من الرياض إلى كينيا وباكستان.. كيف أثرت قيود الحج على آلاف العاملين الموسميين وعطلت قطاعات اقتصادية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/29 الساعة 17:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/29 الساعة 22:09 بتوقيت غرينتش
من مناسك الحج الاستثنائي في مكة العام الماضي - رويترز

أدت قيود السعودية المفروضة على موسم الحج، من أجل الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، إلى تضرر آلاف من العمال الموسميين، الذين يجعلون من هذه المناسبة الدينية، التي يتجمع فيها عادةً ملايين من الحجاج من كل بقاع العالم، فرصتهم من أجل تحقيق دخل محترم يُعينهم على متاعب الحياة، وقد يكفيهم موسماً كاملاً، كما يؤكد ذلك سجاد مالك، الذي يدير مكتباً لسيارات الأجرة.

وفق تقرير لشبكة BBC البريطانية، الأربعاء 29 يوليو/تموز 2020، فإن معالم الحزن والاكتئاب بادية بشكل واضح على ملامح مالك، فمكتب حجز سيارات الأجرة الذي يديره بالقرب من المسجد الحرام في مكة المكرمة، أصبح خالياً بلا زبائن. وفي حسرة يقول مالك: "لا يوجد عمل ولا راتب ولا شيء".

ما يكفي للعام كله: يشير مالك إلى أنه "عادة خلال هذين الشهرين أو الأشهر الثلاثة قبل الحج، أكسب أنا والسائقون ما يكفينا للإنفاق طيلة العام. ولكن الآن لا شيء".

يرسل أحد السائقين العاملين معه، سمير رحمن، الذي يعمل أيضاً بالقطاع الخاص في السعودية، تحديثات الحالة إلى المكتب من الطرق حول برج ساعة مكة الشهير. لا وجود لأفواج الحجاج، الذين عادةً ما يصطفون في الشوارع، مرتدين ملابسهم البيضاء، مع مظلات للحماية من الشمس.

اليوم، أصبحت ناقلات الركاب التي يعمل عليها السائقون خالية من الركاب، والمدينة تبدو كما لو أنها مدينة أشباح.

يقول سجاد: "لم يعُد لدى السائقين العاملين لديَّ أي طعام في بيوتهم، وهم الآن ينامون أربعة أو خمسة لكل غرفة، في غرف مصممة لفردين".

بسؤاله عما إذا كان يتلقى أي مساعدة حكومية، قال: "لا، لا مساعدة، ولا شيء. لديَّ مدخرات، ونحن ننفق منها، ومع ذلك، فإن لديَّ عدداً كبيراً من الموظفين، أكثر من 50 شخصاً، وهم يعانون أيما معاناة من جراء الأوضاع الحالية".

يأتي ذلك في ظل القيود الصارمة المفروضة على الحج هذا العام. فقد شهدت السعودية أحد أكبر مستويات تفشي كورونا في الشرق الأوسط، وقالت السلطات إن مليوني حاج يأتون عادة من جميع أنحاء العالم إلى مكة المكرمة، لن يُسمح لهم بذلك هذا العام؛ في محاولة للحد من انتشار فيروس كورونا.

فقط أولئك الذين يعيشون بالفعل في البلاد سيُسمح لهم بأداء فريضة الحج، لينخفض العدد الإجمالي إلى نحو 1000 شخص".

حتى في كينيا: بعيداً عن السعودية نفسها، يتطلب الوفاء باحتياجات الأعداد الهائلة من الحجاج المتدفقين، عادةً إلى أوامر استيراد مربحة للماشية، من البلدان المجاورة، مثل كينيا، التي يمتلك عديد من مزارعيها الآن قطعاناً من الماشية غير المبيعة.

يقول باتريك كيماني، من جمعية منتجي الثروة الحيوانية في كينيا: "قطاع الثروة الحيوانية الفرعي في كينيا ضخمٌ. إنه الدعامة الأساسية لمعظم الأسر في البلاد، وطريقة حياة لمعظم المزارعين، خاصة خلال فترة الحج".

في المتوسط، يصدّر أعضاء الجمعية نحو 5 آلاف رأس من الماشية إلى السعودية خلال فترة الحج، غير أنهم الآن، بحسب كيماني، بدأوا في "التحول إلى التخزين البارد للحوم والبيع في الأسواق المحلية".

ويضيف كيماني: "نحن قلقون من أن هذا التحول يمكن أن يُفسد أسعار الماشية المحلية، لأن كل الفائض الحالي يمكن إغراق السوق به بسعر مخفّض للمشترين المحليين بغرض البيع السريع".

ضربة للسياحة: من جهة أخرى، تعاني عديد من الشركات السياحية بالفعل مع صدمة التوقف المفاجئ لأحد أكبر وأقدم مصادر الدخل في البلاد.

العام الماضي، كانت باكستان البلد الذي أرسل أكبر عدد من الحجاج الأجانب إلى السعودية. أما اليوم، فيقول شاهزاد تاج إن شركته التي يقع مقرها في كراتشي، وتعمل على تقديم رحلات الحج والعمرة بأسعار رخيصة، تعاني من جراء تلك الأزمة، وهي على وشك الانهيار.

يقول تاج: "لم يكن هناك عمل في الأساس. إذ حتى الأنشطة الأخرى المتعلقة بالسفر، مثل الرحلات الجوية والخدمات اللوجيستية والتسليم، كانت متوقفة. ومن ثم لم يكن هناك شيء لعمله. لم نكن، بصراحة، مستعدين على أي نحو لشيء كهذا.

كان علينا تقليص عدد موظفينا إلى الحد الأدنى. أُجبرنا مرور الوقت الآن على بيع أصولنا وسياراتنا وبعض ممتلكاتنا؛ لتجاوز هذه المرحلة على الأقل. أنا أساعد بعض أفراد فريقي بأموال الطوارئ، ولكن هذا كل ما يمكنني تقديمه الآن".

وتدفع القيود المفروضة هذا العام باتجاه عجز مالي كبير ستواجهه الأعمال التجارية في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي مدنٌ عادةً ما تتلقى أعمالاً بقيمة مليارات الدولارات من الحجاج المسافرين إليها.

خسائر ثقيلة للسعودية: يقول مازن السديري، رئيس إدارة الأبحاث في شركة الراجحي للخدمات المالية بالرياض: "على الرغم من أن الحكومة السعودية ستوفر هذا العام معظم التكاليف التي كانت تتحملها لاستضافة الحج، فإن مكة والمدينة ستخسران نحو 9-12 مليار دولار".

ومع ذلك، يقول السديري إن الحكومة تدخلت للمساعدة، "ربما كانت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعاني، لكن البنك المركزي السعودي يحاول دعم هذا القطاع، لإعطائهم فسحة من الوقت، من خلال تأجيل مواعيد تسديد القروض لشهرين أو ثلاثة أشهر أخرى".

من الجدير بالذكر أن أكثر من 80% من الدخل القومي للسعودية يأتي من النفط، لكن الأسعار تراجعت، فاضطرت البلاد إلى البحث عن سبل لتنويع اقتصادها، غير أن الأمور لم تسر على ما يرام، وفقاً لألكسندر برجيسي من مجموعة المخاطر السيادية التابعة لوكالة "موديز".

يقول بيرجيسي: "على الرغم من أن الحكومة أعلنت في مارس/آذار 2020، أنها ستؤجل تحصيل الرسوم الحكومية المختلفة، علاوة على الضريبة المضافة، لمدة ثلاثة أشهر، فإن هذا لن يتفادى الركود الواقع في القطاع غير النفطي من الاقتصاد، إذ المتوقع أن ينكمش بنسبة 4%".

في مكة، وعلى الرغم من شاشة الحجز الفارغة أمامه، لا يرغب سجاد مالك في العودة إلى وطنه باكستان.

a

إذ لطالما كانت السعودية بمثابة ساحة أخرى تُطرح فرصة اقتصادية لمن هم في البلدان المجاورة الذين يكافحون لتأمين سبل العيش.

يقول سجاد: "لقد مكّنني العمل في السعودية لأكثر من ثماني سنوات، من إعالة أطفالي وعائلتي في الوطن. نحصل على إعانات طبية مجانية، وفي مواسم الحج، نحقق أرباحاً كبيرة".

"مجتمع العاملين يعاني الآن. لكن هذا البلد لا يزال رقم واحد بالنسبة إليّ، والحمد لله".

تحميل المزيد