يترقب الشارع الفلسطيني تنفيذ تهديد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بوقف التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية، والذي أعلن عنه في مؤتمر القمة العربية بالقاهرة مطلع الأسبوع الجاري، لكن حتى هذه اللحظة لا يوجد على الأرض ما يشير إلى تطبيق هذا القرار.
لكن عباس بدا أنه يتراجع عن موقفه هذا من التنسيق الأمني، حين أشار في مؤتمر جمعه بقائد جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج وقادة الأجهزة الأمنية بعد عودته من القاهرة، إلى أنه "سيُوقف التنسيق الأمني في حال لم تتراجع الإدارة الأمريكية عن طرح صفقة القرن"، وهو ما يشير إلى عدم وجود قرار نهائي يقضي باستمرارية أو وقف العلاقة الأمنية مع إسرائيل.
تقليص وليس وقفاً.. التنسيق الأمني بوجهه الجديد
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن السلطة الفلسطينية أبلغت إسرائيل أنها لن توقف التنسيق الأمني معها، لكنها ستقلّصه، إلى جانب عدم منع المتظاهرين الفلسطينيين من الوصول إلى نقاط التماس مع الجيش الإسرائيلي، كما كانت تفعل في السابق.
وبحسب وسائل الإعلام، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أرسل رسالة بخط يده إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هدد فيها بوقف التنسيق الأمني، وتغيير قواعد وأسس التعامل مع إسرائيل بالكامل إذا أقدم على تنفيذ مخطط ضم الأغوار والمستوطنات إلى سيادة إسرائيل.
تنفيذ التهديد بوقف التنسيق الأمني مستحيل
ونقل موقع "ميدل إيست آي" عن مسؤولين فلسطينيين بأن تهديد عباس بقطع التعاون الأمني مع إسرائيل يبدو مستحيلاً، لأن وقفه سيؤدي إلى اشتباكات مسلحة بين جنود الاحتلال والشرطة الفلسطينية إن دخلت مناطق السلطة، وهو ما يعني تحقيق فرضية انهيار السلطة في الضفة الغربية.
عبدالجواد صالح، عضو اللجنة التنفيذية السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو المجلس المركزي الحالي، قال لموقع "عربي بوست" إن "السلطة الفلسطينية تعتبر أن استمرار التنسيق مع إسرائيل هو دورها الرئيسي الذي أُنشئت من أجله، وفي حال مسَّت بهذا الملف فهذا يعني سقوطها، وانهيار حركة فتح، ودفن مشروع التسوية، الذي يعد استراتيجية السلطة الوحيدة المتبقية أمام الطرف الإسرائيلي".
عباس يفاخر بتنسيقه مع المخابرات الأمريكية
وأكد صالح أن "قرار وقف التنسيق الأمني موضوع على طاولة الرئيس الفلسطيني منذ 2015، وقد حصل على موافقة من مؤسسات منظمة التحرير كافة لتطبيقه، لكنه لا يريد صراحة أن يوقفه، وهو يتفاخر في اجتماعات القيادة بأنه متعاون أمنياً مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل مطمئنة لهذا الموقف".
وخلال اجتماعه مع وزراء الخارجية العرب، أبرز الرئيس علاقته الوثيقة بالمخابرات الأمريكية (سي آي إيه)، وقال إنها راضية عن أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مكافحة الإرهاب
ويعد التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل جزءاً من ترتيبات الوضع النهائي التي أعلنها اتفاق أوسلو لعام 1993، وما تلاه من اتفاقيات لاحقة كاتفاق طابا 1995، واتفاقية واشنطن في العام ذاته، واتفاقية واي ريفر 1998.
بموجب هذه الاتفاقيات مُنحت إسرائيل الحق كاملاً في ضبط الأمن بالمناطق المشتركة في الضفة الغربية بالتعاون مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وتشكيل لجنة مشتركة للإشراف على عمليات الاقتحام أو اعتقال المشتبه بهم في التخطيط، أو تنفيذ عمليات تهدد الأمن الإسرائيلي.
اعتقال المقاومين وحديث عن امتيازات مالية إسرائيلية للقادة الأمنيين
يأخذ التنسيق الأمني عدة أشكال، من بينها تسيير دوريات مشتركة فلسطينية وإسرائيلية؛ لضمان أمن المناطق الفلسطينية، وملاحقة سلاح المقاومة، واعتقال المشتبه بهم في التخطيط، أو تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، واستهداف البنى التحتية لأي نشاط يشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي، وإعادة المستوطنين الإسرائيليين الذين يدخلون القرى والضواحي الفلسطينية.
وقد أعلن نداف أرغمان، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"، إحباط أكثر من 560 هجوماً كبيراً، من بينها 10 عمليات فدائية، و4 عمليات خطف، وأكثر من 300 عملية إطلاق نار خلال 2019.
هشام المغاري، عميد كلية العودة للعلوم الأمنية في غزة، قال لـ "عربي بوست"، إن "تهديدات عباس بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل لم تعُد مُجدية، في ظل تحكُّم أطراف ذات مواقع قيادية بالأجهزة الأمنية يتبعون لماجد فرج، يتواصلون مباشرة مع نظرائهم الإسرائيليين؛ للإبلاغ عن أي نشاط قد يشكل تهديداً لأمن إسرائيل مقابل حصولهم على امتيازات مالية، وتوفر إسرائيل للضباط وعناصر قيادية في "فتح" حماية أمنية؛ خشية تصفية الفصائل لهم".
وإسرائيل قد تحاصر الضفة
وأضاف المغاري أن "إسرائيل وضعت عدة سيناريوهات تحسُّباً لأي خطوة فلسطينية مفاجئة، من بينها تطويق الضفة الغربية بألوية عسكرية، وتفكيك مؤسسات السلطة الفلسطينية، وإعادة تفعيل سياسة روابط القرى".
بلغة الأرقام تصل قيمة الدعم المالي الأمريكي لأجهزة الأمن الفلسطينية إلى 100 مليون دولار سنوياً، رغم فرض الإدارة الأمريكية حصاراً مالياً على السلطة منذ 2017، تركز على تمويل البرامج التشغيلية المخصصة لقطاع البنى التحتية في فلسطين والأونروا وموازنة السلطة، إلا أن الدعم الأمريكي لأجهزة الأمن لم يتوقف.
وبدأت السلطة باستخدام ورقة وقف التنسيق الأمني منذ توقف المفاوضات أواسط 2014. وفي 2015، دعا المجلس المركزي التابع لمنظمة التحرير إلى وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وفي 2018 دعا المجلس الوطني إلى إعادة النظر في العلاقات كافة مع إسرائيل، وضمنها الأمنية، وفي 2019 أكد المجلس الثوري لـ "فتح" هذه التوصيات.
حسن خريشة، النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، قال لموقع "عربي بوست"، إن "السلطة الفلسطينية إن كانت جادة في وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، فهذا يتطلب منها دعوة الفصائل والقوى السياسية إلى الحصول على دعم كامل للوقوف معها وتحمُّل تبعات هذا القرار، إن خشيت من تبعاته".
وأضاف خريشة أن "أي وقف للتنسيق الأمني مع إسرائيل يتطلب حث المجلس التشريعي على إقرار حزمة من القوانين، من بينها تفعيل عقوبة الإعدام؛ لإدانة من يُتهم بالتواصل مع الجانب الإسرائيلي، من أجل رفع الحرج عن رئيس السلطة، الذي يخشى من تبعات القرار".
عرفات تحايل عليه وأبو مازن التزمه
مرَّ التنسيق الأمني بمرحلتين: الأولى مع اندلاع انتفاضة الأقصى أواخر 2000، حيث تراجع مستوى التنسيق الأمني، ومن أبرز ملامحه توفير الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات غطاء للفصائل المسلحة بتنفيذ عمليات ضد الأهداف الإسرائيلية دون اعتقالهم وملاحقتهم.
أما المرحلة الثانية فجاءت متزامنة مع تولي عباس رئاسة السلطة في 2005، وبدء الانقسام بين "حماس" و "فتح"، وتميزت هذه المرحلة بتعميق أواصر التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة، وبروز دور المخابرات الأمريكية (CIA)، بإشرافها المباشر على تدريب عناصر المخابرات الفلسطينية على مكافحة مخاطر التهديد الأمني، وتوفير أجهزة التنصت والمعدات العسكرية لملاحقة فصائل المقاومة في الضفة الغربية.
لو صدق في تهديده لأوقف صفقة القرن
عبدالستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح، قال لـ "عربي بوست"، إن "سياسة التسويف التي ينتهجها عباس بشأن التنسيق الأمني مع إسرائيل شجعت الإدارة الأمريكية وإسرائيل على التمادي في طرح مشاريع تصفوية تستهدف القضية الفلسطينية".
وأضاف قاسم أن "استخدام عباس ورقة وقف التنسيق الأمني محاولةٌ لذرِّ الرماد في العيون، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته بممارسة ضغط على إسرائيل لوقف تطبيق صفقة القرن، والتخويف بأن وقف التنسيق الأمني ستكون تبعاته كارثية على مستوى استقرار المنطقة".
لا تخفي السلطة مخاوفها من أن يؤدي وقف التنسيق الأمني إلى أحداث قد يستغلها منافسوها، خصوصاً "حماس"، التي تتهيأ لفرصة سانحة تمكّنها من إعادة تفعيل كوادرها المسلحة في الضفة؛ لتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية، على غرار قوتها العسكرية بقطاع غزة.