نشرت صحيفة The Washington Post، السبت 19 سبتمبر/أيلول 2020، تقريراً عن 3 دول حاربت فيروس كورونا في الأشهر الأولى من الجائحة بإجراءات صارمة نالت إشادة دولية، لكن البلدان الثلاثة فرنسا وإسبانيا إسرائيل تشترك الآن في سمة مؤلمة؛ وهي أنَّ معدلات الإصابة بها تجاوزت تلك الخاصة بالولايات المتحدة، رغم أنَّ الأمريكيين لم يسيطروا على الفيروس مطلقاً.
يقول الخبراء والمسؤولون إنَّ تجربة هذه الدول الثلاث توضح صعوبة إبقاء الفيروس تحت السيطرة، وكيف أنَّ إعادة الفتح بسرعة كبيرة والخطوات غير المحسوبة الأخرى يمكن أن تُقوِّض السياسات الوطنية الناجحة. وستكون التحديات أصعب بالنسبة للبلدان ذات النهج الأكثر فوضوية في التعامل مع الفيروس، مثل الولايات المتحدة.
صيحة تنبيه: هانز كلوغ، كبير مسؤولي منظمة الصحة العالمية في أوروبا قال للصحفيين، الخميس 17 سبتمبر/أيلول: "الوضع يزداد سوءاً"، مشيراً إلى أنَّ الأعداد المتزايدة في القارة يجب أن تكون "صيحة تنبيه لنا جميعاً" لنكون أكثر يقظة بشأن انتقال العدوى.
بحلول أوائل يونيو/حزيران، بعد شهور من الإغلاق، نجحت كل دولة من هؤلاء الثلاث في خفض الحالات الجديدة إلى نحو إصابة واحدة لكل 100.000 شخص يومياً. وعلى الجانب الآخر، كانت الحالات في الولايات المتحدة ترتفع وبلغت 6.4 شخص لكل 100.000 فرد.
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أوضح، في 20 يونيو/حزيران، قبل ساعات من رفع حكومته حالة الطوارئ: "لقد تعرضنا لضربة شديدة.. شديدة للغاية، لكننا قاومنا. ونجحنا في تسطيح المنحنى، واحتواء انتشار الفيروس".
في نفس اليوم الذي كان يستمتع فيه سانشيز بنجاح إسبانيا، تضاعفت حالات الإصابة بالفيروس في الولايات المتحدة بمعدل 11 مرة عن تلك الموجودة في إسبانيا، بعد تعديلها بما يناسب الفرق في عدد السكان. وفي هذه الأثناء، نظم الرئيس ترامب تجمعاً انتخابياً في مكان مغلق بولاية أوكلاهوما، بالرغم من اعتراضات مسؤولي الصحة العامة.
وبعدها بشهر، وصلت حالات الإصابة في الولايات المتحدة إلى ذروتها وحافظت على معدل ارتفاع مستعصي منذ ذلك الحين.
بيد أنَّ الإصابات في فرنسا وإسبانيا كانت على وشك استئناف ارتفاعها، وبدأت بالفعل ترتفع في إسرائيل. كانت لحظة التقاط الأنفاس -عندما خُفِفَت إجراءات الإغلاق من دون التسبب في ارتفاع ملحوظ في الإصابات- على وشك الانتهاء.
أسوأ معدلات الإصابة بإسرائيل: وتشهد إسرائيل حالياً واحدة من أسوأ معدلات الإصابة في العالم بالنظر إلى عدد سكانها: على مدار الأسبوع الماضي، أبلغت عن 47 إصابة جديدة يومية في المتوسط لكل 100 ألف من السكان. بينما سجَّلت إسبانيا وفرنسا معدل إصابات قياسي يومي، بعدما كانت متوسط الأولى 22 إصابة جديدة يومياً لكل 100 ألف شخص، والثانية 13 حالة يومياً.
يظل معدل الوفيات في الولايات المتحدة هو الأسوأ من بين الدول الأربع: إذ يزيد معدل الوفيات في الولايات المتحدة -بعد تعديله وفقاً لعدد السكان- عن 1.5 مرة في إسرائيل، وضعف معدل الوفيات في إسبانيا، و5 أضعاف مثيله في فرنسا.
يرجح بعض الخبراء الإسبان أن مدى صرامة تطبيق حالة الإغلاق داخل الدولة هو ما أدى إلى المسارعة لإعادة الفتح.
يقبع في إسبانيا بالخفاء بين السكان: في هذا السياق، قال رافائيل كانتون، رئيس قسم علم الأحياء الدقيقة في مستشفى جامعة رامون واي كاجال في مدريد: "كان الإغلاق في إسبانيا رائعاً. ربما هي أفضل من طبّقه بين الدول. لكن ربما بسبب هذه الأشهر من الإغلاق الصارم للغاية، تسرعنا للغاية في إنهاء الإغلاق. ولسوء الحظ، كان الفيروس يقبع في الخفاء بين السكان".
يوضح الخبراء أنَّ معظم الحالات الجديدة في إسبانيا خفيفة وتتركز بين الأشخاص الأقل سناً الذي يُفترَض أن يكونوا أكثر مقاومة للفيروس، ومع ذلك ترتفع أعداد المرضى الذين تستدعي حالتهم الإيداع في المستشفيات، وكذلك أعداد الوفيات.
يلقي مسؤولو الصحة العامة باللوم في ارتفاع الإصابات على "مزيج صديق للفيروس". إذ ساهم حلول موسم العطلة في نشر الفيروس في جميع أنحاء البلاد. فقد بدأت العائلات تجتمع، وأحياناً في أعداد أكبر من المسموح، والمراهقون يخرجون في وقت متأخر من الليل متجاهلين أيضاً قواعد التجمعات العامة. إلى جانب ذلك، أُوكِل إلى حكومات الأقليم أو المقاطعات تطبيق سياسات وإستراتيجيات مكافحة انتشار الفيروس، ما أدى إلى تباين حاد فيها. وفشلت فحوصات الكشف عن الفيروس وتعقب المصابين في مواكبة الارتفاع في الحالات.
الآن، من المقرر إعادة تطبيق الإغلاق الصارم على الأجزاء التي تضررت بشدة من مدريد في نهاية هذا الأسبوع.
ارتفاع سريع بإسرائيل: في إسرائيل، بعد زيادة حادة في يونيو/حزيران، استقرت أعداد العدوى عند مستوى مرتفع ثم ارتفعت بسرعة مرة أخرى هذا الشهر.
في هذا الصدد، قال حجاي ليفين، رئيس الجمعية الإسرائيلية لأطباء الصحة العامة وعضو فريق العمل الوطني الذي شُكِّل للتعامل مع الأزمة: "لأسباب سياسية، لم يُطبق القانون (الخاص بمواجهة الفيروس) في بعض الأماكن. وقد رأينا حفلات زفاف جماعية بمشاركة مسؤولين رفيعي المستوى وأحداث أخرى أدت إلى فقدان ثقة الجمهور" في إجراءات المكافحة.
الإجازات نشرته في فرنسا: في باريس والمدن الأخرى أدى الإغلاق الصارم خلال فصل الربيع أيضاً إلى نتائج مثمرة في أوائل الصيف. فبعد ارتفاع الحالات في مارس/آذار وأبريل/نيسان، واكتظاظ غرف الطوارئ وأجنحة العناية المركزة، بدا فيروس كورونا المستجد على وشك الاختفاء تماماً من فرنسا بحلول منتصف مايو/أيار، وحينها أنهت الحكومة فترة الإغلاق.
صحيح أنَّ فرنسا خرجت من حالة الإغلاق على مراحل أكثر تدريجية مقارنة بإسبانيا، لكن حل فصل صيف طويل وحار. وعَنَت الإجازات المدرسية أنه لم يعد يتعين على الأطفال البقاء داخل منازلهم والتعلم الافتراضي عن بعد، إلى جانب أنَّ قيود السفر المُخفَّفة سمحت للعائلات بالسفر داخل فرنسا وعبر أوروبا.
ومن ثم، بدأت العدوى تتزايد ببطء في أواخر يوليو/حزيران. وفي الأسابيع القليلة الماضية، سجَّلت الإصابات في فرنسا أرقاماً أعلى من تلك التي شوهدت في مارس/آذار وأبريل/نيسان، على الرغم من أنَّ الخبراء يقولون إنَّ الفحوصات المحدودة أظهرت إحصائيات أقل من أعداد الإصابات الفعلية في المراحل المبكرة من انتشار الجائحة في العديد من البلدان.
ويحذر الخبراء من أنَّ الموجة الثانية ستكون أكثر سوءاً لأنها تنتشر من الأصغر إلى الأكبر سناً.
أوليفييه شوارتز، عالم الفيروسات في معهد باستور في باريس قال إن الإجراءات الاحترازية الصحية مُطبّقة، لكن الشباب يتأثرون أكثر فأكثر بالعدوى؛ مما يعني أنها ستطال المزيد والمزيد من كبار السن". وأشار إلى أنه في بعض المناطق، لا سيما في مدينة مرسيليا، تكاد تكون وحدات العناية المركزة في مرحلة التشبع.
وأثار هذا الارتفاع في الإصابات قلق الحكومة الفرنسية، على الرغم من أنها امتنعت في الوقت الحالي عن فرض إجراءات إغلاق جديدة مهمة، بل في الواقع، يبدو أنها تحاول تحضير المجتمع للتعايش مع الفيروس في المستقبل المنظور.
إذ فتحت المدارس أبوابها، والحضور إلزامي، والعديد من المطاعم مزدحمة. وتشجع الحكومة الناس على العودة إلى العمل.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس: "الفيروس سيظل موجوداً لعدة أشهر أخرى. علينا أن ننجح في التعايش معه دون السماح لأنفسنا بالانزلاق مرة أخرى إلى حالة الإغلاق".