كشف تحقيق مصوّر عن شرب ملايين العراقيين في العاصمة بغداد مياهاً غير صالحة للشرب، وأزال الستار عن حجم الملوثات التي تضخها أنابيب منشآت حكومية يومياً في مياه نهر دجلة.
وقال موقع "الجزيرة.نت"، اليوم الأحد 13 أكتوبر/تشرين اﻷول 2019، إن التحقيق المصوّر الذي أنجزه، اعتمد على على وثائق وتحاليل مخبرية لعينات من مياه دجلة، وملاحقة الأضرار الناجمة عن تلوث النهر، والتي ساهمت في ارتفاع نسب الأمراض التي تسببها المياه الملوثة وأصابت عراقيين بأمراض جلدية معدية.
ونقل الموقع عن باحثين قولهم، إن تلوث المياه يُعرف بأنه "إضافة أي عنصر كيميائي يغير من طبيعة الماء"، وقد أثبت هؤلاء بالتحاليل وجود ملوثات كيميائية في المياه التي تنتجها أمانة بغداد وتوزعها على السكان.
الرصاص في المياه
وتم الرجوع إلى نتائج المختبرات العراقية التي حللت العينات، وأفادت هذه الأخيرة بأن نسبة الرصاص في العينات المختبرة من مدينة الطب، هي عشرة أضعاف الكمية التي تسمح بها منظمة الصحة العالمية، علما بأن الرصاص هو المسبب الأول للسرطان.
وبحسب التحقيق فإن النتائج المخبرية بينت أن عشرات الأنابيب الضخمة تصب في نهر دجلة على نحو يومي، حاملةً مخلفات غير معالجة لمستشفيات ومخابر ومصانع.
وعرض التحقيق قائمة – بالاستناد إلى وزارة البيئة العراقية – للجهات الرسمية التي تلقي مخلفاتها في النهر، وهي:
وزارة الإعمار والإسكان بمقدار 4 ملايين متر مكعب.
وزارة الكهرباء بمقدار 2.5 مليون متر مكعب.
أمانة بغداد بمقدار 1.4 مليون متر مكعب.
وزارة الصحة بمقدار 80 ألف متر مكعب.
وزارة النفط بمقدار 23 ألف متر مكعب.
وزارة الصناعة والمعادن بمقدار 9 ملايين متر مكعب.
أما المدينة الطبية الواقعة في وسط بغداد والتي تضم العديد من المستشفيات والعيادات الطبية، فإنها تساهم بشكل كبير في هذا التلوث.
أمراض بسبب المياه الملوثة
وقال رئيس قسم البيئة في جامعة الكرخ الدكتور إبراهيم السوداني: "تصور أن مستشفى يطرح دماء، وعازلات بكتيرية، وفضلات بشرية كان يجب أن تذهب إلى معالجات خاصة. هذا العمل قد يرقى إلى عمل إجرامي، أن تطرح مياه مستشفيات (في النهر) دون معالجة".
وأكد إبراهيم وجود "عنصري الرصاص والنيكل اللذين كانا مرتفعين، ومتأكد أننا إذا أجرينا فحصا لعناصر أخرى فستظهر بعض العناصر مرتفعة. الرصاص وحتى النيكل إذا تراكم يسبب سرطانات".
وقال موقع "الجزيرة. نت" إنه حصل على مراسلات بين وزارة الصحة ودائرة أمانة بغداد، المسؤولة عن توفير مياه الشرب لسكان العاصمة العراقية، تضمنت نتائج تحاليل عينات مائية أخذت في النصف الأول من عام 2019.
واحتوت المراسلات على تحذيرات من انتشار الأمراض المنقولة عن طريق الماء بسبب ارتفاع نسب الفشل في العينات المفحوصة من الناحية البيولوجية والكيميائية والفيزيائية.
ويكتفي القانون العراقي بفرض غرامات مالية يعتبرها القانونيون غير رادعة ولا تحمي مصادر المياه، حيث ينص قانون العقوبات رقم 89 لعام 1981 على الحبس لمدة سنة والغرامة التي تصل إلى مليون دينار عراقي لمن يثبت عليه تلويث مصادر المياه.
وعرض التحقيق حالة لطفل يدعى سجاد، ويُعد ضحية شرب ماء ملوث، حيث ظهر طفح جلدي غطى أغلب بشرة جسده.
وقد قال رشيد رحيم عم الطفل سجاد: "راجعنا طبيبا أو اثنين، وأرجعوا السبب إلى تلوث المياه.. ليس لدينا حل، هذا حالنا"، وأردف شارحا "سجاد تعبت نفسيته. لا طفل يلعب معه، يخاطبه الأطفال دائما: ابتعد، ابتعد لا تعديني".
احتجاجات ضد الحكومة
وشهد العراق احتجاجات ضخمة مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019، بدأت من العاصمة بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات جنوبية، وتستمر لمدة أسبوع.
ووقع خلال الاحتجاجات نحو 120 قتيلا، بينهم عدد من أفراد الأمن، فضلا عن إصابة أكثر من 6 آلاف آخرين، فيما أقرت الحكومة باستخدام قواتها العنف المفرط ضد المحتجين، وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عن العنف.
ولاحقا رفع المتظاهرون سقف مطالبهم، ودعوا لاستقالة الحكومة، إثر لجوء قوات الأمن للعنف، فيما أصدرت الحكومة حزمة قرارات إصلاحية في مسعى لتهدئة المحتجين وتلبية مطالبهم، بينها منح رواتب للعاطلين عن العمل والأسر الفقيرة، وتوفير فرص عمل إضافية ومحاربة الفساد وغيرها.