يبدو أن رئيس النظام في سوريا بشار الأسد ماضٍ في تصعيده المفاجئ وغير المسبوق ضد ابن خاله الملياردير رامي مخلوف، وذلك من خلال رد حكومته الجمعة 1 مايو/أيار 2020 بأنها عازمة على أخذ مبلغ ضخم من مخلوف، الذي سبق أن ناشد الأسد التدخل في مقطع فيديو نشره على فيسبوك.
المزيد من الخلافات: لم تمضِ 24 ساعة على الفيديو الذي خرج فيه مخلوف من مكان غير معروف، ينتقد فيه النظام -الذي يُعد ركناً أساسياً من أركانه- حتى أصدرت وزارة الاتصالات التابعة لحكومة الأسد بياناً تؤكد فيه أنها لن تتراجع عن تحصيل مليارات الليرات من شركة الاتصالات "سيرياتيل" التي يملكها مخلوف.
كان مخلوف قد قال إن وزارة الاتصالات طالبته بدفع ضرائب تصل إلى 130 مليار ليرة كضرائب، وأكد أن تحصيل هذا المبلغ جاء بتوجيه من الأسد نفسه.
لكن الأسد يبدو أنه ضرب بطلب مخلوف عرض الحائط، ونشرت الوكالة الرسمية بياناً لوزارة الاتصالات تقول فيه إن "المبالغ المطلوب سدادها من قبل الشركات الخلوية هي مبالغ مستحقة للدولة وفقاً لوثائق واضحة وموجودة".
كذلك أكدت الوزارة أنها عازمة على استفياء المبلغ المطلوب ضمن مهلة تنتهي يوم 5 مايو/أيار الجاري، واتهمت شركة مخلوف بالتهرب الضريبي، وهددت بأنها لن تتوانى في الحصول على هذا المبلغ، الذي يرى مخلوف أن النظام يطالبه به "عن غير وجه حق" قائلاً إنه "من دافعي الضرائب"، ومتحدثاً عن أنه يدفع للحكومة كل عام 10 مليارات ليرة سورية.
كان مخلوف قد قال مقطع الفيديو الذي مثّل ظهوراً نادراً له منذ 9 سنوات، إن النظام أنذر "سيرياتيل" وشركة إم تي إن للاتصالات بدفع 233.8 مليار ليرة (نحو مليار دولار) قائلاً إن "الدولة ترجع إلى عقود تمت الموافقة عليها بين الطرفين، ولا يمكن لها تغييرها، وبالتالي هي غير محقة"، كما هدد بأنه قد "يقاضي الدولة".
إمبراطور المال في خطر: تُعد محاسبة مخلوف والتضييق عليه واحدة من أكبر التحولات بالنسبة للملياردير الذي يسيطر على 60% من الاقتصاد السوري، فهو شخص يمثل واحداً من أقوى رجالات النظام في سوريا منذ قبل الثورة في عام 2011 وحتى بعد اندلاعها.
لم يُخفِ مخلوف حجم الخطر الذي يُحدق به جراء انقلاب النظام عليه، عندما حذر في مقطع الفيديو من انهيار شركة "سيرياتيل" التي تقدم خدماتها لملايين السوريين وتجني أرباحاً هائلة، نظراً لقيمة الضرائب التي قال مخلوف إنه يدفعها بشكل شهري للنظام.
حمل الفيديو رسالة واضحة بأن مخلوف لا يتواصل في الوقت الحالي مع الأسد، وهو ما دفعه للخروج عبر وسائل التواصل والتحدث مباشرة لرئيس النظام، كما أنه يعكس عمق الخلاف بينه وبين العائلة الحاكمة، وسط الحديث عن خلاف مباشر بين مخلوف وأسماء الأسد.
في هذا السياق، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن تصفية حسابات تدور بين مخلوف وزوجة الأسد أسماء، بعد تقارير عن أن الأخيرة سيطرت على جمعية "البستان" التي كانت لمخلوف ولديها رأس مال كبير.
أشارت الصحيفة أيضاً إلى أن التوترات غير المسبوقة بين أبناء عمومة الأسد ومخلوف، جاءت بعد الكشف عن أمور محرجة للأسد أمام حليفته روسيا، ومن بينها هدية قيل إنها لوحة اشتراها الأسد لزوجته أسماء بقيمة 30 مليون دولار، بحسب ما ذكره موقع روسي، لكن لم يتسن التأكد من صحة هذه المعلومة.
ماذا عن روسيا؟ ليس مستبعداً أن يكون لروسيا دور كبير في التضييق على رامي مخلوف، ففي عام 2019 تحدثت تقارير روسية، وصحيفة "التايمز" البريطانية عن أن موسكو طلبت من الأسد 3 مليارات دولار لتغطية نفقات الحرب.
لجأ الأسد حينها إلى ابن خاله مخلوف طالباً ذلك المال، لكن الملياردير رفض أن يدفع كما رفض تسليم الأصول المالية لعائلته، وبعدها "بدأ النظام يستولي عليها بحجة مكافحة الفساد"، وفقاً للصحيفة البريطانية، التي تحدثت أيضاً عن أنه "تم وضع مخلوف تحت الإقامة الجبرية منذ ذلك الحين"، لكن لم تكن هنالك أدلة كثيرة على تأكيد ذلك.
كذلك فإن روسيا وعبر وسائل إعلامها القريبة من الكرملين، ضغطت بشكل كبير على الأسد عندما نشرت في وقت متزامن قبل نحو أسبوعين، تقارير تنتقد فيها ضعف الأسد على مواجهة الفساد المستشري في البلاد، ووصفت عائلة الأسد بأنها "شبكة من الفساد".
كما أنه عند الحديث عن موقف روسيا من مخلوف، فإنه بالضرورة ينبغي الحديث عن إيران، إذ تتنافس كل من طهران وموسكو على تحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية في سوريا، الأمر الذي جعل أجهزة النظام الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية تدخل في حالة ولاء مشرذم بين الروس والإيرانيين.
كان رامي مخلوف أقرب للإيرانيين منه للروس، فجمعية "البستان" الذي أسسها لعبت دوراً في دعم الميليشيات المحلية التي كانت على صلة بإيران، كما أنه ساهم بتعزيز نفوذ الإيرانيين في الساحل السوري الذي تعتبره روسيا منطقة نفوذ لها.
ماذا بعد؟ ليس واضحاً بعد أين يمكن أن يفضي الخلاف الذي أخرجه مخلوف إلى السطح، وما إذا كان إجباره على دفع أموال ضخمة للنظام نهاية لمرحلة التوتر، أم بداية مرحلة لتصعيد جديد داخل عائلة الأسد.
لكن في كلتا الحالتين يرى سوريون أن خروج مخلوف مثّل مفاجأة لم تكن متوقعة؛ نظراً لمدى الدعم الذي قدمه الأسد لمخلوف منذ توليه الحكم عام 2000 وغضّ الطرف عنه للاستئثار بالاقتصاد السوري وإقصاء أي منافس له.