هددت المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاج النفط وإغراق السوق من جانبٍ واحد إذا استمرت "بعض" الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، في تحدي قيود الإنتاج المتفق عليها في المجموعة وزيادة إنتاجها.
جاء ذلك بعد ثلاثة أيام من تراجع أسعار النفط، عقب تقرير وكالة Bloomberg الذي قال إن المملكة غاضبة من شركائها في أوبك، لعدم التزامهم بتخفيض حصص الإنتاج.
إذ تحدث التقرير عن عدم استعداد المملكة لموازنة الإنتاج المفرط لأعضاء آخرين في الكارتل، إذ يشير تقرير لصحيفة WSJ، نقلاً عن مسؤولين في الكارتل، إلى أن الرياض "مشتعلة بالغضب، لأن أسعار النفط ما زالت عصية على الارتفاع". (الكارتل: شركة مساهمة تتولى مهمة تحديد أسعار المنتجات بالاتفاق بين المؤسسات، دولية ووطنية، وتعتبر أوبك كارتل نفطي).
إنذار مفاجئ قد تكرر به المملكة خطأ 2014
والآن قبل ساعات من الاجتماعٍ المقرر عقده بين أوبك ودول أخرى غير أعضاء في أوبك، منها روسيا، يومي الخميس والجمعة (5 و6 ديسمبر/كانون الأول 2019) في فيينا، يأتي هذا الإنذار المفاجئ الذي يعيد ذكرى ما فعلته السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
حينها، تجاهلت المملكة "أوبك" فعلياً، وغمرت العالم بالنفط على أمل إخراج منتجي النفط الصخري الخفيف من اللعبة، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك، لأنها لم تضع في حسبانها على الإطلاق تأثير الأموال الرخيصة وخطط مستثمري سندات الخردة الأمريكيين (سندات منخفضة السعر وذات عائد مرتفع؛ لأنها ذات مخاطر مرتفعة).
قد تتجاهل القوانين بسبب ضعف الأسعار
فيما يرى موقع Oil Price المتخصص بأخبار النفط والطاقة أن السعودية تحتج بأنها تعاني منافسةَ كل من ضعف أسعار النفط وأعضاء الكارتل الذين يرفضون الامتثال لخفض الإنتاج الجماعي الذي وافقوا عليه في الصيف الماضي.
نتيجة لذلك، يفكر السعوديون في اتخاذ تدابير جذرية، ومن ضمنها اتفاقية جديدة من شأنها تعميق خفض الإنتاج، على الرغم مما اشتهر عن المنظمة من أنها اعتادت تجاهل حدود الإنتاج التي تفرضها على نفسها عندما يناسب ذلك دولها الأعضاء بمفردها، وهو ما تعاني المملكة ذاتها منه الآن.
وفقاً لما أوردته صحيفة WSJ، نقلاً عن مصدر كان حاضراً خلال اجتماع فني عُقد يوم الثلاثاء الماضي، فإن مندوباً سعودياً قال إن حكومته سئمت دفع فاتورة انتفاعِ ميزانيات بعض الدول الأعضاء على نحوٍ غير مباشر، من خلال انتهاكها اتفاق "أوبك" والاستمرار في تجاوز الحد المتفق عليه لإنتاج النفط.
كما أشار المسؤول السعودي إلى أنه إذا استمر عدم الالتزام، فإن السعودية ستتجاهل ببساطة الامتثال لالتزامها، وستبدأ في إغراق السوق بدلاً من الحدِّ من إنتاجها، للمحافظة على السعر وموازنة هؤلاء الذين تخلفوا عن الالتزام بتعهدات خفض الإنتاج.
الغضب السعودي ينصبّ تجاه 3 دول محددة
تقول تقارير إن غضب السعودية موجهٌ بالأساس إلى ثلاث دول محددة، هي العراق ونيجيريا وروسيا.
وقد ظهر هذا خلال عرض تقديمي لمسؤول سعودي قال إن الدول الثلاث المنتجة للنفط لم تلتزم بالاتفاقية التي تُلزم دول أوبك الـ14 و10 دول أخرى متحالفة معها بخفضٍ جماعي للإنتاج إلى 1.2 مليون برميل.
في غضون ذلك، وفي تطور متناقض، في ظل احتدام خلافات السعودية مع العراق بسبب إنتاجها المفرط، أشار الجار الإيراني إلى أنه، إلى جانب أعضاء آخرين في الكارتل، يفضلون تعميق الخفض الجماعي للإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً. وهذا كله بالطبع مرتبط بألّا يضطر العراق نفسه إلى مزيد من خفض الإنتاج.
في حين نقلت "وول ستريت جورنال"، عن أشخاص مطلعين، أن السعودية لمحت سراً إلى أنها تدعم مثل هذا الخفض إذا تلقت ضمانات مُحكمة بأن المتقاعسين الحاليين سيحترمون الاتفاق.
ومع ذلك فإن ما بقي دون أن يتحدث عنه أحد هو أن السبب الوحيد الذي جعل تخفيض "أوبك" للإنتاج يكون على النحو الذي كان عليه ويستمر لتلك الفترة، هو أن الإنتاج النفطي والإيراني كانا قد انهارا، ليس لأنهما أرادا ذلك، لكن لأن البلدين لم يكن أمامهما خيار آخر، في ظل الحصار الأمريكي والعقوبات عليهما.
خيبة أمل أخرى تواجهها الرياض
وفي خيبة أمل أخرى للرياض، تحدثت صحيفة WSJ عن أن المملكة "كانت قد أمِلت في إبقاء هذا الخيار سراً لخلق تصاعد مفاجئ في أسعار النفط"، وأصدرت تعليمات إلى مسؤوليها بمناقشة التطورات وجهاً لوجه لا إلكترونياً خشية التسريبات، على حد قول أحد المطلعين.
ومع ذلك، فإنه بعد تقرير "وول ستريت جورنال"، انخفض سعر النفط فعلياً وسط مخاوف من ألا يكون هناك خيار أمام المملكة سوى زيادة الإنتاج، في ظل تأهبها لمواجهة أجواء عدائية متزايدة من أعضاء الكارتل.
هذا، وسط ما يتعلق أيضاً بالاكتتاب في أسهم أرامكو
من الجدير بالذكر أن المخاطر كبيرة على الرياض، إذ تأتي الخلافات بين دول الأوبك في وقت تستكمل فيه المملكة الاكتتاب العام الأولي على جزء من أسهم الشركة الوطنية للنفط (أرامكو)، وتأمل في عرض أسهم الشركة للجمهور بأعلى سعر ممكن، لكن هذا يحتاج أيضاً إلى سعر أعلى بكثير للنفط.
وفي حين أن الشركة لم يأتِ أحد على ذكرها في الاجتماع، فإن مندوباً آخر قال إن الموقف السعودي "متعلقٌ كله بالاكتتاب العام في أسهم أرامكو".
لكن، هناك منطق ربما يمنع تنفيذ التهديدات السعودية
المفارقة هنا هي أنه في حين تشكّل هدف جماعي جديد يقضي بخفض الإنتاج، لن يجعل السعودية مضطرة للقيام بمزيد من خفض إنتاجها للتوازن، كما تشتكي الآن، فإنه من غير المرجح أن يقوم آخرون بأي خفض لإنتاجهم، بحسب قول أحد مندوبي أوبك.
وكانت المنظمة أيضاً قد أخذت تدرس تمديد القيود حتى نهاية 2020 لتجنب وفرةٍ في المعروض. هناك مسألة أخرى تدعو للخوف: هي ظهور روسيا عقبةً رئيسية أمام أي تخفيضات أعمق وأطول أمداً، وفقاً لمسؤولي أوبك.
إذ قال مندوبو أوبك إن موسكو تسعى لإعفائها من خفض إنتاجها من الغاز المسال، وفي حال فشل ذلك، فإنها ستلتزم بخفض إنتاج النفط حتى مارس/آذار 2020 فحسب.
لكن ما فشلت أوبك في إدراكه هو أن سعر النفط لم يعد يحدده منتجٌ هامشي هنا أو هناك، بل التراجع الآخذ في التمدد في معدلات الطلب، ولا شيء تفعله أوبك يمكن أن يعزز ذلك.