خلال جلسة برلمانية عقدها مجلس النواب اللبناني في 17 أبريل/نيسان، أقر البرلمان بتأييد كتل حركة الأمل، وكتلة الحزب التقدمي الاشتراكي وتكتل التيار الوطني الحر، تقنين زراعة القنب الهندي (الحشيش)، لتكون لبنان أول دولة عربية تزرع الحشيش بشكل رسمي.
يقضي نص القرار أنه أُقر لاستعماله في أغراض صناعية وطبية، واستعانت الكتل اللبنانية لتبرير التشريع بخطة شركة ماكينزي الدولية للاستشارات الإدارية والمالية، للمساهمة في إعداد خطة للنهوض بالاقتصاد اللبناني، اقترحت ضمن بنودها زراعة الحشيش للأغراض الطبية لما يوفّره من أرباح سنوية لصالح الخزانة العامة للدولة.
لكن التخوفات الآن من أن يصبح التشريع مقدمة للعفو العام الذي سيشمل تجار المخدرات المتوارين عن الأنظار والذين تسعى قوى سياسية للعفو عنهم وإطلاق يدهم لتكون أداتهم المباشرة في مناطق نفوذهم وحاضنتهم الشعبية.
الحشيش.. سينقذ الاقتصاد
على مدار عقود، ارتبط اسم لبنان بزراعة الحشيشة وتصديره، إذ يعتبر الأداة الدائمة التي تستغلها قوى سياسية في لبنان مالياً وانتخابياً، بالاستعانة بمروجيه وتجاره في سبيل تحقيق مكاسب سياسية.
وأما من جانب الاقتصاد المحلي فلبنان على شفا الانهيار، بحسب بعض القوى السياسية، التي تعتبر أن زراعة الحشيش قد تفتح باباً جديداً لتمويل الخزينة بمبلغ قد يصل إلى المليار دولار سنويا.
لكن ما يعزز شهرة المخدرات في لبنان هو الحديث المستمر خلال السنوات الماضية عن العفو العام الذي سيشمل تجار ومروجي المخدرات الفارين من العدالة وأبرزهم نوح زعيتر المحسوب على "حزب الله"، والذي أصبح ظهوره إعلامياً ربما أكثر من نواب منطقته.
يشكل زعيتر الصورة الذهنية لتاجر المخدرات اللبناني الفار من العدالة في جرود منطقة بعلبك التي لا تستطيع الدولة الحضور فيها، لما فيها من تشابكات عشائرية تصل أحياناً للإشتباك مع الجيش والقوى الأمنية دفاعاً عن تجارة باتت دخل هذه الفئة اللبنانية الخارجة عن القانون.
ملف شائك..
يعتبر ملف المخدرات وتجارته وتصديره من أبرز الملفات الشائكة في الساحة اللبنانية لأسباب عديدة أبرزها أن البنية التي يعتمد عليها التجار والمروجين تعود لسنوات الحرب الأهلية، حيث غابت الدولة عن ممارسة دورها لمدة ١٥ عاماً.
وباتت الساحة ملك للميليشيات والأحزاب التي فرضت قوتها بالسلاح وخاصة في مناطق بعلبك الهرمل أو جبل لبنان حيث الشبكات التي تعمل تحت الأرض وتسير أعمالها بعيداً عن عيون الجهات الرسمية.
وجدت الدولة نفسها بعد العام 1992 أمام أمر واقع وهو زراعة ممنهجة للحشيش في مناطق تقطنها عشائر لا تعترف بسلطة الدولة والقضاء ما عزز لدى التجار الكبار فرص مبيع باتت تصل لدول أفريقية وأوروبية.
حسب مصدر في هيئة مكافحة المخدارت في لبنان لـ "عربي بوست" فإنه ومن جانب آخر كانت الحدود السورية المفتوحة، بوابة عبور لتهريب الحشيش بشكل هائل خاصة في الفترة ما بين العام 1992 وحتى 2005، حيث كانت تمر شحنات المخدرات على الحدود السورية اللبنانية دون رقيب ولا تفتيش بحسب مصدر لمكافحة المخدرات في لبنان صرح لعربي بوست.
ويضيف المصدر، أن جهات سياسية سمحت بتجارة المخدرات في الخارج وغضت الطرف عن مروره الحدودي بحجة الخوف من أن يغرق السوق اللبناني وتزداد نسب التعاطي بين الشباب اللبناني، وهذا ما ساهم برسائل متعددة من جهات دولية طلبت الرقابة اللبنانية على زراعة الحشيش أو استبداله بزراعات أخرى بدعم من صناديق دولية تساهم في مشروعات زراعية.
في حين أن لبنان غدا محطة رئيسية خلال المراحل السابقة في تصدير الحشيش بصور غير شرعية، حيث مئات المطلوبين بتهم الترويج والتجارة عليهم مذكرات توقيف لم تتمكن أجهزة الأمن من القبض عليهم بسبب الغطاء السياسي الذي يحظون به.
مخدرات الفقراء.. الأكثر خطورة
فمن جانب آخر فإن تجارة المخدرات في لبنان تأخذ أشكالاً عدة، سواء في حجم تجارتها، أو المتاجرين فيها، فمثلاً مخدرات الفقراء هي أنواع يتم تركيبها محلياً، ويأتي بعضها من الخارج على هيئة أدوية وتعتبر أكثر خطورة من أي نوع آخر بسبب تركيبتها الكيماوية من جهة، وبسبب استخدام بعض المواد خارج وصفها الطبي، من جهة أخرى
تحاول القوى الأمنية اللبنانية الإيقاع بالتجار، محاولات كان آخرها مطلع ابريل/نيسان الجاري حين كشفت عن أكبر عملية تهريب مخدرات وصفت أنها الأكبر في تاريخ لبنان، في شحنة بلغت 25 طناً.
هل تستطيع الدولة السيطرة على مناطق الزراعة؟
لكن المؤكد أن الدولة التي تعاني من الفساد، ربما لن تستطيع السيطرة على مناطق زرع الحشيش، فالمنطقة المفترض الاستثمار فيها (بعلبك – الهرمل) هي منطقة عشائرية تخضع لنفوذ حزب الله وحركة الأمل، وفي ظل الاتهامات لحزب الله منذ سنوات بتسهيل زراعة وبيع الحشيش يبدو الموقف الرسمي للحزب رافضاً للتشريع من بوابة دينية يتغطى بها.
والمفارقة أن الحزب الذي لا يمرر قراراً إلا بموافقته، (إذ يشكل مع حلف 8 آذار أغلبية برلمانية) لم يحرك ساكناً بالضغط على الحلفاء برفض السير في تشريع القنب الهندي والذي لن تستطيع الدولة اللبنانية من ضبط زراعته وبيعه وتصديره ما قد يسبب مشاكل للبنان مع الدول التي قد يتدفق إليها بصورة غير شرعية.
الحشيش.. كيف سينعش الاقتصاد
يؤكد الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي خالد أبوشقرا أن تشريع زراعة الحشيش غالباً ما اصبح يَرِد في الخطابات الرسمية ملاصقاً لخطة شركة ماكنزي الدولية للاستشارات الإدارية والمالية، التي أدرجت ضمن بنودها امكانية استفادة الاقتصاد من هذه الزارعة.
"ويقول عن الخطة التي وضعت قبل عامين ولم تُنفذ، إن الخطة"ليست كتاباً منسياً، نفتحه عند الحاجة ونأخذ منه "عالقطعة" ما يلائمنا، ومن ثم نغلقه ونقول اننا نطبق الخطة".
فالعمل على "القطعة" والانتقاء المنفعي قد يكون أسوأ على الاقتصاد من عدم تطبيقها.
فـ"ماكينزي" وُضعت من أجل تطبيق رؤية شاملة تتعلق بكيفية عمل القطاعات مع بعضها البعض، وليس للعمل بشكل معز، واقتطاع الجزء المتعلق بتشريع الحشيش دون النظر إلى البنود الأخرى في الخطة التي وضعتها الشركة لإنعاش الاقتصاد ليس صحيحاً.
"ويشدد أن التخفي خلف "ماكينزي" لتبرير أو لدعم القرار بزراعة الحشيش أمر غير مقبول إضافة إلى أن تطبيق القانون على المخالفين والمستغلين لهذا القرار ربنا لن يمضي بشكل متوازن، نظراً لما أسماه -فقدان الدولة لهيبتها- واستفحال التدخلات السياسية والطائفية والمناطقية في حماية المخالفات، وحماية المخالفين.