في مجتمعات الشرق الأوسط الأكثر ثراءً تعتمد آلة العمل في الحياة اليومية على العمال المهاجرين من آسيا، وإفريقيا، والدول العربية الأكثر فقراً؛ فهناك الملايين من "عُمال تقديم الشاي"، والخادمات، والأطبّاء، وعمّال التشييد، وعمال التوصيل، والطهاة، وعمّال النظافة، والحُراس، ومصففي الشعر، والموظّفين بالفنادق، وأكثر من أولئك، حتّى إنّهم أحياناً ما يفوقون عدد السكّان الأصليين.
هؤلاء وفق تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية يدعمون عائلاتهم في أوطانهم من خلال عملهم بالوظائف التي لا يعمل بها المواطنون أو لا يقبلونها، لكن في ظل انخفاض عائدات النفط، ولأن مُعسكرات العمّال المهاجرين صارت بؤراً لفيروس كورونا المُستجد، وفي خضمّ مُطالبات مواطني تلك البلدان حكوماتهم بحمايتهم أوّلاً، دفعت الجائحة بأخذ الوضع الراهن بعين الاعتبار.
العنصرية ترتفع: يتزايد العداء تجاه الأجانب، ومعه تتصاعد الأسئلة بشأن طريقة استبدال المُهاجرين بالمواطنين في العمل، ونداءات إصلاح سُبل جلب العمالة الأجنبية ومعاملتها.
إيمان الحسين، وهي زميلة بمعهد دول الخليج العربي ومقره بواشنطن قالت: "ثمّة شيئان تعتمد عليهما دول الخليج الاعتماد الأكبر؛ أسعار النفط والعمالة الأجنبية، وكلاهما قد تضرّرا بقسوة جرّاء فيروس كورونا… أطلق الفيروس عنان كل هذه المشكلات التي كانت موضع تجاهل لزمنٍ طويل".
بالنسبة للكثيرين من بين العمالة الأجنبية الوافدة من بلدان عربية، تلك التي أرسَلَت إلى ديارها أكثر من 124 مليار دولار في عام 2017، فإن تداعيات فيروس كورونا قاتمة بوضوح.
إذ فَقَدَ عشرات الآلاف من هؤلاء وظائفهم خلال إجراءات الإغلاق التي فرضتها الحكومات، الأمر الذي تركهم يقتاتون حصصاً غذائية زهيدة، بينما يكافح ذووهم في غياب تحويلاتهم المالية. وأُصيب آخرون بالمرض بينما اجتاح فيروس كورونا مساكنهم المتواضعة للغاية والمُزدحمة بأسرّة في غُرفٍ مُشتركة.
مع انخفاض أسعار النفط وغياب السياحة قد تضطر البلدان الخليجية المضيفة -التي تضم قرابة عُشر مُهاجري العالم- لإعادة النظر في علاقتها مع العمالة الأجنبية.
نصف ميزانية: كارين يونغ، المتخصصة في الشأن الخليجي لدى معهد أمريكان إنتربرايز في واشنطن قالت: "من قبل، كان هناك ما يكفي لتسيير الأمور. أمّا الآن فتُدار الدول بنصف ما كان لديها قبل ثلاثة أشهر، والمزيد من التقلّص آتٍ في الطريق. وستشهد البلاد مزيداً من النقاشات حول ما تقدمه الدولة للمواطنين وغير المواطنين".
حتى قطر والإمارات فاحشتا الثراء، اللتان يعكف بهما جحافل الأجانب على خدمة تعداد السكان المحليين الضئيل، من المرجح أن تتخليا عن بعض العمال بالتزامن مع تلاشي السياحة وتباطؤ وتيرة مشروعات التنمية.
من ناحية أخرى، لم يعد بإمكان البلدان المعتمدة على النفط وتضم العديد من المواطنين من الطبقة المتوسطة أو الفقراء، مثل المملكة العربية السعودية، والبحرين، وعمان ضمان مستويات المعيشة المُرتفعة والحفاظ على الإعانات التي يعتبرها المواطنون أمراً مُسلَّماً.
محللون رأوا أن خطط ولي العهد محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد السعودية بالسياحة والحفلات الجاذبة ستتقلص، بالتزامن مع تحذير وزير المالية السعودي، الأسبوع الماضي، من تخفيضات "مؤلِمة" تطال الإنفاق.
جدير بالذكر أنه في أنحاء البلدان الخليجية يذهب معظم الإنفاق إلى توظيف المواطنين في وظائف حكومية ثابتة ذات أجور مُرتفعة، وتقدّم بدورها شبكة أمان اجتماعي؛ إذ يعمل قرابة ثلثي إجمالي مواطني الخليج لحساب حكوماتهم، على الرغم من جهود الدولة لدفعهم إلى القطاع الخاص من خلال عرض امتيازات الشركات الخاصّة بغرض توظيف المواطنين الأصليين من جانب، وفرض ضرائب إضافية على المغتربين من جانب آخر.