بينما يستمر قصف قوات النظام السوري للمناطق التي توجد بها المعارضة السورية، والذي تسبب في مقتل آلاف من السوريين، لم يمنع ذلك شركات سياحة أجنبية من تنظيم رحلات سياحية لبعض المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري فيما يطلق عليه "السياحة السوداء".
حسب صحيفة The Guardian البريطانية، بدأت مجموعةٌ من شركات السياحة ومُدوِّني السفر، الذين يقدِّمون خدماتهم لزبائنهم من مُتحدِّثي اللغة الإنجليزية، إطلاق رحلاتٍ مُعَدَّة بناءً على الطلب لزيارة البلاد، و "الاختلاط بالسُكَّان المحليين، والمرور أيضاً على القرى المُدمَّرة، وزيارة المواقع الأثرية التي يسودها الدمار"، و "تجربة الحياة الليلية الكوزموبوليتانية الشهيرة التي عادت إلى وسط دمشق".
وكان 500 ألف شخص على الأقل قد قُتِلوا في الحرب، في حين فرَّ من البلاد أكثر من نصف سُكَّان سوريا، البالغ عددهم الإجمالي 22 مليوناً قبل الحرب.
السياحة السوداء في سوريا للوقوف على الدمار
وبينما يستعيد الأسد سيطرته ببطء، فإن التصوُّر السائد في بعض المناطق أن البلاد تنفتح مُجدَّداً على مشاريع الأعمال -وضمن ذلك قطاع السياحة، الذي كان مُربِحاً في الماضي.
ولا توصي أيٌّ من حكومات العالم بالسفر إلى سوريا، لأسبابٍ تتعلَّق بالسلامة، في حين يلحّ السوريون الذين تكبَّدوا ثمناً باهظاً في الحرب، على الغربيين، بألَّا يُطبِّعوا العلاقات مع النظام.
وعلى الرغم من تفجيرات السيارات بين الحين والآخر، والضربات الجوية الإسرائيلية، والشرطة السرية التي "تُخفِي" جواسيس مُشتَبَهين وأعضاءً بالمعارضة في سجون الأسد، فإن دمشق الآن آمنة نسبياً، ويتزايد الاهتمام بسياحة المغامرة في بلدٍ كان خارج إطار هذا النوع من السياحة ما يقرب من عقدٍ من الزمان.
عادةً ما يُطلَق على زيارة الأماكن المرتبطة بالموت والمآسي اسم السياحة السوداء. غير أن قضاء الإجازات في بلدٍ لا يزال من الناحية الفنية في حالة حرب، يُعَدُّ ظاهرةً جديدةً يُغذيها الأشخاص المؤثِّرون على الشبكات الاجتماعية، سعياً للوصول إلى البلدان المحظور السفر إليها وزيارة بلدان العالم الـ195 كافة.
هذه هي الأماكن التي يزورها السياح
وعادةً ما تذهب الرحلات التي تستمر أسبوعاً واحداً إلى المنطقة القديمة بالعاصمة دمشق، وقلعة الحصن، وهي قلعةٌ صليبية تعود إلى القرن الحادي عشر وتقع بالقرب من حمص، علاوة على مدينة تدمر الأثرية في الصحراء الشرقية، والتي ضربتها هجمات الخلايا النائمة لتنظيم "الدولة الإسلامية" منذ طرد المقاتلين من المنطقة في 2017.
وهناك عرضٌ واحد على الأقل من شركة Young Pioneer Tours، ومقرها الصين، للذهاب شمالاً إلى حلب، التي انتُزِعَت من المعارضة السورية في 2016 بعد معركةٍ دامت أربعة أعوام. ولا يزال أكثر من نصف المدينة مُدمَّراً.
وتتكلَّف رحلة Young Pioneer Tours مبلغاً قيمته 1695 دولاراً (1320 جنيهاً إسترلينياً)، بما لا يشمل الطيران ورسوم التأشيرة وتأمين السفر. وتسافر مجموعات السيَّاح بصحبة مرافقين حكوميين. وتواصلت صحيفة The Guardian البريطانية مع الشركة طلباً للتعليق.
وفي هذا الشهر، عرضت شركتا سياحة روسيَّتان رحلاتٍ مُشابِهة.
والتقى جوني وارد، مُدوِّن السياحة الأيرلندي، مجموعة صغيرة من السيَّاح في بيروت، واصطحبهم عبر الحدود البرية اللبنانية في رحلةٍ مدتها خمسة أيام، الأسبوع الماضي، تضمَّنَت زيارة دمشق وقلعة الحصن.
وقال وارد: "إذا كنَّا سنذهب فقط إلى البلدان التي تتمتَّع بسياسةٍ محلية وخارجية جيدة، فأين سنذهب إذن؟ هل ينتقد الناس الرحلات إلى فيغاس أو بكين أو السكك الحديدية العابرة لسيبيريا؟ كم عدد الأرواح التي تأثَّرَت بالسياسات المحلية والخارجية لتلك البلدان؟ إنني أومن حقّاً بأن السياحة على المستوى القاعدي توفِّر الدولارات لأولئك الذين يحتاجونها".
وأضاف: "وفقاً لطريقتنا البسيطة، تُعَدُّ السياحة خطوةً صغيرةً للعودة إلى الحياة الطبيعية في دمشق وغيرها من المدن… أن نزور بلداً لا يؤيِّد قادته".
اتهامات لمنظمي الرحلات بالتطبيع مع النظام
غير أن محاولات فتح سوريا مُجدَّداً للسياحة قد قوبِلَت بانتقادٍ شرسٍ من بعض السوريين.
كان بكري العبيد يدير شركة سياحة صغيرة في دمشق قبل اندلاع الانتفاضة السورية في 2011. غادَرَ موطنه في حلب حين سقطت المدينة بيد النظام منذ ثلاثة أعوام، ويعيش الآن في إدلب، التي تُقصَف يومياً بغاراتٍ سورية وروسية.
قال العبيد: "ما تفعله شركات السياحة الآن له هدفٌ واحد فقط: التطبيع مع النظام. إنهم يفعلون هذا ليُظهِروا للعالم أن سوريا آمنة وبخير، وأن الحرب انتهت".
وأضاف: "هذه الرحلات تُبيِّض وجه النظام وتجعل العالم ينسى الفظائع التي ارتكبها ضد السوريين. إنه لمن المُحبِط والمؤلِم حقّاً أن نرى السيَّاح يأتون من الخارج إلى بلدنا، في حين أن منزلك يصادره النظام ولا يمكنك العودة إليه".