يجد زعماء الدول الأوروبية أنفسهم في حيرة وتخبُّط أمام جائحة كورونا، فمن جهة يواصل الفيروس تفشيه بين مواطني بلدانهم، ومن جهة أخرى يجدون أن البلاد أصبحت تحت وطأة ضغوط اقتصادية كبيرة، بسبب قرارات الإغلاق العام للأعمال وكافة أشكال الحياة للحد من انتشار فيروس كورونا.
القرار الصعب: يصعب على الساسة الأوروبيين الإجابة على سؤال: هل نواصل الإغلاق أم نوقفه؟ ويزيد خبراء الصحة من مخاوف دوائر الحكم، عندما يحذرون من أن العودة المبكرة للحياة الطبيعية قد تكون خطيرة للغاية، لا سيما وسط توقعات بأن يشهد انتشار فيروس كورونا موجة انتشار أخرى.
في بعض البلدان الأوروبية كما هو الحال في ألمانيا، بدأ ساسة بارزون بمناقشة احتمال تخفيف القيود المفروضة لمكافحة تفشي كورونا، وسيكون هذا الأمر مطروحاً في اجتماع تترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يوم الأربعاء 15 أبريل/نيسان 2020.
في هذه الأثناء ستتجه الأنظار إلى الأكاديمية الوطنية الألمانية للعلوم، التي يبدو أن توصيتها إما ستزيد من جرأة السياسيين على التقدم خطوة نحو تقليل القيود أملاً بإنعاش الاقتصاد، أو في جعلهم يفكرون مئة مرة أخرى قبل الإقدام على قرار كهذا.
لذلك تقول ميركل إن توصيات الأكاديمية سيكون لها ثقل كبير في بحث إمكانية تخفيف القيود على الحركة والتباعد الاجتماعي المفروضة منذ منتصف مارس/آذار 2020 تقريباً.
يأتي هذا النقاش مع تراجع أعداد حالات الإصابة والوفاة الجديدة في ألمانيا التي قاومت الجائحة بشكل أفضل من دول أوروبية أخرى مجاورة مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
لكن اقتصاد ألمانيا المعتمد على التصدير تضرَّر، ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 9.8٪ في الربع الثاني من العام، وهو أكبر معدل منذ بدء تسجيل هذه المعدلات في 1970، وفقاً لوكالة رويترز.
من جانبها، ستناقش ميركل مع وزرائها توصيات أكاديمية العلوم، ثم ستعقد مؤتمراً مغلقاً مع حكام الولايات يوم الأربعاء لمناقشة المسار المحتمل للخروج من إجراءات العزل.
إسبانيا مترددة: اتخاذ قرار تخفيف القيود بشكل واسع في إسبانيا يبدو أنه سيكون أصعب من اتخاذه في ألمانيا، فقد تجاوز عدد حالات الوفاة في البلاد 17 ألف شخص، بينما اقترب عدد الإصابات من 167 ألفاً.
تعيش الحكومة في حالة توتر بعدما قررت العودة اليوم الإثنين 13 أبريل/نيسان 2020 للعمل بالقيود الأقل صرامة التي ظلت مفروضة حتى 27 مارس/آذار 2020، مما يسمح لبعض الشركات التي لا يمكنها العمل عن بُعد، ومن بينها شركات البناء والشركات الصناعية، بإعادة فتح أبوابها وهو ما يثير مخاوف من انتشار واسع جديد للفيروس.
لكن الزعيم الكتالوني كويم تور وصف قرار عودة العمل في هذه القطاعات بأنه "غير مسؤول وطائش"، وقال في مؤتمر صحفي: "خطر حدوث وباء جديد وإغلاق ثان هائل".
أما رئيس الوزراء بيدرو سانتشيث فقال للصحفيين إن "قرار عودة بعض قطاعات الاقتصاد إلى العمل صدر بعد استشارة لجنة من الخبراء العلميين، وإن أي تخفيف جديد لإجراءات الإغلاق يعتمد على المكاسب التي تتحقق في الحرب ضد الفيروس".
أضاف سانتشيث: "إذا لم يحدث ذلك، أريد أن أكون واضحاً للغاية.. سنُبقي على القيود أو نُعيد الإلزام بها"، حيث ساهمت إجراءات العزل المشددة في خفض معدل الوفيات الذي وصل لذروته في أوائل أبريل/نيسان.
قرار الحكومة يأتي بعدما عانت إسبانيا من تبعات ضخمة لانتشار المرض على اقتصادها ومن المؤشرات على ذلك فقدان 900 ألف وظيفة منذ منتصف مارس/آذار 2020، فيما قال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي لويس دي جويندوس إن اعتماد إسبانيا على السياحة سيجعلها على الأرجح عرضة لركود اقتصادي أسوأ من باقي الدول الأوروبية.
ترقُّب في فرنسا: باريس هي الأخرى تسعى جاهدة إلى الخروج بأقل الخسائر من اجتياح فيروس كورونا لها، ويتوجه الرئيس إيمانويل ماكرون بخطاب إلى الفرنسيين مساء الإثنين يرتقب أن يعلن فيه أن إجراءات الإغلاق لمواجهة فيروس كورونا المستجد ستستمر لعدة أسابيع إضافية كما سيحدد كيفية خروج البلاد من هذه الأزمة.
يأتي خطاب ماكرون فيما ظهرت مؤشرات أولى على تباطؤ الانتشار في فرنسا وعلى أن العزل بدأ يعطي نتائج، حيث إن منحنى الضحايا بات ثابتاً ولو على مستويات مرتفعة.
وكانت الحكومة الفرنسية توقعت الأسبوع الماضي ارتفاع العجز إلى 7,6٪ وتراجع إجمالي الناتج المحلي 6٪، في حين أعلنت باريس رفع قيمة خطة الطوارئ لمواجهة الأزمة الناجمة عن تفشِّي فيروس كورونا من 45 ملياراً إلى 100 مليار يورو.
يخشى الإليزيه من أي قرار لتخفيف القيود تكون له نتائج سلبية، وتشير وكالة الأنباء الفرنسية إلى أن ماكرون سيسعى إلى التحذير من أن تخفيف إجراءات العزل في وقت سابق لأوانه سيكون كارثياً، مع طمأنة الفرنسيين في الوقت نفسه بأن الحكومة لديها خطة لإعادة البلاد إلى الوضع الطبيعي، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
لكن رغم ذلك أفادت مصادر مقربة من ماكرون بأن الرئيس سيعلن تمديد تدابير العزل في البلاد حتى العاشر من أيار/مايو على الأقل.
صيف بلا سياحة؟ لا يوجد تاريخ محدد لتعافي دول الاتحاد الأوروبي من جائحة كورونا، ويبدو أن الصيف المقبل سيكون مغايراً تماماً لما تشهده عادة القارة العجوز.
في هذا الصدد، طالب الاتحاد الأوروبي، الأحد 12 أبريل/نيسان، بتعليق جميع حجوزات الإجازات الصيفية المقبلة في دوله الأعضاء، على خلفية عدم وجود أي معلومات مؤكدة حول مصير جائحة كورونا خلال الأشهر المقبلة.
رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين، نصحت في تصريحات صحفية الراغبين في قضاء عطلات صيفية بأوروبا أو غيرها من الدول بـ "الانتظار، وعدم التسرع في إتمام أي حجوزات"، حسبما نقلت صحيفة "بيلد" الألمانية.
ويتشابه الوضع في أوروبا مع بقية دول في العالم التي تشهد إغلاقاً عاماً للحد من تفشي الفيروس، كما تم حظر السفر في جميع أنحاء العالم، باستثناء رحلات الشحن الجوي ورحلات إجلاء الرعايا.