قالت صحيفة The Guardian البريطانية إن النظام السوري مارس ضد سجناء قيد الاحتجاز في معتقلاته 72 صنفاً على الأقل من التعذيب، وذلك بحسب تقريرٍ يهدف لتقدير تلك الأساليب التي أسفرت عن مصرع ما لا يقل عن 185 شخصاً هذا العام وأكثر من 14 ألفاً على مدار الحرب الأهلية.
وتتراوح أساليب التعذيب الموثقة في التقرير من الحرق بالماء المغلي وتقطيع أجزاء من الجسم، مروراً بالاغتصاب وصور العنف الجنسي الأخرى، ووصولاً إلى الإهمال الطبي بما يشمل السماح للأطباء المبتدئين باستخدام السجناء للتدرُّب على إجراء الجراحات.
وتتضمن إحدى الممارسات الأخرى ترك السجناء الذين ينزلقون إلى حالات الهذيان يقيمون في نفس الزنزانات مع سجناء آخرين أفضل من الناحية الصحية.
وقال العديد من الناجين للشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي أعدت التقرير، إنَّ تقاسم الزنزانة مع مثل أولئك السجناء –الذين غالباً ما يهولوسون أو يبكون بهستيريا- كان "أسوأ من التعذيب الجسدي الذي مارسه النظام السوري بحقهم".
شهادات حية لناجين
وحددت المنظمة أساليب التعذيب من المقابلات التي أجرتها مع الناجين والشهود، وقدَّرت حصيلة القتلى جزئياً من خلال فحص أكثر من 6 آلاف صورة لقتلى سوريين كشفها مصور سابق لدى النظام معروف بالاسم المستعار "قيصر".
وأشارت المنظمة إلى صور قيصر، التي جرى تهريبها من سوريا في وحدات ذاكرة فلاشية مُخبَّأة في حذائه، ولم تُقدِّم المقابلات إلا لمحة بسيطة عن العدد الحقيقي لأساليب التعذيب التي يستخدمها النظام، وقالت الشبكة إنَّ هذا العدد "على الأرجح أعلى بكثير"، تماماً كما هو الحال بالنسبة لحصيلة القتلى.
وادعت إحدى روايات الشهود أنَّ ضباط السجن استخدموا مؤخرة قنبلة يدوية لتكسير أسنان صبي معتقل يبلغ من العمر 15 عاماً.
ويقول الشاهد، الذي يُعَد هو نفسه أحد الناجين من التعذيب: "في إحدى المرات، رشوا على كامل جسد (الصبي) مبيداً حشرياً (بيف باف)، وأشعلوا النار فيه، ثُمَّ لفوا جسمه بالشاش، وبين الفينة والأخرى كانوا يرفعون الشاش ويقومون بتقشير جلده بالشفرة ثم يضمدونه بالشاش مرة أخرى".
النظام السوري ينفي.. والأرقام تثبت الحقيقة
فيما نفى النظام السوري باستمرار مزاعم تعذيبه الممنهج للسجناء. وكان النظام قد صدَّق على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب عام 2004 كجزءٍ من موجة التحرُّر المزعومة التي شرع بها الرئيس بشار الأسد في سنوات حكمه الأولى.
وثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان كذلك 57 حالة وفاة من جرَّاء التعذيب على أيدي المجموعات الإسلامية المتطرفة، و43 حالة على يد المعارضة المسلحة لنظام الأسد، و47 حالة على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً.
وقالت إنَّ 14131 شخصاً تعرَّضوا للتعذيب حتى الموت إلى الآن على يد الحكومة. وأضافت: "لم ينقضِ أي شهر من جميع تلك السنوات منذ 2011 دون أن نسجل عشرات الوفيات بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، الذي لا يزال مستمراً في ذلك حتى الآن".
ويُقدَّر بأنَّ نحو 1.2 مليون سوري، أو شخص من كل 18 من السكان، تعرَّض للاعتقال أو الاحتجاز في مرحلةٍ ما خلال الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد منذ قرابة 9 سنوات. ووفقاً لقاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يُفتَرَض أنَّ 127 ألف شخص على الأقل إما لقوا مصرعهم أو لا يزالون قيد الاحتجاز.
مخزون صور يثبت جرائم النظام
وكانت صحيفة The Guardian البريطانية كشفت عن وجود مخزون صور قيصر الذي يضم أكثر من 55 ألف صورة في يناير/كانون الثاني 2014.
ووثَّق المصور السابق لدى الشرطة العسكرية مقتل نحو 11 ألف محتجز قبل أن ينشق ويفر من البلاد.
وقد صدمت صوره، التي التُقِطَت في الفترة بين مارس/آذار 2011 وأغسطس/آب 2013، العالم وباتت تُعتَبَر دليلاً ضرورياً محتملاً لأي ملاحقات قضائية مستقبلية لمسؤولي نظام الأسد تتعلَّق بارتكابهم جرائم حرب.
وتعمل مجموعات، من بينها اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة، وهي منظمة غير حكومية مُموَّلة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، منذ سنوات من أجل جمع وحفظ الأدلة التي قد تُستخدَم في الملاحقات القضائية الدولية ضد المسؤولين السوريين مستقبلاً.
وصدرت العام الماضي مذكرات توقيف دولية بحق علي المملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري سابقاً، وجميل الحسن، مدير المخابرات الجوية السابق.
وألقت الشرطة الألمانية القبض على ضابطَي مخابرات سورييْن سابقين في فبراير/شباط الماضي للاشتباه بتورُّطهما في التعذيب وجرائم ضد البشرية، وهي المرة الأولى التي يُلقي فيها محققون جنائيون غربيون القبض على ضباط تعذيب مزعومين يعملون لصالح الأسد.