قالت خطيبة جمال خاشقجي إن العالم أخفق في محاسبة المملكة العربية السعودية على مقتل الصحفي والكاتب السعودي جمال خاشقجي، وإن المملكة "تشجعت على فعل ما تشاء" دون أن تنال أي عقوبات عالمية ذات جدوى، وفقاً لما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
هذا ما قالته جنكيز: خديجة جنكيز، وهي باحثة وناشطة تركية، قالت إن غياب عقوبات عالمية ذات جدوى ضد السعودية، بعد أكثر من عام على مقتل خاشقجي الوحشي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، قد بعث برسالة مفادها أن المملكة "يمكنها أن تفعل ما تريد، وأن تنجو بأفعالها"، مضيفة: "لأن هؤلاء الأشخاص لم يعاقبوا على ما فعلوه، ولأن العالم اختار أن يتجاوز الأمر ببساطة، فما يزال بإمكانهم فعل ما يريدون".
تحدثت خديجة إلى صحيفة The Guardian في واشنطن، حيث كان من المقرر أن تحضر خطاب حالة الاتحاد، أمس الثلاثاء 4 فبراير/شباط 2020، بدعوة من النائب الديمقراطي جيري كونولي، الذي طالب بوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإغلاق المحتمل للمنشآت الدبلوماسية السعودية في الولايات المتحدة.
تفاصيل مقتل خاشقجي: في هذا اللقاء الموسّع، تحدثت السيدة البالغة من العمر 37 عاماً عن حياتها منذ 2 أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، عندما لم يخرج خاشقجي، الصحفي في The Washington Post، من القنصلية السعودية بعد دخوله إليها لاستخراج الوثائق التي يحتاجها لزواجهما، تاركاً إياها تنتظره في الخارج.
كما أثبت تحقيق في عملية القتل أجرته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بعمليات القتل خارج نطاق القانون، أغنيس كالامارد، أن خاشقجي قُتل على يد فريق اغتيال سعودي، فيما وصفته بأنه قتل مع سبق الإصرار خارج نطاق القضاء بإذن من حكومة دولة. فيما توصلت وكالات الاستخبارات الأمريكية بشكل منفصل إلى درجة من اليقين من متوسطة إلى عالية بأن مَن أمر بالقتل هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
كيف ردت السعودية؟ زعمت تحقيقات لاحقة وتقرير نُشر في صحيفة The New York Times الأمريكية أن محمد بن سلمان ناقش فكرة قتل خاشقجي "برصاصة" عام 2017.
فيما قالت الحكومة السعودية إن القتل كان "عملية مارقة" ولم يكن بأمر من الأمير محمد. وقال ولي العهد، في مقابلة مع برنامج 60 Minutes إنه "يتحمل المسؤولية الكاملة عن القتل، خاصةً لأن مَن ارتكبه أفراد يعملون لحساب الحكومة السعودية".
ماذا بعد مقتل خاشقجي؟ خديجة تحدثت عن صدمتها وحزنها الغامر منذ مقتل خاشقجي، ووصفت كيف أنها شعرت بأنها "منفصلة عن الحياة لفترة طويلة".
فرغم حديثها عن شعورها "بالخوف الشديد" على سلامتها، كانت كلماتها تحمل إصراراً على تحقيق العدالة، وغضباً إزاء ما تصفه بأنه فشل العالم في حساب السعودية على قتل الرجل الذي أحبته.
وقالت: "لقد تشجعوا على متابعة أجندتهم إلى أبعد من ذلك، إذا حدث أي شيء لي أو لأي شخص الآن، كيف سيكون شعورهم؟ العالم سيكون مسؤولاً، ومسؤوليته ستصبح مضاعفة".
مقررة الأمم المتحدة تتحدث عن جنكيز: نادراً ما تمتنع خديجة عن توبيخ الغرب -من الأمم المتحدة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة- ورده على جريمة القتل. إذ قالت أغنيس مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء إن خديجة تتمتع بـ "شخصية قيادية". فعندما التقتا للمرة الأولى، قضت خديجة 20 دقيقة في استجواب المحققة الفرنسية حول خلفيتها ونواياها.
أغنيس تقول: "سألتني أسئلة فاحصة وشعرت أنني بحاجة إلى اجتياز هذا الاختبار إذا كنت أعتزم إجراء حوار معها. ودار بيننا حديث طويل ومثمر بعد ذلك، وكان مهماً لتحقيقي. هناك الكثير عن خديجة جنكيز يتجاوز كونها ضحية أو خطيبة جمال خاشقجي؛ فهي ذكية، وشجاعة، وتحدت القواعد وتستمر في تحديها".
جنكيز تحت المراقبة: فيما أوردت صحيفة The Guardian الأسبوع الماضي أن السلطات الأمريكية حثت نظراءها البريطانيين على أن يحرصوا على أن تظل خديجة تحت ناظريهم في لندن الصيف الماضي، لاعتقادهم أن السعودية لديها "رغبة ونية" لمراقبة خديجة في المملكة المتحدة.
خديجة قالت إن أحداً لم يحذرها من هذا التهديد، لكن مخاوفها على سلامتها كانت شاغلها الدائم. وقالت: "أليست الحقيقة هي أنني تعرضت لهجوم على حياتي الخاصة؟ لأن هذه الأمور تمنعني من أن أعيش حياتي الطبيعية".
فيما وصفت خديجة علاقتها بخاشقجي بأنها عاطفية، وقالت إن الصحفي لم يشاركها تفاصيل عمله. لكنها تذكر أنه كان على علم بالحملة الموجهة ضده على تويتر، ومحاولة الانتقام من انتقاداته لولي العهد السعودي المنشورة في صحيفة The Washington Post.
آخر أيام الصحفي خاشقجي: خديجة تذكر شعورها بالدهشة بعد أن أخبرها خاشقجي بأن المتصيدين السعوديين الذين يهاجمونه على الإنترنت جعلوه يشعر "بالحزن". وقالت: "وقال إنهم يستطيعون فعلاً أن يعبثوا بعواطفك ومشاعرك"، وإنه حاول ألا يولي هذا الأمر الكثير من اهتمامه.
فيما لم يتحدث الاثنان عن خشية خاشقجي من أن يكون مُراقباً أو أن يكون هاتفه المحمول معرضاً للاختراق. لكن خديجة أشارت إلى أنه تواصل مع كبار المسؤولين السعوديين -أمراء ومسؤولين آخرين- عبر تطبيق واتساب.
برامج تجسسية على المعارضين: عمر عبدالعزيز، المعارض السعودي القريب من خاشقجي والمقيم في كندا، قال في دعوى قضائية إسرائيلية إن برنامجاً مملوكاً لشركة NSO Group الإسرائيلية اُستخدم لاختراق هاتفه لصالح السعودية. وقد حدث هذا الاختراق في وقت كان هو وخاشقجي يتبادلان فيه "مئات" الرسائل على واتساب. إلا أن شركة NSO Group أنكرت هذه المزاعم، وأكدت بشكل قاطع أن برنامجها لم يُستخدم قط لاستهداف خاشقجي شخصياً.
فيما قالت خديجة: "من الواضح أنه يتعين على المجتمع الدولي منع الناس من استخدام هذه البرامج التجسسية. يمكننا أن نرى كيف تُستخدم برامج التجسس بوضوح كي تفعل الحكومة شيئاً خاطئاً، شيئاً ضاراً. أليست هذه جريمة دولية؟".
عودة إلى الوراء: يُذكر أنه في ديسمبر/كانون الأول، أعلن النائب العام في السعودية أن خمسة رجال حُكم عليهم بالإعدام، وأن ثلاثة آخرين سيواجهون عقوبة السجن، بسبب أدوارهم في مقتل خاشقجي. وتعرضت هذه المحاكمة السرية لانتقادات شديدة من نشطاء حقوق الإنسان ووصفوها بأنها خدعة. إذ "برأت" المحاكمة ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى من الجريمة، من بينهم سعود القحطاني، وهو مساعد مقرب من ولي العهد فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدوره المزعوم في تخطيط وتنفيذ عملية القتل.
كما ترفض خديجة نتائج هذه المحاكمة رفضاً قاطعاً، وقالت: "إذا كان محمد بن سلمان يتحمل المسؤولية بالفعل، كما قال في إحدى المقابلات، فلماذا لم يشرح سبب الحكم على الخمسة بالإعدام؟ مَن هؤلاء الناس، وماذا يحدث مع الآخرين؟ هل اعتقدوا حقاً أننا سنقبل هذه الأحكام دون أي تفسير؟".
وقالت: "من ناحية، قال محمد بن سلمان إنه يتحمل المسؤولية، لكنه من ناحية أخرى، يهرب منها!".