلاح الدين وديالى؛ من أجل زعزعة الأمن وافتعال حرب طائفية تمهيداً لفتح المجال لرجال الطريقة لتنفيذ مخططهم بانقلاب عسكري بنهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، في ذكرى إعدام رئيس نظام السابق صدام حسين.
محاولات غير مجدية
من جهتها أكدت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، أن حزب البعث يسعى منذ سقوط نظام صدام حسين للعودة إلى العمل السياسي، والتخطيط لانقلاب عسكري بالعراق.
وقال عضو اللجنة علي الغانمي لـ"عربي بوست"، إنَّ تحالف رجال الطريقة النقشبندية، الجناح العسكري لحزب البعث، وتنظيم داعش، ليس بجديد ويعود تاريخه إلى أعوام سابقة، وإن أمين سر حزب البعث، عزة الدوري، هو من كان ينظم العلاقة بين رجال الطريقة وداعش.
وأضاف أن محاولات حزب البعث العودة إلى العمل السياسي هي طموح لا ينتهي، فعلى الرغم من حظر عمله سياسياً بالعراق، فهو يعمل ويخطط لانقلاب عسكري لإعادة نفسه إلى السلطة، إلا أنها "محاولات بائسة ولن تصل إلى المستوى المطلوب"، على حد وصفه.
وتابع الغانمي أن حزب البعث لا يتوقف عن مخططاته، على الرغم من وفاة عزت الدوري، "أفكارهم لا تنتهي، وقد نشهد خلال الأيام المقبلة تحركاً جديداً للحزب، خصوصاً بعد اختيار بديل للدوري لقيادة الحزب".
وأكد عضو لجنة الأمن بالبرلمان العراقي، أن "حزب البعث يسعى لاختراق المؤسسة العسكرية ومؤسسات الدولة من خلال انتشاره، ومن خلال علاقاته الخارجية والدعم المالي وتوجهاته ورفضه للعملية السياسية بالعراق، إلا أن الجهد الاستخباراتي لم يؤشر على أي حالات اختراق للمؤسسة العسكرية، إلا أن حزب البعث يدَّعي اختراقه للمؤسسة وتعاون المسؤولين والضباط معهم".