تحدثت صحيفة The Times البريطانية، الأحد 15 مارس/آذار 2020، عن أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أزاح آخر منافسيه على طريق توليه عرش والده الملك سلمان، مشيرةً بذلك إلى الأميرين البارزين أحمد بن عبدالعزيز، ومحمد بن نايف، اللذين أكدت وكالات وصحف غربية اعتقالهما يوم 7 مارس/آذار 2020.
المشهد العام: الصحيفة قالت إن هنالك آمالاً كانت معلقة بالأمير أحمد بن عبدالعزيز، وهو شقيق الملك سلمان، لتولي قيادة البلاد بدلاً من الأمير محمد.
تحدثت الصحيفة عن أمير سعودي يعيش في المنفى -لم تذكر اسمه- ونقلت عنه القول قبل أشهر إن "الأمير محمد لن يستمر أكثر من عام"، مشيرةً إلى أن هذا الأمير كان متفائلاً بوصول الأمير أحمد إلى سدة الحكم.
يبلغ الأمير أحمد من العمر 78 عاماً، وتقول عنه الصحيفة إنه "شخصٌ محترم بالنسبة لبعض المعارضين السعوديين -الذين عادوا إلى وطنهم من المنفى- وقادرٌ على إعادة الأمور إلى نصابها إذا تولَّى العرش، حسبما كان يأمل بعض أفراد العائلة المالكة الساخطين على الأمير محمد ووالده".
لكن تبين أنَّ ذلك الأمل في الأمير أحمد كان في غير محله، حين اعتُقِل منذ تسعة أيام على يد الحرس الشخصي للأمير محمد، مع "أنَّه كان واحداً من العديد من الشخصيات الملكية التي لم يكن من الممكن المساس بها سابقاً، والتي أطيحت تماماً، بناء على أوامر ولي العهد البالغ من العمر 34 عاماً"، وفقاً للصحيفة.
في هذا الصدد، شبَّه دبلوماسيٌّ غربي سابق قضى بعض الوقت في الرياض الأمير أحمد بالأمير تشارلز إدوارد ستيوارت، الذي اختير زعيماً ثورياً بناءً على سلالته وليس بناءً على أي قدرة حقيقية لديه لأن يكون زعيماً ثورياً.
يضيف الدبلوماسي متحدثاً عن الأمير أحمد: "إنَّه ليس من النوع الذي يُنظِّم انقلاباً، بل استُخدِم قائداً صورياً لأولئك الذين يريدون عدم وصول محمد بن سلمان إلى العرش".
أهداف من اعتقال الأمراء؟ تقول الصحيفة البريطانية إنه بعد اعتقال الأمير أحمد، ضَمِن ولي العهد عدم تبقِّي معارضةٍ كبيرة لحكمه، فبعد فترة وجيزة من توليه للمنصب عام 2017، احتجز صفوة رجال الأعمال السعوديين في فندق ريتزكارلتون في الرياض، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعدما دفعوا مبالغ طائلة، كما أخضع القوات المسلحة السعودية لسيطرته.
بالإضافة إلى الأمير أحمد، سجنت السلطات أيضاً ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف البالغ من العمر 60 عاماً، الذي كان أيضاً وزير الداخلية السابق.
رأت صحيفة The Times أنه في ظل اعتقال اثنين من كبار أفراد العائلة المالكة المعارضين لمحمد بن سلمان، إلى جانب وجود العديد من أفراد العائلة الآخرين خلف القضبان بالفعل، "سُحِقَت جميع التصورات الوهمية التي كانت تحلم بالتمرُّد عليه".
كذلك نقلت الصحيفة عن مصادر عدة في القصر الملكي السعودي وبعض المرتبطين بالعائلة المالكة -لم تذكر أسماءهم- قولهم إنَّ "هناك شائعات متداولة تفيد بأنَّ ولي العهد يوطِّد مكانته قبل وفاة والده البالغ من العمر 84 عاماً".
أحد المصادر المقربة من ساخطين ضمن العائلة المالكة، قال متحدثاً عن محمد بن سلمان: "لقد اعتقل هؤلاء الأشخاص لأنه يريد أن يتولى مسؤولية البلاد، وأن يكون الملك المُقبِل".
ماذا بعد؟ يعتقد الكثيرون من أفراد العائلة المالكة أنَّ الأمير محمد "يريد تولي العرش قبل شهر رمضان المقبل، أو قبل قمة مجموعة العشرين المقرر انعقادها في الرياض، في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. ويريد كذلك أن يصبح ملكاً في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحسُّباً لعدم حصوله على دعم الرئيس الأمريكي المقبل".
في هذا الصدد، قال مصدران مقربان من الديوان الملكي للصحيفة البريطانية، إنَّ "الأمير أحمد والأمير محمد بن نايف أصبحا مستهدفين من محمد بن سلمان، بعدما ظلَّا يشتكيان من نمط حياتهما في المملكة العربية السعودية، على عكس الأمراء الآخرين، الذين تقبَّلوا عيش حياة هادئة متمثلة في ممارسة الصيد والتخييم في الصحراء".
في السياق نفسه أيضاً، جرَّد محمد بن سلمان وزارة الخارجية، التي كانت معقل قوة محمد بن نايف، من مصادر قوتها، وأحكم سيطرته على القوات المسلحة، وقال الدبلوماسي الغربي السابق: "يعيش الكثيرون من مساعدي محمد بن سلمان الأكفاء السابقين، الذين كان بإمكانهم تشكيل جبهةٍ ما وفعل شيءٍ مؤثِّر، في المنفى الآن. أمَّا أولئك الذين ما زالوا يعيشون في البلاد فأصبحوا بلا وظائف".
أمَّا الأمير أحمد، فبسبب خلفيته المرموقة في العائلة المالكة واستمراره 37 عاماً في منصب نائب وزير الخارجية، كان أنصاره يعتبرونه عضواً فعَّالاً متمرساً داخل الأوساط الملكية وركيزةً أساسية لمعارضة محمد بن سلمان، بمعنى أنَّه كان شخصاً يمكنهم الالتفاف حوله ضد ولي العهد.
ومع أنَّه تقاعد منذ ست سنوات -ويقضي معظم وقته في لندن- عُرِض له مقطعٌ مصوَّر ينتقد فيه حكام المملكة، ففي عام 2018، حين اقترب منه بعض المتظاهرين المحتجين ضد الحرب في اليمن الذين كانوا يهتفون ضد العائلة المالكة، قال لهم: "ما علاقة ذلك بآل سعود؟ المسؤولون هم الملك وولي عهده".
عودة للوراء: عندما استُدعِيَ الأمير أحمد إلى المملكة العربية السعودية من لندن بعد وفاة خاشقجي في عام 2018، ابتهج بعض الدبلوماسيين، معتقدين أنَّه قد يساعدهم ويخفف من حدة إصلاحات ولي العهد الأكثر صرامة.
لكنَّ هذا الحماس اتضح أنَّه في غير محله. إذ ذكر أناسٌ أمضوا معه وقتاً طويلاً أنَّه معروف منذ عقود بين عائلته والأوساط الدبلوماسية بمشكلاتٍ تتمثل في تأخره الدائم وعجزه وتواضع شخصيته.
بعض المصادر قالت إنَّ اعتباره قائداً لمعارضة محمد بن سلمان لم يكن سوى مؤشرٍ على مدة اتساع نطاق حملة التطهير التي شنَّها ولي العهد، فكل ما في الأمر أنَّه كان آخر شخصٍ متبقٍّ في صفوف هذه المعارضة.