بعد ثمانية أشهر من تشديد الإجراءات الوقائية التي اتخذتها وزارتا الصحة والداخلية في قطاع غزة لمنع تفشّي وباء كورونا، سجّل القطاع خلال أقل من 48 ساعة 15 حالة لمصابي كورونا من خارج مناطق الحجر الصحي الحدودية.
وفور الإعلان عن هذه الإصابات المفاجئة، أعلنت وزارة الداخلية عن فرض إغلاق شامل في كافة مدن القطاع، إيذاناً ببدء حالة الطوارئ في كافة مرافق وزارة الصحة، وانتشرت قوات الأمن على مفترقات الطرق لتطبيق حظر التجوال، ومنع انتقال الأفراد عبر المدن الرئيسية.
برّرت وزارة الصحة هذه الإجراءات بأنها لحصر عدد الإصابات، وتحديد خريطة انتشار الوباء، لكن التوزيع الجغرافي للإصابات المسجلة في الساعات الأخيرة يُظهر انتشاراً للوباء في أكثر من منطقة جغرافية من وسط القطاع وحتى شماله، ما قد يرفع من احتمالية زيادة عدد الإصابات خلال الساعات القادمة، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الداخلية إياد البزم، بأن الإصابات المكتشفة حتى الآن لها دوائر مخالطة.
منذ بدء جائحة كورونا ودخولها غزة للمرة الأولى، في مارس/آذار، بلغ عدد الإصابات المسجلة فيها 124 إصابة، منها 109 إصابات في مناطق الحجر الصحي، ولا يزال عدد الحالات النشطة 51 إصابة، وتعافى 72 حالة، وسُجلت حالتا وفاة، آخرها لرجل ستيني صباح اليوم.
الوضع الصحي للقطاع مرعب
مسؤول فلسطيني بارز في لجنة الطوارئ العليا بغزة، قال لـ"عربي بوست" إن "ظهور كورونا في غزة يتزامن مع مؤشرات مقلقة لواقعها الصحي، خاصة قلة عدد أجهزة التنفس الصناعي، إذ يضم القطاع 70 جهازاً فقط، ونسبة إشغالها اليومي تصل 80%، أي أن ما هو متوفر فقط 15 جهازاً فقط، يمكن الاعتماد عليها في الأزمة".
وأضاف أن "عدد إجمالي أسرّة المستشفيات في غزة هو 1600، عدد الشاغر منها لا يتجاوز 200، وتعاني وزارة الصحة من نقص حاد في المستلزمات الطبية، لأن نسبة نفاد مخزون الأدوية في وزارة الصحة بلغت 44%، و35% نسبة نفاد المستهلكات الطبية، و65% نسبة نفاد المواد المخبرية، مع أن تكلفة مواجهة كورونا في غزة على مستوى وزارة الصحة تصل إلى 23 مليون دولار".
هذه الظروف ناجمة بشكل أساسي عن استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ أربعة عشر عاماً، واستمرار العقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على القطاع، منذ مارس/آذار 2017.
مصطفى إبراهيم، منسق المناصرة في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بغزة، قال لـ"عربي بوست" إن "قطاع غزة دخل مرحلة الخطر الشديد بعد تسجيل إصابات خارج مناطق الحجر الصحي؛ ما سيُهدد حياة المواطنين، وهذا يستلزم من الأطراف ذات العلاقة ضرورة التدخل العاجل، وتنحية كل الخلافات السياسية لإنقاذ قطاع غزة من الانهيار، من خلال خطوات عاجلة أهمها إنهاء أزمة الكهرباء، حتى تتمكن مرافق وزارة الصحة من العمل بحرية أكبر، والسماح بدخول كافة البضائع والسلع والأدوية وأجهزة الفحص المخبري".
وأضاف "أمام هذه الأزمة فالمطلوب من الجهات النقابية والحكومية والخاصة أن تراعي ظروف المواطنين، في ظل هذا الظرف الحساس من خلال الالتزام بتأمين رواتب الموظفين، دون اقتطاعات، وتوفير احتياجات القطاع من الخضراوات والأغذية لمنع تطور الكارثة، بحيث لا نصبح في أزمة أكبر، وهي انعدام الغذاء من الأسواق".
تدرك حكومة حماس في غزة أن وصول الوباء للقطاع يعني زيادة الأعباء المفروضة عليها، في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها، لذلك سارعت لتشكيل لجنة طوارئ عليا منذ بداية الأزمة، مكونة من وزارات الصحة والداخلية والشؤون الاجتماعية، ولجنة المتابعة الحكومية للتعامل مع أزمة كورونا كحالة طوارئ يمر بها القطاع.
لجنة الطوارئ تحاول تدارُك الأزمة
من أبرز القرارات التي اتّخذتها لجنة الطوارئ العليا في غزة إغلاق معبر رفح، جنوب قطاع غزة على الحدود المصرية لعدة أشهر، كإجراء احترازي لمنع وصول أي حالات مصابة بالفيروس قادمة من الخارج، كما شيّدت الحكومة سلسلة من مراكز الحجر الصحي من شمال القطاع وحتى جنوبه.
كما تم تخصيص جزء من المقارّ الحكومية والأهلية والفندقية كمراكز لإيواء المصابين القادمين من الخارج، ونجحت هذه الإجراءات في إبقاء قطاع غزة آمناً لمدة 8 أشهر من خلال حصر الفيروس داخل مراكز الحجر الصحي ومنع انتقاله للخارج.
بلغ عدد الأشخاص في مراكز الحجر الصحي 2275 شخصاً، كانوا قد دخلوا القطاع أثناء فتح معبر رفح بشكل استثنائي مطلع الشهر الجاري، وتؤمّن الحكومة للعائدين كل ما يلزم من رعاية طبية وغذائية أثناء فترة الحجر المخصصة لهم لمدة 21 يوماً.
لكن ظهور حالات نشطة من خارج مناطق الحجر الصحي سيُدخل قطاع غزة في حالة إرباك شديد، فالإمكانات الطبية المتوفرة في غزة سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة لا تسمح بالتعامل مع أزمة كورونا بشكل مثالي، خصوصاً إذا ما زاد عدد الإصابات بشكل كبير خلال الفترة القادمة.
إيهاب دبابش، نقيب الصيادلة في غزة، قال لـ"عربي بوست" إن مخزون الأدوية في صيدليات قطاع غزة لا يكاد يكفي للتعامل مع أزمة مثل كورونا، فمثلاً الأدوية التي أشادت بها منظمة الصحة العالمية لتقوية جهاز المناعة الذي يتم منحه للمصابين في بداية المرض لمنع تطوره بالكاد تكفي لعشرات المصابين، ومن أهمها "الأميولانت، برونكوفاكسيم، أميوغارد"، ولم نستطع تلبية كميات إضافية بسبب رفض الكثير من شركات الأدوية تصدير منتجاتها للخارج، والاكتفاء بها محلياً.
ما يزيد من خطورة ظهور كورونا في غزة أنها تعاني من سلسلة أزمات يعيشها الفلسطينيون بسبب ظروف الحصار في غزة، فواقع النظافة المنزلية والشخصية هشّ لدرجة كبيرة.
وبحسب آخر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، فإن 30% من بيوت غزة غير موصولة بالصرف الصحي، 11% تفتقد للمراحيض، 75% تفتقد لوسائل آمنة للتخلص من النفايات، 9% لا تمتلك مجلى لغسل اليدين، 17% دون غرفة استحمام، 11% دون مجلى في المطبخ، ويضاف لذلك قلة ساعات وصول الكهرباء التي لا تتجاوز 4 ساعات يومية.
كل هذه المعطيات تطلق تحذيرات من كارثة حقيقية تهدد قطاع غزة، بعد تسجيل إصابات بوباء كورونا من خارج مناطق الحجر الصحي، في ظل استمرار إسرائيل في قطع إمدادات الوقود عن محطة الكهرباء، ما سيؤثر على استمرارية عمل المشافي والمرافق الصحية في هذه الأزمة الإنسانية.