أعلنت وزارة التربية الوطنية بالمغرب، أن ولي العهد الأمير الحسن حصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) بدرجة جيد جداً، في قسم العلوم الاقتصادية والاجتماعية.
ولعل إعلان نجاح ولي عهد المغرب في وقت لا يزال فيه بقية التلاميذ بالبلاد يجتازون امتحانات الثانوية العامة مؤشر على الطريقة المختلفة التي يتلقى تعليمه بها، فكيف يدرس الملوك/ الحسن الثاني، ومحمد السادس، وولي العهد، ومن هم أساتذتهم؟ وكيف يتم اختيار زملائهم؟
يشرف الملك شخصياً وبشكل مباشر على البرنامج الدراسي، الذي لا تتدخل فيه وزارة التربية الوطنية من قريب أو بعيد، فهو برنامج تضعه لجنة خبراء تربويين، يكون قادراً على تربية وتعليم ملك قادر على ممارسة الحكم مستقبلاً، ويتمتع بالقدرات والمؤهلات المطلوبة.
أمراء الأسرة الملكية بالمغرب، خاصة من يتم إعداده ليكون ملكاً مستقبلياً، يُخصَّص له مدرسون بمواصفات خاصة، وداخل مدرسة مميزة، تسمى بـ"المدرسة المولوية"، يقع مقرُّها داخل القصر الملكي بالعاصمة الرباط، يتابع فيها وريث العرش دروسه إلى جانب قلة قليلة من التلاميذ، يتم اختيارهم بحرص ودقة شديدة.
"المدرسة المولوية".. مدرسة الملوك ورجال المملكة الأقوياء
في العام 1942 قرّر العاهل الراحل محمد الخامس تأسيس المدرسة المولوية، لتكون مدرسة للأمراء والملوك، إلى جانب زملائهم ممن يتم إعدادهم ليصيروا نافذين داخل الدولة.
ما إن وصل الأمير الحسن آنذاك، والذي صار لاحقاً الملك الحسن الثاني، سِن المدرسة، حتى قرَّر والده تدشين مدرسة تكون خاصة بالأمراء والأميرات من العائلة المالكة.
كانت المدرسة تحتَكِم لقواعد شبه عسكرية، بصرامة وانضباط في التعامل دون السماح أو التساهل مع أي تجاوزات، حتى إنها كانت تخضع لنظام داخلي لا يسمح حتى للأساتذة الذين لم يتجاوز عددهم الـ20 آنذاك، بمغادرتها وقتما يشاءون.
في عهد الملك محمد السادس، بلغت أعداد طاقم المدرسة 300، يعملون جميعاً لتربية وتعليم ولي العهد مولاي الحسن وزملائه، وفق برامج مضبوطة بعناية.
يبدأ اليوم الدراسي لوريث محمد السادس من السادسة صباحاً بحفظ القرآن الكريم، قبل تناول وجبة الفطور، لتنطلق الحصة الرياضية، ثم الدروس من الساعة الثامنة صباحاً إلى السادسة مساء، فضلاً عن حصة مراجعة ليلية تستمر إلى الحادية عشرة ليلاً.
لم تكن مهمة المدرسة المولوية منحصرة في إعداد الأمراء ليصبحوا ملوك المغرب فقط، بل تعدَّتها إلى تعليم نخبة من المؤثرين وصانعي القرار الأقوياء بالمملكة.
جدران المدرسة الأشهر بالبلاد احتضنت إلى جانب الملوك عدداً من الشخصيات البارزة، إذ عمل الملك محمد السادس على تعيين زملائه في الدراسة في مناصب نافذة داخل أجهزة الدولة، على رأسهم فؤاد عالي الهمة، صديق الملك ومستشاره، وحسن أوريد، الناطق باسم القصر سابقاً ووالي منطقة مكناس، ومنير الماجيدي، السكرتير الشخصي للملك، ومحمد رشدي الشرايبي، مدير ديوان الملك سابقاً وغيرهم.
وريث العرش
التحق ولي العهد بالمدرسة حين كان في الخامسة من عمره، وجرت العادة أن يختار الملك أطفالاً من أبناء الشعب للدراسة مع الأمراء، بحيث تجرى لهم اختبارت خاصة، وأن يكونوا مميزين ومتفوقين دراسياً ومعروفين بالنباهة الفكرية، وإلى جانب القرآن الكريم والتربية الإسلامية درس ولي العهد الأمير الحسن بن محمد العديد من البرامج الدراسية كالفلسفة، وتحليل النصوص، والتاريخ، والجغرافيا، والنحو، وتاريخ الآداب، والترجمة، واللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، والعلوم والرياضيات.
صناعة ملك
وعلى الرغم من أن ولي العهد وزملاءه يتشاركون الأساتذة والفصل والمواد الدراسية نفسها، فإن التربية التي يتلقاها الملك المستقبلي للبلاد ليست كتربية بقية الأمراء أو الزملاء، اعتباراً للمهام التي سيقوم بها في خلافة والده في حكم البلاد ورعاية الأسرة الملكية.
ويخضع ولي العهد لتكوين معرفي ونفسي دقيق ومدروس، يضعه تحت الضغط، كما يُدرّب على القيادة واتخاذ القرارات وتحمُّل المسؤولية المنوطة به حاضراً ومستقبلاً.
دراسة القانون.. قدر ملوك المغرب
يبلغ الملك المستقبلي للمملكة من العمر حالياً 17 سنة، فهو من مواليد الـ8 من مايو/أيار 2003، وها هو يُتم مساره التعليمي الثانوي، ومن المتوقع أن يلتحق بكلية العلوم القانونية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط خلال الموسم الجامعي المقبل، ليسير بذلك على خُطى والده الملك محمد السادس، الذي تخرج في الكلية نفسها وحصل على شهادة الدكتوراه في القانون عام 1993.
الملك الراحل الحسن الثاني بدوره كان قد درس القانون، وأتمَّ تعليمه الجامعي بمدينة بوردو الفرنسية، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون سنة 1951.
تخصص ملوك المغرب الحديث بالقانون، الأمر الذي يفسره الدكتور محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني المحمدية، أن طبيعة أعباء "مهنة الملك" تتطلب أن يكون صاحبها مُلمَّاً بالمجال القانوني من أجل معرفة اختصاصاته الدستورية، وتدبير الشأن العام على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن الجانب السياسي في شِقَّيه الداخلي والخارجي.
مهنة الملك.. أعباء ثقيلة يُعين عليها القانون
زين الدين اعتبر أن اختيار تخصص القانون ينسجم مع المهام المستقبلية لولي العهد، حتى يكون عارفاً بقانون بلاده، مشيراً إلى أن ملوك المغرب الحديث كالحسن الثاني ومحمد السادس والآن ولي العهد، درسوا القانون من أجل الإحاطة بالجوانب النظرية والتطبيقية لممارسة مهنة الملك بكل كفاءة وسلاسة.
سيكون منهج القانون لولي العهد مُختلفاً، على اعتبار أن الظروف التي حكم فيها الراحل الحسن الثاني ليست هي نفسها التي وُلي فيها الملك محمد السادس، كما ستختلف بالنسبة للملك المستقبلي الذي سيكون عليه الانفتاح على مجالات اجتماعية واقتصادية أخرى، من أجل الإلمام بمهنته ومسؤولياته المستقبلية وفق ما تفرضه الظرفية الحالية.
ولا شك أن الأمير المغربي الذي يدرس لتحمل المسؤولية، سيفرض أسلوبه الشخصي مستقبلاً، وإن كان عدد من المغاربة يشبّهونه بجده الراحل الملك الحسن الثاني في نظراته وحركاته وشخصيته، فإن والده الملك محمد السادس قال عنه، "لا أرغب في أن تكون شخصيته مطابقة لشخصيتي، ولكن أن تكون له شخصيته الخاصة".