في وقت تتصاعد فيه الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية للحد من انتشار وباء كورونا، تبدو أعداد المصابين والوفيات المعلنة بشكل رسمي غير مقنعة لكثير من العاملين في القطاع الصحي.
وحتى يوم الإثنين 23 مارس/آذار 2020، أعلنت وزارة الصحة عن وجود 327 إصابة و14 حالة وفاة، فيما تماثل 56 مصاباً للشفاء.
لكن مصادر وسط العاملين في القطاع الصحي قالوا لـ "عربي بوست" إن الإحصاءات المعلنة لا تعكس الحجم الحقيقي للمصابين؛ ليس لأن الحكومة تتكتم على الأرقام، وإنما لأن آلية الكشف عن المصابين ليس سليمة من الناحية العلمية والعملية.
يأتي هذا في وقت كشف فيه مصدر بمستشفى حميات الإسكندرية أن هناك 181 حالة بهذه المستشفى فقط مصابة بفيروس كورونا وتحت الحجر الصحي.
المشكلة في بروتوكولات الفحص
وأكد مدير إحدى مستشفيات الحميات لـ "عربي بوست" أن وزارة الصحة تحصر الفحص في الحالات التي تظهر عليها الأعراض المتقدمة للوباء، لكنها لا تتخذ أي إجراء مع من يعانون أعراضاً أولية، "هؤلاء يقدرون بالآلاف"، حسب قوله.
وأضاف المدير الذي رفض التصريح باسمه لحساسية منصبه، أن الوزارة وضعت بروتوكولاً للكشف عن الحالات ينص على فحص من يعاني من الحمى والسعال والرشح وضيق التنفس مع التركيز على كبار السن، في حين لا يعتد بالحمى والسعال والرشح دون وجود ضيق في التنفس.
هذه الطريقة في الفحص -كما يقول الطبيب- تجعل آلاف المصابين المحتملين لا يتعرضون لأي فحوصات من قبل الحكومة للتأكد من سلامتهم، وبالتالي فإن الأرقام المعلنة تبدو طبيعية بالنسبة لشروط الفحص المعمول بها.
وأوضح أن "هذه الآلية غير علمية وغير عملية لأننا قد نصطدم في أي لحظة بآلاف الإصابات التي كان يمكن وضعها في الحجر لو أنها أجرت الفحص بناء على الأعراض الأولية، لكننا تركناها تصل إلى مرحلة متأخرة من جهة، وتنتقل العدوى للمحيطين بها من جهة أخرى".
القطاع الصحي في حالة انهيار
ويؤكد الطبيب أن النظام الصحي المصري حالياً يعتبر في حالة انهيار بسبب الغياب الكامل لأدوات الوقاية والتعقيم، لافتاً إلى أن الأطباء والممرضين يمتنعون عن العمل في كثير من مستشفيات الحميات.
وتابع: "نحن في حالة طوارئ لكنني لا أستطيع أن أطلب من الطبيب أو الممرض أن يعمل في غياب كامل لآليات مكافحة العدوى. حالياً يتم ترتيب المناوبات بشكل ودي وهناك مستشفيات شهدت أياماً دون وجود طبيب واحد".
أزمة الكمامات والمستلزمات
وأوضح المتحدث أن وزيرة الصحة هالة زايد طالبت مدراء عدد من المستشفيات الأسبوع الماضي بتصنيع كمامات من القماش لسد العجز، لافتاً إلى أن هناك من يقوم حالياً بتصنيع هذه الكمامات رغم أنها تفتقد لمعايير السلامة.
وقالت إحدى الممرضات في إحدى مستشفيات الحميات لـ "عربي بوست"، إن الكادر الطبي حالياً يشتري القفازات والكمامات ومواد التعقيم على نفقته الخاصة، مؤكدة أن غالبية الأطباء والممرضين سيمتنعون عن العمل في حال حدثت سيناريوهات أسوأ.
العزل الصحي بالجملة
ولفتت الممرضة إلى أن عملية الفحص وعزل المشتبه بهم تتم بطريقة غير علمية وتفتقد للحد الأدنى من الـ "infection control"، إذ يتم وضع مجموعة من المشتبه بهم في حجرة عزل واحدة لحين وصول نتيجة الفحص من المعامل المركزية.
وتابعت "عندما تأتي نتيجة واحدة إيجابية فهذا يعني أن أصحاب النتائج السلبية غالباً أخذوا العدوى خلال وجودهم مع صاحب النتيجة الإيجابية في حجرة العزل".
مع ذلك يتم إخراج أصحاب النتائج السلبية من المستشفى مع مطالبتهم بعزل أنفسهم لمدة أسبوعين، على حد قولها.
الاهتمام بكبار السن
وقال طبيب متخصص بإحدى مستشفيات الحميات، إن وزارة الصحة المصرية لا تزال تعتمد على نظرية أن صغار السن والشباب لديهم القدرة على مواجهة الوباء والقضاء عليه دون حجر، من ثم فهي لا تهتم إلا بكبار السن أو من يعانون من أمراض أخرى، وهذا سبب تراجع أعداد المصابين الرسمية.
وأكد الطبيب لـ "عربي بوست" أن هذه الطريقة في التعامل مع الوباء لا تختلف عن طريقة مناعة القطيع التي أراد رئيس وزراء بريطانيا تطبيقها، مضيفاً: "هذه طريقة تساعد على نشر الوباء لأنه حتى لو استطاع البعض مقاومة الوباء فإنهم سينقلونه للمخالطين لهم".
وأضاف الطبيب أن كافة مشافي الحميات في مصر باتت مسخَّرة لاستقبال حالات كورونا فقط بعدما عاد كل المصابين بأمراض أخرى إلى بيوتهم خوفاً من العدوى، كما أصبحت أقسام الأطفال كلها خاوية منذ بدء انتشار الوباء.
مخاوف في القطاع الصحي
لكن الطبيب أكد أن النظام الصحي المصري بمثابة المنهار فعلياً في الوقت الراهن، لأننا نعاني عجزاً من أبسط الاحتياجات الطبية ونحن في مرحلة أولية من الوباء فكيف سنواجهه إذا دخلنا في مراحل أكثر خطورة؟
وشدد المتحدث على ضرورة إجراء فحص شامل لكافة العاملين في مستشفيات الحميات للتأكد من خلوهم من المرض، لافتاً إلى أن كثيراً من الحالات التي تحمل أعراض الوباء كانت تتردد على هذه المستشفيات على أنها حالات نزلات برد أو التهاب رئوي عندما كانت الحكومة تنكر وجود الوباء في مصر.
وقال مسؤول بوزارة الصحة لـ "عربي بوست" إن احتمالات انتشار المرض في صعيد مصر كبيرة بسبب عودة كثير من العاملين في مدينة الغردقة (الموضوعة تحت الحجر) إلى بلادهم بطرق غير مشروعة.
وأضاف أن هناك كثيراً من الإصابات التي اكشتفت مؤخراً في محافظتي قنا والمنيا كانت لأشخاص يعملون في الغردقة وخرجوا منها وهي تحت الحجر.