سلط تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية الضوء على تغير مهام حزب الله اللبناني التي كان يركزها لقتال إسرائيل أو للمشاركة في الحرب السورية إلى مكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في لبنان، حيث خرج المسعفون والمتطوعون من رجاله لتعقيم المحال والمباني وتسليم علب الطعام إلى السكان ذوي الدخل المنخفض في الضواحي الجنوبية للعاصمة بيروت (معقل حزب الله)، كما كلف الحزب الطاقم الطبي التابع له بتأسيس مركز لعلاج مرضى الفيروس.
فسّرت الصحيفة هذا التوجه على أنه رسالة إلى داعميه من المجتمع الشيعي في لبنان مفادها أنه قوة يُعتمَد عليها في الأزمات.، في ظل ما تتعرض له الجماعة المسلحة المدعومة من إيران والقوة المؤثرة سياسياً لضغوط من أجل إرسال هذه الرسالة عقب سلسلة من الضربات التي لَحِقَت بمكانتها.
في وقت وجهت فيه اتهامات لحزب الله بالمساعدة في جلب الفيروس إلى لبنان الذي استغرق أكثر من 3 أسابيع لإيقاف الرحلات الجوية من إيران بعد أن ظهرت أول حالة إصابة بالفيروس في لبنان في 20 فبراير/شباط لامرأة عادت لتوها من هناك، ويزعم المنتقدون أنَّ حزب الله كان وراء تأخير وقف الطيران على ما يبدو لمنح أعضائه ومؤيديه الوقت الكافي للعودة إلى الوطن، وهو اتهام تنفيه الجماعة.
منذ ذلك الوقت، سجَّل لبنان ما يقرب من 480 حالة إصابة بالفيروس، و12 حالة وفاة.
اتهامات للحزب بجلب الفيروس
كتبت مي شدياق، وزيرة دولة سابقة، في تغريدة الأسبوع السابق لوقف حركة الطيران، تقول: "إلى متى سنبقى ضحايا استقواء حزب الله؟ هذا دليل جديد على تحكمهم بمصير الوطن!". وبعدها تأكدت إصابة مي بالفيروس عقب عودتها من باريس.
كذلك ذكرت مصادر خاصة مطلعة على أنشطة حزب الله لـ"عربي بوست"، الأسبوع الماضي، أن الحزب كان يستقبل مصابين بكورونا من إيران والعراق، قبل إغلاق مطار بيروت.
أضافت المصادر "أنه بعد إغلاق مطار بيروت الدولي واصل حزب الله استقبال مصابي كورونا الإيرانيين والعراقيين، عبر معابر حدودية مع سوريا، ويتم نقلهم إلى مناطق تخضع لنفوذ الحزب، دون إشراف من الدولة اللبنانية". وتتحدث المصادر عن أن حزب الله يقوم بتجهيز مستشفيات ميدانية في مناطق مختلفة في الجنوب، مثل النميرية والغازية والنبطية لاستخدامها لعلاج مرضى كورونا.
تُشرف على هذه المستشفيات فرق طبية تابعة للهيئة الصحية الإسلامية، ومجهّزة بمختبرات لفحص الإصابات، ويجري تحضيرها لاستقبال المرضى القادمين من خلف الحدود، بالإضافة لمن تنتقل إليهم العدوى من بيئة الحزب.
محاولات تحسين صورة الحزب
في السنوات القليلة الماضية تعرض الحزب لانتقادات داخلية وخارجية بسبب مواقفه السياسية، فقد أغضب حزب الله الكثيرين في لبنان بسبب تدخله في الحرب الأهلية السورية لدعم حكومة الأسد حليفة إيران، كما أدان بعض المتظاهرين، خلال موجة الاحتجاجات في لبنان أواخر العام الماضي، الحزب باعتباره جزءاً من النخبة الحاكمة التي يريدون إبعادها، كما شددت الولايات المتحدة من العقوبات المفروضة على الجماعة، أضف إلى ذلك أن الانهيار المالي في لبنان دفع الحكومة، التي يسيطر عليها حزب الله وحلفاؤه، إلى حالة تخبط بحثاً عن حلول.
لكن منذ وصول فيروس كورونا المستجد إلى لبنان ويحاول الحزب تحسين صورته وإظهار نفسه في صورة المنقذ، إذ يلقي زعيم الحزب حسن نصر الله خطابات عبر التلفاز عن الجائحة باستمرار، وقال في أحدها الذي استمر لمدة ساعة: "يجب أن نشعر بأننا في معركة، ويجب أن نخوض هذه المعركة"، في إشارة إلى شعور الجماعة بأنها بحاجة لإظهار أنها تضاعف جهودها لمواجهة الأزمة الحالية التي سيساعده فيها القوة الخدمية والتنظيمية له داخل الدولة وعلى الأرض.
إمكانات حشدت لحرب إسرائيل حولت لمحاربة كورونا
مسؤول كبير في حزب الله يدعى هاشم صفي الدين، قال إن الجماعة حشدت 24500 عضو ومتطوع في حملة لمكافحة الفيروس تهدف إلى مساعدة الحكومة ووزارة الصحة التي يديرها وزير اختاره حزب الله، سواء من يقومون بتقديم وجبات الطعام لغير القادرين أو من يقومون بحملات التعقييم للشوارع وكذلك الطواقم الطبية.
إذ حول الحزب مستشفى سانت جورج، التي كان يعالج جنوده فيها فيما سبق إلى مركز لمرضى فيروس كورونا المستجد، وقد عَكَفَ الطاقم الطبي على تجهيز الطابق الأول بالأسرّة.
كما يوظف الحزب بعض الإمكانيات التي أعدها تحسباً لنشوب حرب جديدة مع إسرائيل في المعركة ضد الفيروس، وهذا يشمل الآلاف من الأطباء والممرضات والموظفين الميدانيين، فضلاً عن 100 سيارة إسعاف. تخطط الهيئة الصحية الإسلامية التابعة للجماعة لإنشاء مراكز فحص.
من جانبه، قال بلال عساف، مسؤول في مديرية الدفاع المدني التابعة للهيئة الصحية الإسلامية، في تصريح لوكالة The Associated Press الأمريكية: "نحن جنود في خدمة وزارة الصحة".
لكن الدعم مركّز في مناطق دعمه التقليدية
تقتصر حملة حزب الله لمواجهة الفيروس، التي تروج لها قناة المنارة التابعة للحزب بقوة، على مناطق دعمه التقليدية إلى الآن بمناطق الجنوب. وهو ما وصفه علي حمادة، كاتب سياسي في صحيفة النهار التي عادةً ما تنتقد هذه الجماعة أن الحزب يرغب في أن يعرف الناس أنه "مشروع خاص، مشروع فوق الدولة".
بدورها، أطلقت بعض الفصائل السياسية من الطوائف الأخرى برامج للتصدي لتفشي الفيروس، وجهّزت عيادات أو سلّمت مساعدات، لكنها لا تستطيع أن تضاهي تمويل حزب الله ولا تنظيمه.