بعدما كانت رمزاً للديموقراطية، تجد مستشارة الدولة البورمية أونغ سان سو تشي نفسها في مقدم المواجهة للدفاع عن جيش بلادها ضد اتهامات "الإبادة" الموجهة إليها بحق أقلية الروهينغا، وذلك بعد قرارها المفاجئ بالحضور شخصياً إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، حسب تقرير موقع فرانس 24.
وأسفرت الجرائم المستمرة عن مقتل آلاف الروهنغيا، حسب مصادر محلية ودولية متطابقة، فضلاً عن لجوء قرابة مليون إلى بنغلاديش، وفق الأمم المتحدة. ويتهم الجيش الميانماري بارتكاب إبادات جماعية ومجازر وحملات اعتقال خارج نطاق القضاء، وعمليات خطف، فضلاً عن استخدام الاغتصاب الجماعي كأداة من أدوات الحرب.
رحب تحالف جماعات متمردة عرقية في ميانمار، بجهود المجتمع الدولي لمعاقبة جيش البلاد عبر القنوات القانونية بتهمة ارتكابه إبادة جماعية ضد الأقليات بمن فيهم أقلية الروهينغا المسلمة غربي البلاد.
يرفعون صورها في البلاد
رُفعت في جميع أنحاء بورما لافتات كبيرة تحمل صوراً لأونغ سان سو تشي وكتب عليها "نحن إلى جانبك"، فيما تستعد الحائزة جائزة نوبل للسلام للمواجهة في محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة حول أزمة الروهينغا. ويقوم مناصرو سو تشي بدعمها عبر طباعة شعارات مؤيدة لها على قمصان، وتنظيم تجمعات وحجز رحلات إلى لاهاي لإظهار تأييدهم لها.
عززت الأحزاب السياسية في البلاد وكذلك بعض المجموعات المتمردة المسلحة جهودها لإبراز الدعم للمستشارة، في بلد لا تحظى فيه أقلية الروهينغا بالكثير من التعاطف ويعتبر أبناؤها مهاجرين غير شرعيين.
مدافعة عن منظمة عسكرية دموية
لكن في الخارج وخصوصاً في الغرب والعالم الإسلامي، ينظر لـ"سيدة رانغون" التي اعتبرت في يوم من الأيام رمزاً للسلام مثل الماهاتما غاندي ونلسون مانديلا، بأنها مدافعة عن منظمة عسكرية دموية تريد القضاء على المسلمين الروهينغا في بورما. ولذلك، حرمت سو تشي من العديد من الامتيازات التي منحت لها، كما سحبت منها جنسيتها الكندية.
وإن كان مشهد دفاع سو تشي عن بلادها أمام محكمة دولية سيلقى أصداء إيجابية محلياً، فقد يشكل ضربة قاضية لما تبقى من سمعتها الدولية.
وأوضح ديفيد ماتيسون المتخصص في حقوق الإنسان والمستقر في رانغون لوكالة فرانس برس "إن لم تستغل هذه الزيارة سوى لتحدي العالم ومواصلة الدفاع عما لا يمكن تبريره، فسيزداد المأزق تعقيداً".
اعتراف خجول
باسم 57 دولة مسلمةً، تدعو غامبيا محكمة العدل الدولية في 10 كانون الأول/ديسمبر إلى الإعلان عن تدابير مؤقتة بهدف منع حصول أية إبادة جديدة في بورما.
وتؤكد غامبيا، البلد الصغير ذو الغالبية المسلمة في غرب إفريقيا، أن بورما انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة حول الإبادات بقمعها الدموي لأقلية الروهينغا قبل عامين.
وفرّ المئات من الروهينغا إلى مخيمات آخذة بالتوسع في بنغلادش، حاملين معهم شهادات عن عمليات القتل والاغتصاب والحرائق المفتعلة التي طالتهم، وهي انتهاكات اعتبر محققون في الأمم المتحدة أنها ترقى لمستوى إبادة.
وتؤكد بورما أن تلك العمليات كانت تستهدف مقاتلين وتصرّ على أن الادعاءات بوقوع انتهاكات هي موضوع تحقيق في البلاد لدى لجان معنية. لكن المجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان تؤكد أن تلك اللجان لا تقوم سوى بتلميع صورة الانتهاكات.
واتهم فريق الأمم المتحدة كذلك سو تشي وحكومتها بالتواطؤ في العنف، ما يمثل سقوطاً مدوياً لشخصية اعتبرت يوماً أيقونة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وقضت 15 عاماً قيد الإقامة الجبرية في ظل الحكم العسكري السابق في البلاد.
لكنها رفضت بشكل قاطع الانتقادات الموجهة ضد الجيش البورمي، ومن بينها التقرير الدامغ الصادر عن الأمم المتحدة، بحجة أن العالم الخارجي لا يفهم مدى تعقيد الوضع الداخلي.
والتنازل الوحيد الذي قدمته سو تشي هو اعترافها الخجول خلال المنتدى الاقتصادي الدولي العام الماضي بأنه "كان يمكن إدارة الوضع بشكل أفضل"، غير أن ذلك لم يضع حداً للانتقادات.
وصدر بيان عن 3 أعضاء من التحالف الشمالي وهو تكتل لجماعات "جيش التحرير الوطني تانغ" و"جيش أركان"، و"جيش تحالف ميانمار الوطني الديمقراطي".
وأعرب البيان عن دعمه للدعاوى القضائية المرفوعة ضد ميانمار في المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية ومحكمة أرجنتينية تنظر في دعاوى انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق العرقية.
أعلن التحالف الشمالي استعداده للتعاون وجمع الأدلة على جرائم الحرب من قبل الجيش في ولايتي شان (شمال شرق)، وأراكان (غرب) بين أعوام 2009 و2019.
بدوره، قال ماي آيك كياو، المتحدث باسم جماعة "جيش التحرير الوطني تانغ" للأناضول، إن الجماعات لديها بالفعل معلومات وأدلة على ارتكاب الجيش الميانماري انتهاكات بحق الأقليات بمن فيهم "المسلمون البنغاليون" في إشارة إلى مسلمي الروهينغا في ولاية أراكان.
في 13 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، رفعت منظمة "روهينغا بورما" الحقوقية، المعنية بالدفاع عن مسلمي الروهينغا، دعوى قضائية في الأرجنتين، تطالب بمحاكمة زعيمة ميانمار، أون سان سو تشي؛ بتهمة "الإبادة الجماعية".
تقدمت غامبيا بالدعوى نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، وطالبت فيها المحكمة الدولية بـ"اتخاذ إجراءات لوقف الإبادة التي ترتكبها ميانمار فوراً".
قضاة المحكمة الجنائية الدولية يستعدون
ومنتصف الشهر نفسه، وافق قضاة المحكمة الجنائية الدولية على طلب من المدعين العامين بها بشأن فتح تحقيق في الجرائم المرتكبة ضد أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار.
وقالت المحكمة، في بيان، "هناك أساس معقول للاعتقاد بأن أعمال عنف ممنهجة ربما ارتكبت وقد تصل لحد جرائم ضد الإنسانية على الحدود الميانمارية البنغالية".
وأضافت: "نحن بالتالي سمحنا بإجراء تحقيق في الوضع".
وأشارت المحكمة، أنها تتمتع بالولاية القضائية على الجرائم المرتكبة جزئياً في بنغلاديش، وهي دولة عضو في المحكمة، إلا أن ميانمار ليست عضواً فيها.
ومنذ 25 أغسطس/آب 2017، يشن الجيش في ميانمار وميليشيات بوذية، حملة عسكرية ومجازر وحشية ضد الروهينغا في إقليم أراكان (راخين).