قالت صحيفة The New York Times الأمريكية إن دورية "نيو إنجلاند الطبية" The New England Journal of Medicine ودورية "لانسيت" الطبية The Lancet، أعلنتا الخميس 4 يونيو/حزيران 2020، سحبَ دراستين علميتين كبيرتين بشأن فيروس "كوفيد 19" كانتا قد نشرتا معلومات مغلوطة عن علاج محتمل لكورونا وأثارتا جدلاً متصاعداً خلال الفترة الأخيرة.
تلك الدراسات جاءت بنتائج غيّرت مسار البحث الخاص بجائحة فيروس كورونا وسبل علاجية متصلة بها.
إذ فنّدت إحداهما ادعاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن أدوية معينة مضادة للملاريا يمكن استخدامها للعلاج من فيروس "كوفيد 19″، بل وخلصت الدراسة إلى أن تلك الأدوية في الواقع تمثل خطراً على صحة المرضى.
أما الدراسة الأخرى فوجدت أن بعض الأدوية المستخدمة لعلاج ضغط الدم لا تفاقم من خطر الإصابة بفيروس "كوفيد 19″، وقد يكون لها حتى دور فعّال في الوقاية منه.
دراسات غير موثقة: قاد كلتا الدراستين بروفيسور في جامعة هارفارد العريقة، وكلتاهما اعتمد على قاعدة بيانات دولية ضخمة من سجلات طبية لمرضى لم يسمع بها سوى عدد قليل من الخبراء.
مع ذلك، فإن الدوريات العلمية التي ظهرت فيها تلك الدراسات قررت سحبها بالأمس؛ لأن الباحثين المشاركين في الدراستين لم يتمكنوا من توثيق البيانات التي اعتمدت عليها نتائج الدراستين، بعد تشكيك متصاعد في تلك البيانات.
يأتي ذلك التراجع ليبث حياة جديدة في البرامج العلاجية التي اعتمدت عقاري الهيدروكسي كلوروكين والكلوركين المضادين للملاريا في معالجة المصابين بفيروس "كوفيد 19″، وهي عقاقير لا يفتأ ترامب يروّج لها كعلاج لفيروس كورونا المستجد رغم الافتقار إلى أدلة تدعم ذلك.
الصحة العالمية تستأنف تجاربها: كما أعلنت منظمة الصحة العالمية استئناف التجارب السريرية المعتمدة على العقار، بعد أن أشارت الدوريات العلمية إلى مخاوف تكتنف موثوقية تلك الدراسات.
مع ذلك، فإن عمليات التراجع تثير أيضاً أسئلة مقلقة حول الأوضاع الراهنة للبحث العلمي مع انتشار الوباء. إذ يجري الدفع بآلاف من الأوراق البحثية والدراسات للنشر على المواقع والمجلات على شبكة الإنترنت دون التزام كبير بإخضاعها لمراجعة الأقران (peer review) أو دون أي مراجعة. وهو ما فاقم من خشية النقاد من تآكل معايير التقييم العلمية على المدى الطويل حتى بين أكثر الدوريات العلمية تميزاً وموثوقية، في ظل الضغوط التي تواجهها بشأن التدقيق السريع للدراسات ونشر تقارير علمية جديدة.
في هذا السياق، قال الدكتور مانديب ميهرا، المؤلف الرئيسي للدراستين، في بيان لصحيفة The New York Times: "بات من الواضح لي الآن أنني على أمل الإسهام في البحوث الجارية في ظل الحاجة الملحة إليها الآن، لم أفعل ما يكفي لضمان أن يكون مصدر البيانات التي اعتمدت عليها مؤهلاً لهذا الاستخدام".
مضيفاً: "لذلك، ومن أجل كل البلبلة –التي حدثت بطريقة مباشرة وغير مباشرة- فأنا آسف حقاً".
الدراسة التي عرقلت التجارب: كانت الورقة العلمية الأولى حول عقار الكلوركين والهيدروكسي كلوروكين نُشرت في أواخر مايو/أيار الماضي في دورية "لانسيت" المرموقة.
على الرغم من وجود إشارات سابقة إلى آثار جانبية مرتبطة بتلك الأدوية، فقد توقفت التجارب السريرية في جميع أنحاء العالم بناءً على الدراسة وبدأ الباحثون القلقون في مراجعة أوسع لاشتراطات السلامة الخاصة باستخدام العقار.
غير أن ثمة تشكيكاً وأسئلة ظهرت على الفور تقريباً بشأن أخطاء وردت في بيانات الدراسة، وحول المصدر الذي استندت إليه البيانات المستخدمة في البحث، وكذلك برزت شكوك في دراسة سابقة للدكتور ميهرا بشأن استخدام أدوية الضغط، والتي كانت قد نشرت في دورية "نيو إنجلاند الطبية".
البيانات محل التشكيك جاءت من شركة تُدعى Surgisphere، التي ادعت أن لديها معلومات وبيانات دقيقة بشأن مرضى فيروس كورونا تحصل عليها من 1200 مستشفى ومرفق صحي في 6 قارات. وقد أُدرج مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي، الدكتور سابان ديساي، مؤلفاً مشاركاً في كلتا الورقتين.
مع ذلك فقد دُهش العديد من الباحثين لمعرفة أن قاعدة بيانات كتلك يمكن توفرها في ظل هذه الأوضاع، أو أن ثمة سبيلاً لجمع وتحليل عشرات الآلاف من السجلات الطبية في قارات متعددة بهذه السرعة.
في مقابلة أجريت في وقت سابق من هذا الأسبوع، دافع الدكتور ديساي بقوة عن قاعدة بيانات شركة Surgisphere، قائلاً إنه من جانبه "منفتح على الشفافية التامة" بشأن البيانات، لكنه مُلزم بالحفاظ على السرية بموجب الاتفاقات التعاقدية الموقعة مع مئات المستشفيات والمرافق الصحية التي يتعامل معها، ومن ثم لا يمكنه إظهار أي البيانات الأولية لأي جهة.
وقد رفض الدكتور ديساي طلباً من صحيفة The New York Times لوضعها على تواصل مع مستشفى أو مرفق رعاية صحية من التي اعتمدت عليها الشرطة في بياناتها. كما لم يرد على أي استفسارات بعد سحب الدراسات من الدوريات التي نشرت بها.