لا شك أن حالة التفاعل الملحوظ في الفترة الأخيرة مع قضية المسلمين في تركستان الشرقية، تستحق الوقوف عندها، إذ تشير إلى أن بلادنا مهما انشغلت بقضاياها الداخلية إلا أن شعوبها حيوية تمتلك حس الأخوة ونصرة المظلوم، لكن سيكون هذا التفاعل أشد تأثيراً إذا جرى استثماره بما يصب في صالح أصحاب المعاناة أنفسهم وكل من لديهم معاناة من المسلمين حول العالم لا أن يتبدد مع الوقت ويصبح كما سبقه من حراك مؤقت.
ومربط الفرس في الأثر هو المعرفة، والمعرفة تأتي بفهم ماذا حدث وماذا يحدث على الأقل الخطوط العامة لواقع المسلمين هناك، فالمعرفة تجعل القضية قائمة بالنسبة لنا حتى وإن انشغلنا عنها مؤقتاً مثل فلسطين، ففي حالات مشابهة تبدد التفاعل كثيراً عندما لم يتعد الأمر مجرد السؤال عن دور الآخرين، ولا ينتقل إلى السؤال عن دورنا نحن، وماذا يمكننا أن نفعل.
هناك وسائل كثيرة نستطيع من خلالها أن نساعد أصحاب المعاناة من الأقليات المسلمة حول العالم، على سبيل المثال ما يأتي:
ماذا لو أعد أبناء كل قضية كتيباً تعريفياً بقضيتهم وأسباب معاناتهم ودوافعها ودورهم وتوفيره للناس والمؤسسات؟
ولا يقل أهمية عن هذا عدم تجاهل التجارب الناجحة لأقليات مسلمة أخرى في التعايش وتسليط الضوء عليها أيضاً كونها توفرت لها سبل التعايش ونجحت في الاندماج الإيجابي، فالتركيز على البكائية والمضطهدين وحدهم يدفع الناس للاعتقاد بأن المشكلة في المسلمين والإسلام، إذ لم يتضح لهم الفرق كون هؤلاء الذي نجحوا توفرت لهم بيئة مناسبة للتعايش المشترك، وأن أصحاب المعاناة لم تتوفر لهم هذه الفرصة للتعايش مثل غيرهم.
ماذا لو نظمت المراكز الإسلامية والمساجد لدى المسلمين في الغرب نشاطاً تعريفياً بقضية تركستان الشرقية أو غيرها من قضايا المعاناة مثل الروهينغا أو ما يحدث حالياً في الهند؟
ماذا لو أن المدرس -حال استطاعته- استثمر جزءاً من الحصة في تعريف طلابه بواقع المسلمين هناك بعد أن تتكون لديه معرفة واعية بما يحدث؟
علينا أيضاً التحول من التأثر بالشهرة إلى فهم الواقع، جميل ما فعله اللاعب مسعود أوزيل، لكن الأجمل أن يدفعنا للبحث عن أصحاب المعاناة أنفسهم لا تداول صور أوزيل حتى أصبح يتحول إلى فتاة رموش جديدة، مع تقديرنا لمواقفهم بالطبع.
تداول صور وفيديوهات دون أن نتحقق منها على أنها من تركستان الشرقية لن يفيد بشيء إن لم يضر مثل ما حدث مسبقاً مع الروهينغا، فالمعلومة أهم وأبقى أثراً.
ماذا لو أسست الجامعات مقرراً دراسياً حول واقع المسلمين حول العالم، أو دبلوماً دراسياً يتعلق بفهم ودراسة واقع الأقليات المسلمة؟
فهم دوافع الآخر في ممارساته تجاه المسلمين، فكثيرون يقولون إن الدين وحده السبب فيما يحدث بتركستان الشرقية وينسون أننا نتكلم عن بلد ممتد وثروات ضخمة وفي سبيلها تفعل الصين ما تفعل، وإلا كيف نفسر ما تفعله الصين في إقليم التبت غير المسلم؟
السعي إلى الاستفادة من الوجود الشعبي للمسلمين حول العالم باعتبارهم امتداد شعبي ومحاولة الاستفادة من وجودهم لاسيما الأقليات منهم في تقريب وجهات النظر وأن يكونوا همزة وصل للتقارب.
الانتقال من السؤال عن حقوق المسلمين وهي مهمة طبعاً، إلى السؤال عن دور المسلمين أنفسهم تجاه مجتمعاتهم غير المسلمة ومدى إسهامهم في استقرارها وتقدمها.
المعرفة بواقع المسلمين حول العالم تحول التعامل المؤقت مع كل واقعهم إلى عمل دائم ولا نحتاج كل مرة البدء من أول السطر للتعريف المبدئي بالأمر، فالمعرفة تنقلنا من نقطة التعاطف إلى التعامل مع قضايا المسلمين باعتبارها قضايانا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.