خرجت احتجاجات في مدن لبنانية، السبت 11 يوليو/تموز 2020، تنديداً بالأزمة المعيشية التي تواجهها البلاد في وقت قالت فيه الأمم إن الوضع في لبنان، الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخه، "يخرج بسرعة عن السيطرة"، وإن بعض اللبنانيين الأكثر ضعفاً "يواجهون خطر الموت بسبب هذه الأزمة".
مسيرة ضمت مئات المحتجين انطلقت وسط العاصمة بيروت، رافعة لافتات تندد بالأحوال المعيشية، وتطالب بحكومة انتقالية، وسط تواجد أمني.
كما نفذ المحتجون وقفة أمام جمعية المصارف (لها ولاية على البنوك) وسط العاصمة، تستنكر السياسات المالية المتّبعة من جانبها. واتخذت المصارف اللبنانية منذ أشهر عديدة، إجراءات مشددة على عمليات سحب الأموال، معللة هذه الخطوة بالأزمة المالية وشح السيولة الأجنبية التي تعانيها البلاد منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
الليرة اللبنانية مربوطة رسمياً عند 1500 للدولار، لكن يجري تداولها حالياً في السوق السوداء عند حوالي 8 آلاف ليرة لكل دولار، بعد انخفاضات حادة في الأيام القليلة الماضية.
أيضاً انطلقت مسيرة لعشرات المحتجين من ساحة التل، وسط عاصمة الشمال طرابلس، تحت شعار "لن تسرقوا أحلامنا"، مع تواجد أمني.
وفق مراسلة الأناضول، أطلق المحتجون هتافات تطالب بـ"حق المواطن بالعمل" و"استرداد الأموال المنهوبة" و"محاسبة الفاسدين"، إضافة إلى "وضع حد لتفلت سعر صرف الدولار".
أما في محافظة بعلبك (وسط)، فنظم مئات الأشخاص مسيرة، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
ويشهد لبنان، منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية، أجبرت حكومة سعد الحريري على الاستقالة في 29 من الشهر نفسه، وحلت محلها حكومة حسان دياب في 11 فبراير/شباط 2020.
يطالب المحتجون برحيل الطبقة السياسية، التي يحملونها مسؤولية "الفساد المستشري" في مؤسسات الدولة، والذي يرونه السبب الأساسي للانهيار المالي والاقتصادي في البلاد.
الوضع يخرج بسرعة عن السيطرة: كانت مُفوِّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه أطلقت الجمعة 10 يوليو/تموز 2020، تحذيراً قالت فيه إن الوضع في لبنان، الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخه، "يخرج بسرعة عن السيطرة".
وأضافت باشليه في بيان لها: "علينا التحرك فوراً قبل فوات الأوان، وعلى الحكومة والأحزاب السياسية اللبنانية الشروع في إصلاحات عاجلة والاستجابة لاحتياجات الشعب الأساسية على غرار الغذاء والكهرباء والصحة والتعليم".
سندات لبنان الدولية تميل نحو الجانب السلبي: كان تقرير بحثي أصدرته "تليمر"، قال إن سندات لبنان الدولية التي يجري بالفعل تداولها عند بعض أدنى مستويات السندات السيادية في العالم، قد تتكبد مزيداً من النزول إذا استمر الوضع دون دعم من صندوق النقد الدولي وتنفيذ إصلاحات.
علَّق لبنان، وهو في خضم أزمة مالية حادة، محادثات مع صندوق النقد الدولي؛ بعد خلاف في الجانب اللبناني بشأن حجم الخسائر بالنظام المالي وتعليق البدء في إصلاحات ترمي إلى علاج الأسباب الجذرية للاضطراب.
باتريك كوران، وهو اقتصادي كبير بشركة أبحاث الاستثمار وأحد مُعدِّي التقرير، قال إن مخاطر سندات لبنان الدولية تميل نحو الجانب السلبي.
أضاف كوران في تصريحات أُرسلت بالبريد الإلكتروني: "كلما طال أمد هذا الجمود، ازدادت صعوبة تطبيق الإصلاحات المطلوبة والحصول على دعم صندوق النقد الدولي… إذا لم يستطيعوا فعل ذلك، فهناك بالتأكيد خطر حدوث مزيد من التراجع للسندات الدولية. حتى في حال موافقتهم على إعادة هيكلة وبرنامج من صندوق النقد الدولي، فسيحتاجون أن يظلوا ملتزمين بإصلاحاتٍ فترة طويلة؛ من أجل وضع الديون على مسار مستدام".
تليمر قالت إنه في ظل أسوأ التصورات، والذي ينطوي على شروع الحكومة في إعادة هيكلة دَينها ومد آجال الاستحقاق لخمس سنوات لكن دون المضي قدماً في الإصلاحات، يمكن أن تنخفض السندات المستحقة في 2025، والتي يجري حالياً تداولها عند 16.8 سنت، إلى 7.8 سنت.
وقالت إنه في ذلك الوضع، سيواجه حمَلة السندات الدولية خفض قيمة بنسبة 75%، في حين سيواجه حائزو السندات المحلية خفض قيمةٍ نسبته 40% مع عائد عند التخارج بنسبة 15%. والعائد عند التخارج هو توقع السوق لقيمة سندات سيادية بعد إعادة هيكلة.
في ظل أفضل التصورات، وهو عندما تلتزم الحكومة بتعديل المنظومة السياسية وتنفيذ الإصلاحات، فقد تقفز السندات إلى نحو 26 سنتاً.
في ظل تلك الظروف، سيتكبد حمَلة السندات الدولية خفض قيمة بنسبة 60% مقارنة مع 30% بالنسبة لحائزي السندات المحلية. وسيكون العائد عند التخارج 13%.
ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، وقد فاقمتها جائحة كوفيد-19 وأجواء سياسية بالغة الحساسية، زادت من تعقيداتها التوترات القائمة بين الولايات المتحدة وحزب الله، حليف إيران المهيمن على الحياة السياسية اللبنانية.
في الأشهر الأخيرة فقد عشرات آلاف اللبنانيين عملهم أو جرى اقتطاع نسب من أجورهم، في حين تشهد قيمة العملة الوطنية تدهوراً حاداً مصحوباً بتراجع القدرة الشرائية.
وفُرضت قيود صارمة على الودائع المصرفية تحدّ بشكل كبير من عمليات السحب والتحويلات إلى الخارج، بسبب النقص الحاد في الدولار.