يهدد اقتصاد دبي بـ”دوامة موت”.. بلومبيرغ: آلاف المغتربين يغادرون الإمارة بسبب تكاليف العيش

دفعت أزمة فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط الآلاف من العمال الأجانب المقيمين في دبي إلى مغادرة الإمارة أو الاستعداد لذلك، خاصة مع فقدانها لنحو 900 ألف وظيفة.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/06/10 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/10 الساعة 17:05 بتوقيت غرينتش
مطار دبي الدولي/ رويترز

دفعت أزمة فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط الآلاف من العمال الأجانب المقيمين في دبي إلى مغادرة الإمارة أو الاستعداد لذلك، خاصة مع فقدانها لنحو 900 ألف وظيفة خلال الأشهر الأخيرة، وارتفاع تكاليف العيش التي لم تعُد الطبقة الوسطى قادرة على تحمُّلها.

حسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، الأربعاء 10 يونيو/حزيران 2020، فإن خروجاً جماعياً لسكان الطبقة الوسطى يمكن أن ينشأ عنه دوامة موت للاقتصاد. إذ ستعاني القطاعات التي تعتمد على هؤلاء المهنيين وعائلاتهم مثل المطاعم وسلع الرفاهية والعيادات أثناء مغادرة الناس.

آلاف المقيمين يستعدون للمغادرة: لقد استغرق الأمر أقل من شهر لكي تنهي سارة سيسون إقامةً امتدت لخمسة وعشرين عاماً في دبي. عادت السيدة البالغة من العمر 39 عاماً إلى أستراليا مع زوجها وابنتها. كانت الرحلة الأولى لها إلى المركز التجاري الخليجي في سنوات المراهقة، عندما كان والدها طياراً يعمل لشركة "طيران الإمارات"، غير أنها لم تغادر قط حقاً بعد ذلك.

تقول سيسون، التي كانت تمتلك مقهى صغيراً وتعمل مستشارة موارد بشرية مستقلة: "دبي هي الوطن بالنسبة إليَّ. لكن تكاليف المعيشة هنا باهظة وليس ثمة ضمانات للمقيمين. إذا أخذت القدر ذاته من الأموال إلى أستراليا ونفد منك كل شيء، فسيكون لديك على الأقل تأمين صحي وتعليم مجاني".

إنه خيار بات يواجه ملايين الأجانب في جميع أنحاء الخليج، لأن تداعيات وباء كورونا والانخفاض في أسعار الطاقة تفرض تعديلات اقتصادية. إذ لطالما اعتمدت الملكيات الغنية في الخليج العربي، على مدى عقود، على العمال الأجانب لتحويل قُراها النائمة إلى مدن عالمية. وهكذا نشأ كثير منهم أو أنشأوا عائلات لهم هنا، لكن مع عدم وجود طريق رسمي للحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة، وغياب أي ضمانات لتجاوز الأوقات الصعبة، بات البقاء هنا في ظل هذه الأوضاع محفوفاً بالمخاطر.

كيف سيؤثر ذلك على الإمارة؟ يتجلى ذلك التأثير على نحو صارخ في دبي، فالإمارة يقوم نموذجها الاقتصادي على وجود المقيمين الأجانب الذين يشكلون نحو 90% من السكان.

تذهب تقديرات شركة Oxford Economics إلى أن الإمارات، التي تعد دبي جزءاً منها، من المحتمل أن يفقد اقتصادها نحو 900 ألف وظيفة، وهو أمر جد مُضنٍ لدولة يبلغ عدد سكانها 9.6 مليون، أن تشهد التخلي عن 10% من قاطنيها. وقد امتلأت الصحف بتقارير عن العمال الهنود والباكستانيين والأفغان الذين أخذوا يغادرون الإمارة إلى أوطانهم، ومع ذلك فإن فقدان أصحاب الدخول المرتفعة سيكون له تأثير أشد وطأة على الإمارة التي تعتمد على توجيه اقتصادها نحو النمو المستمر.

يقول ريان بول، وهو محلل شؤون الشرق الأوسط في Stratfor: "خروج جماعي لسكان الطبقة الوسطى يمكن أن ينشأ عنه دوامة موت للاقتصاد، إذ ستعاني القطاعات التي تعتمد على هؤلاء المهنيين وعائلاتهم مثل المطاعم وسلع الرفاهية والعيادات أثناء مغادرة الناس. وبدون دعم من الحكومة، قد يلجأ مقدمو هذه الخدمات إلى تسريح مزيد من الأشخاص الذين سيغادرون البلاد بدورهم ومن ثم يخلقون مزيداً من موجات الهجرة".

تحفيزات المسؤولين: على الجانب الآخر، من المرجح أن تسرع الأزمة جهود الإمارات المتعلقة بالسماح للسكان بالبقاء على نحو دائم، وإدخال نوعٍ من التوازن مع أوضاع المواطنين الذين اعتادوا الحصول على مزايا شاملة منذ اكتشاف النفط. وفي الوقت الحالي، تمنح الإمارات تمديدات تلقائية للأشخاص الذين لديهم تصاريح إقامة منتهية الصلاحية وأوقفت رسوم تصاريح العمل وبعض الغرامات.

مع ذلك، فإن التحدي الرئيسي لدبي هو قدرة مقيميها على تحمل تكلفة المعيشة فيها. فقد أصبحت المدينة التي بنت سمعتها على كونها ملاذاً ضريبياً مجانياً تتحول إلى مركز بالغ التكاليف على نحو متزايد لكل من الشركات والمقيمين. وفي عام 2013، صُنفت دبي في المرتبة 90 من حيث تكلفة المعيشة على المغتربين. 

لكن التكاليف أصبحت باهظة: وفقاً لشركة Mercer الاستشارية الأمريكية. أما الآن، فقد أصبحت المدينة في المرتبة 23، ما يجعلها الأعلى من حيث تكلفة المعيشة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك مع أنها تراجعت من المرتبة 21 في عام 2019، بعد انخفاض الإيجارات بسبب زيادة العرض عن حاجة السوق.

تبرز تكاليف التعليم هنا بوصفها عاملاً حاسماً لاستقرار العائلات، خاصةً مع اتجاه مزيد من أرباب العمل إلى التخلص من حزم الضمانات للموظفين التي تغطي الرسوم الدراسية. غير أن دبي كان لديها أعلى متوسط تكلفة للمدارس في المنطقة في العام الماضي، عند 11.402 دولار، وفقاً لـ"قاعدة بيانات المدارس الدولية" International Schools Database. ويذهب مهدي مطر، الشريك الإداري في MMK Capital، وهي شركة استشارية لصناديق الأسهم الخاصة ومستثمرين في مدارس دبي، إلى أن التسجيلات في المدارس قد تشهد انخفاضاً بنسبة 10% إلى 15%.

مع ذلك، فإن الضغط كان يتصاعد قبل 2020 بوقت طويل، إذ لم يعُد اقتصاد الإمارة قط إلى الوتيرة المحمومة التي كان يتمتع بها قبل أزمة الائتمان العالمية في عام 2008، وهي التي شهدت الإمارة على إثرها آخر جولة خروج للمغتربين قبل الأزمة الحالية. وعندما بدأ اقتصاد الإمارة في استجماع أموره، جاء انخفاض أسعار النفط في عام 2014 ليدفع النمو إلى التراجع مرة أخرى.

التعافي يتطلب سنوات: الحال أن الانخفاض في معدل الطلب يعني أن التعافي سيستغرق بعض الوقت. وعلى الرغم من أن الإمارات -على خلاف بعض دول الشرق الأوسط الأخرى- لم تشهد عودة لتفشي فيروس كورونا بعد فتحها، فإن اعتمادها الشديد على التدفقات الدولية للأفراد والسلع يعني أنها أكثر عرضة للتأثر بالاضطرابات العالمية.

تقول شركة Move it Cargo and Packaging، لخدمات الشحن ومقرها في دبي، إنها تتلقى نحو سبع مكالمات في اليوم الواحد من مقيمين راغبين في شحن ممتلكاتهم إلى الخارج. وذلك مقارنة باثنتين أو ثلاث في الأسبوع في هذا الوقت من العام الماضي. وفي ذلك الوقت، كان عدد مماثل من الأشخاص ينتقل إلى دبي أيضاً، لكن الآن حركة الانتقال كلها موجهة إلى الخارج.

يقول مارك حلبي، الذي أمضى 11 عاماً في دبي وكان يشغل وظيفة مدير إعلانات قبل أن يفقدها في مارس/آذار الماضي، إنه "حزين لاضطراره إلى المغادرة. فأنت تشعر في دبي كما لو أنها وطنك وقد أتاحت لي عديداً من الفرص. لكن عندما تحل الأوقات الصعبة، فليس هناك كثير من المساعدة، وكل ما يُسمح لك به هو شهر أو شهران لالتقاط حاجياتك والرحيل".

علامات:
تحميل المزيد