قبل نحو ثلاثة أشهر من هروب كارلوس غصن، عملاق صناعة السيارات، من اليابان إلى لبنان، زار أحد العملاء الذين أسهموا في خطة إخراجه، مطار كانساي الدولي بمدينة أوساكا في اليابان، وأدرك أن هناك ثغرة أمنية ضخمة، وفقاً لما ذكره شخص مطَّلع على الأمر.
وقال هذا الشخص إن محطة الطائرات الخاصة كانت أكثر هدوءاً من تلك الموجودة في معظم المطارات الأخرى، وخالية بصفة أساسية إلا إذا كانت هناك رحلة قادمة. والأكثر من ذلك أن الأمتعة كبيرة الحجم كانت أكبر من أن تمر بداخل أجهزة المسح الضوئي الخاصة بالمطار.
حسب صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، فقد كانت لتلك الثغرة الأمنية أهمية حاسمة في عملية هروب غصن من اليابان، وهي عملية جديرة بتحويلها إلى فيلم سينمائي، بعدما أُطلِق سراحه بكفالة على أثر مواجهته تهماً بارتكاب جرائم مالية، وهي الاتهامات التي أنكرها غصن، معلناً في وقت سابق أنه سينازع خصومه قضائياً.
صندوق معدات موسيقية بثقب للتنفس
وبحسب ما ذكرته صحيفة Wall Street Journal في تقرير سابق لها، تضمنت عملية الهروب انتقالاً سريعاً لمسافة 300 ميل عبر اليابان، من منزل غصن الخاضع للرقابة في طوكيو وصولاً إلى مطار أوساكا، ليجري تهريبه بعدها داخل صندوق أسود كبير، يُستخدم بشكل عام لمعدات الحفلات الموسيقية، محفورة في قاعه ثقوب تهوية للتنفس من خلالها، قبل أن يُشحن على متن طائرة خاصة كانت بانتظاره.
نقلت الخطة غصن إلى تركيا، حيث بدَّل الطائرات في أجواء عاصفة مطيرة قبل الفجر، لتصل به الطائرة الجديدة إلى لبنان، وهي الدولة التي يحمل جنسيتها والمعروف عنها أنها لا تسلم مواطنيها.
رجلان أمريكيان كانا في الرحلة
يُذكر أن الطائرة التي تحركت من أوساكا كانت تحمل على متنها اثنين من رجال الأمن الأمريكيين: الأول هو مايكل تايلور، وهو ضابط سابق بالقوات الخاصة البريطانية له باع طويل في إنقاذ الرهائن.
وذكر أشخاص على دراية بمخططات غصن، أنه اتخذ قراره النهائي الخاص بالمضي قدماً في الخطة بأواخر الشهر الماضي فقط، بعد ظهور علامات على أن محاكمته قد تستمر سنوات، ووسط رفض المحكمة السماح له بالاتصال بزوجته خلال العطلات.
لكن وفقاً لأفراد مطَّلعين على المسألة، بدأ العمل الفعلي على خطة مفصلة لإخراج السيد غصن من اليابان قبل عدة أشهر. وقال أحد هؤلاء الأشخاص إن عملية التخطيط تضمنت فريقاً مكوناً من 10 إلى 15 شخصاً من جنسيات مختلفة.
على حد قول هذا الشخص، خاض الفريق أكثر من 20 رحلة إلى اليابان، وزار ما لا يقل عن 10 مطارات يابانية قبل اختيار مطار أوساكا بوصفه الحلقة الأضعف لاختراقه.
وقال متحدث باسم الجهة القائمة على تشغيل المطار، إن عملية تأمينه لا تختلف عن المطارات الأخرى في اليابان. وقال إنه من المفترض أن يقوم موظفو الأمن بفتح وتفتيش جميع الأمتعة التي يكون حجمها أكبر من أن تعبر داخل أجهزة المسح الضوئي، لكن خبيراً في أمن المطار قال إنهم لا يضطرون إلى ذلك مع المسافرين على متن طائرات خاصة، لأن خطر أن يكونوا إرهابيين يصبح أقل. وأوضح الخبير أن شركات الطيران في اليابان تعد المسؤولة عن الأمن، مستخدمةً شركات الأمن الخاصة، عكس الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتولى الحكومة مسألة الأمن فيها.
وقال مسؤولون يابانيون إن التحقيق جارٍ لتحديد الكيفية التي فر بها غصن من اليابان. ومن جانبه، أعلنت وزيرة العدل اليابانية، خلال عطلة الأسبوع الماضي، عن تعزيز إجراءات التحقق عند مغادرة البلاد.
أما غصن، فقد أعلن في وقت سابق، أنه رتب سفره إلى لبنان بمفرده، دون مساعدة من عائلته.
يُذكر أن غصن كان قد اعتُقل في نوفمبر/تشرين الثاني في عام 2018، بتهمة ارتكاب جرائم مالية تعود لعهد قيادته شركة نيسان موتور، وقضى شهوراً بزنزانة صغيرة في طوكيو يخضع لاستجواب منتظم من قِبل المدعين، دون حضور أي محامٍ للدفاع عنه.
ومنذ إطلاق سراحه بكفالة للمرة الثانية في أبريل/نيسان الماضي، خضع غصن لقيود صارمة فيما يتعلق باتصاله بزوجته، واشتكى بمرارة من نظامٍ قضائي ياباني أحس بأنه متكاتف ضده. من جانبهم، دافع المسؤولون اليابانيون عن نظامهم القضائي، وأكدوا أنه كان سيخضع لمحاكمة عادلة.
ووفقاً للمصدر المطلع على الأمر، تكلفت خطة الهروب ملايين الدولارات. إذ يقول خبراء الأمن إن فريق الإخراج عادةً ما يتقاضى مصاريفه في مهام الإنقاذ المماثلة، ثم يتلقى مكافأة ضخمة عند إتمام المهمة بنجاح.
من هو جورج زايك
يُذكر أن الطائرة الخاصة القادمة من أوساكا حملت كذلك على متنها جورج زايك، وهو مواطن أمريكي من أصل لبناني كان يعمل سابقاً مع شركة الأمن التي يديرها تايلور من مقرها في بوسطن.
إضافة إلى أنه شقيق إلياس زايك، أحد مؤسسي ميليشيا القوات اللبنانية، الذي اغتيل في عام 1990 قبل أشهر قليلة من انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية. ووفقاً لبعض أقاربه، أصيب جورج زايك في الحرب بلبنان في السبعينيات، ليصاب بعرجٍ على إثر ذلك.
ووفقاً لأقربائه، رحل زايك إلى الولايات المتحدة في أوائل الثمانينيات، لتطول مدة إقامته بعد مقتل شقيقه، ويصبح مواطناً أمريكياً في نهاية المطاف. وذكر أقرباؤه أنه عمِل في قطاع الأمن الخاص مع القوات الأمريكية بأفغانستان والعراق.
يُذكر أن صحيفة New York Times الأمريكية كانت قد استعانت بشركة الأمن المملوكة لتايلور البالغ من العمر 59 عاماً، والتي كان مقرها بوسطن، في عام 2009، للمساعدة في إنقاذ المراسل الصحفي ديفيد رودي من أَسر حركة طالبان بأفغانستان.
وكان تايلور قد أخبر أصدقاءه مؤخراً بأنه يتعاطف بشدة مع المحنة القانونية التي يمر بها غصن، بعد تجربته الخاصة مع نظام العدالة الجنائية الأمريكي الذي أدى إلى معاقبته بالحبس.
إذ واجه تايلور في عام 2012 اتهامات في قضيتين جنائيتين تتعلقان بالتحقيق الفيدرالي في التلاعب بالعطاءات بمبلغٍ قيمته 54 مليون دولار في عقود وزارة الدفاع. طعن تايلور وقتها في الاتهامات، وقضى 14 شهراً بسجن محلي في ولاية يوتا، في ظل ما وصفه بظروف قاسية في أثناء انتظار المحاكمة. وفي النهاية، أقر بأنه مذنب في تهمتين، وقضى ما مجموعه 19 شهراً خلف القضبان.
بحسب أحد معارفه، بعد أن علِم تايلور بقضية كارلوس غصن، المدير التنفيذي الذي كان يواجه معركة قضائية، بدأ الإشارة إليه في حديثه بوصفه "رهينة".
ووفقاً لمذكرة الحكم التي أصدرها محاموه في قضيته الجنائية، عمِل تايلور أيضاً مع مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الخارجية لإنقاذ ضحايا الاختطاف خارج البلاد، وعمل متخفياً أربعة أعوام مع الحكومة الأمريكية؛ لمساعدتها في تحقيق يتعلق بالمخدرات وغسل الأموال أواخر الثمانينيات.
علاوة على ذلك، يتمتع تايلور بعلاقات قوية في لبنان. حسبما ورد في المذكرة، أُوفد تايلور إلى لبنان بوصفه ضابطاً في القوات الخاصة البريطانية بأواخر الثمانينيات، وهناك التقى زوجته. وعمِل لاحقاً على تدريب الميليشيات المسيحية اللبنانية بصفته متعهداً خاصاً، فضلاً عن أنه يتحدث اللغة العربية.
كان تايلور بلبنان منهمكاً في العمل على قضية سرية مع إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية عندما وُجهت إليه الاتهامات في عام 2012. وما كان منه إلا أن سافر جواً إلى الولايات المتحدة، ليُعتقل فور وصوله إلى ولاية يوتا الأمريكية، حيث كانت القضية موضع الادعاء.
من جانبه، دافع محاميه عنه مؤكداً ولاءه للبلاد، إذ كتب في مذكرة الحكم التي صدرت بعد ذلك: "كان تايلور عاملاً رئيسياً ورابطاً جوهرياً في واحدة من أكثر عمليات إدارة قوانين مكافحة المخدرات أهميةً في التاريخ". ومما هو جدير بالذكر أن المذكرة نُقّحت لحجب كل شيء عن هذه العملية فيما عدا بضع كلمات.