بات السكان المقيمون في المجمع السكني الذي يخضع لحظر كاملٍ جنوب العاصمة الصينية بكين، ممنوعين بشكل تام من مغادرة منازلهم، كما يحرس رجال الأمن بزيهم الرسمي إلى جانب وجود عاملين بالقطاع الطبي، وذلك على الرغم من كون الحياة تبدو طبيعية خارج المجمع، فالمتاجر مفتوحة، ويغدو السكان ويروحون غير منزعجين من تفشٍّ جديد لفيروس كورونا، فبينما تحاول الصين تحجيم التفشي الجديد للفيروس في العاصمة، تطبّق شيئاً غير مألوف على حكّام البلاد: ضبط النفس.
وفق تقرير لصحيفة The New York Times، الجمعة 19 يونيو/حزيران 2020، فإن تجار الأغذية يتحملون العبء الأكبر من الإجراءات والتدابير الحكومية مع إغلاق الأسواق بعد اكتشاف الحالات الجديدة، بالإضافة إلى فرض حظر كامل على أكثر من 40 مجمعاً سكنياً. لكن في العديد من أحياء بكين الأخرى، تستمر المتاجر والمطاعم، وحتى صالونات الحلاقة، في العمل، فحركة المرور أخف قليلاً من المعتاد، ولكن لا يزال هناك الكثير من السيارات على الطرق. ولا تزال أرصفة المدينة مزدحمة.
أسلوب جديد: يحاول قادة بكين تحجيم التفشي الجديد للفيروس والقضاء عليه، بعدما وصلت الإصابات الآن إلى 183 حالة مؤكدة بعد الإعلان عن 25 حالة جديدة صباح الجمعة 19 يونيو/حزيران. ولكنهم لم يسحقوا المدينة بالكامل، واقتصادها الذي بدأ يتعافى مجدداً، بقيود شديدة.
يتناقض هذا النهج مع الجهود الصينية السابقة لاحتواء الفيروس في مقاطعة هوبي وسط البلاد وعاصمتها ووهان، حيث أول ظهور معروف للوباء في أواخر العام الماضي، وعلى مدى أكثر من شهرين، خضعت المدينة التي يقطنها أكثر من 11 مليون شخص لحظر محكم ومشدد تطلّب دعم عشرات الآلاف من الأطباء، ومسؤولي الحزب وأفراد أمن. وساعد الحظر في السيطرة على تفشي الوباء، ولكنه أدّى إلى تعثر الاقتصاد.
إذا نجحت المساعي الحالية، فقد يصبح النهج الجديد المُتبّع في بكين أساساً لطريقة تعامل الصين مع أي تفشٍّ للفيروس في المستقبل، وهو ما يقول العديد من الخبراء إنه "شبه مؤكد".
يقول يانتشونغ هوانغ، الزميل البارز بمجلس العلاقات الخارجية الذي يتابع عن كثبٍ استجابة الصين لجائحة فيروس كورونا: "لا يمكنك توقع قبول الناس للألم فترة طويلة، عندها ستواجه مشكلات البطالة والضغوط العاطفية التي قد تؤثر بشكل هائل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي".
التعبئة الشاملة: ولم يتحدث الرئيس الصيني، شي جين بينغ، علناً عن تفشي الفيروس في بكين حتى الآن. ولكنه دعا مراراً وتكراراً، هذا الربيع، إلى ما أطلق عليه "حرب الشعب"، أو التعبئة الشاملة، من أجل القضاء على فيروس كورونا.
لا تزال هناك في بكين بعض التدابير المشابهة للجهود الصينية في ووهان، مثل إلغاء المدارس بجميع أنحاء المدينة، الأمر الذي أحبط طلاب السنة النهائية في المدارس الثانية الذين كانوا يستعدون لاختبارات الالتحاق بالجامعات الشهر المقبل. وأُلغيت نصف الرحلات الجوية تقريباً التي تُقلع من العاصمة، وجميع الحافلات المسافرة إلى مقاطعات ومحافظات أخرى. وقل عدد الأشخاص الذين يستقلون حافلات المدينة ومترو الأنفاق.
فيما يقول مسؤولو العاصمة، إن نهجهم الحذر يؤتي ثماره، وإن عدد الحالات الجديدة ينخفض كل يوم. وبدا المسؤولون في بكين واثقين بأنهم اكتشفوا تفشي الوباء قبل أن يخرج عن السيطرة بطريقة لا يمكن تتبعها.
وو زونيو، كبير علماء الأوبئة بالمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، قال الخميس 18 يونيو/حزيران، إن المدينة احتوت تفشي المرض. لكنه قال إن الحكومة لا تزال تحقق بشأن أسواق اللحوم والمأكولات البحرية المغلقة؛ من أجل تتبع مسار الفيروس وحث المسؤولين والعامّة على توخي الحذر.
إجراءات مشددة: ترتكز استراتيجية الاحتواء التي تتبعها الحكومة حالياً على التوسع في إجراء الاختبارات وتتبع المخالطين. أنشأت الحكومة مراكز اختبار في المستشفيات ومداخل الحدائق والملاعب والمراكز الاجتماعية، وأجرت اختبارات لأكثر من 1.1 مليون شخص في أقل من أسبوع.
أيضاً، ألزمت الحكومة العاملين في المتاجر والمطاعم ومقدمي الخدمات الصحية بالخضوع للاختبارات، فضلاً عن جميع جيران الـ183 حالة الذين تأكدت إصابتهم حتى الآن. ويستقبل أي شخص يدخل حدود سوق زينفادي المغلق رسالة نصية آلية على هاتفه تحثّه على الخضوع للاختبار فوراً.
في مكافحة الأوبئة، غالباً ما يتقبل الشعب الصيني الضوابط والقيود التي تفرضها الحكومة والتي قد تلقى معارضة ومقاومة في العديد من الدول الغربية. ومع ذلك، تشعر الحكومة الصينية بالضغط من استخدام سلطتها الاستبدادية بشكل مفرط، في محاولة احتواء التفشي المتكرر للوباء؛ خوفاً من استنفاد تعاون العامّة وعرقلة النمو الاقتصادي.
قد يفسر النهج الجديد الذي تتبعه الحكومة في بكين سبب قول السكان في حي أنهوالي شمال بكين، على الجانب الآخر من المدينة بعيداً عن أسواق زينفادي، إنهم لا يشعرون بأن هناك تفشياً للفيروس في المدينة من الأساس.