يستعد رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، لإعلان نجاح برنامجه الرائد للصرف الصحي، في إنهاء ظاهرة التغوط بالأماكن المفتوحة في الهند، على الرغم من الاتهامات القائلة إن هذا المخطط قد أثار وقائع عنف وسوء معاملة.
وذكرت الحكومة أن مودي سيعلن ذلك، يوم الأربعاء 2 أكتوبر/تشرين الأوّل الحالي، خلال فعالية في ولاية كجرات الهندية التي تُعد مسقط رأسه، وذلك بحضور 20 ألف شخص من رؤساء القرى وشخصيات دولية رفيعة المستوى، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، اليوم الإثنين 30 سبتمبر/أيلول 2019.
الحقيقة القاتمة وراء نجاح برنامج "الهند النظيفة"
لكن مزاعم مودي بشأن نجاح برنامج "الهند النظيفة" تخفي وراءها حقيقة قاتمة، إذ تناولت تقارير حالات الترويع، والتحرّش، والعنف التي انطوت عليها الخطّة.
فخلال الأسبوع الماضي، تعرّض طفلان من الطبقة المنبوذة في البلاد لضربٍ أفضى إلى الموت، بسبب التغوّض في الخارج.
وكان هذا البرنامج قد انطلق في عام 2014، وحفّز موجة من عمليات بناء المراحيض، إذ شهدت السنوات الخمس الأخيرة بناء أكثر من 100 مليون مرحاض.
وشارك ساسة ونجوم بوليوود في حملات دعائية حكومية ضخمة للترويج لهذا المخطط، وخرج أطفال المدارس الريفية في مسيرات بأنحاء القرى وهم يتغنّون بأناشيد حول المنافع التي ينطوي عليها القضاء على التغوط في الأماكن المفتوحة، على الصحة العامة.
وتشير عديد من الدراسات الحكومية والمستقلة إلى انخفاض معدّلات التغوط في العراء بشكل كبير.
ومع ذلك، لاحقت الانتقادات النهج المبالَغ فيه الذي ينتهجه العاملون الحكوميون، والمتطوعون، والحرّاس الأهليون الذين يستخدمون أساليب قسرية لمساعدة جهود الحكومة.
بعد أن تسببت في مقتل أطفال
فقد أفادت محطة إخبارية هندية بأن الطفلة التي كانت تبلغ من العمر 12 عاماً والصبي الذي كان يبلغ من العمر 10 أعوام، ولقيا مصرعهما الأسبوع الماضي، في ولاية ماديا براديش، كانا يعيشان بكوخ صغير من دون مرحاض، في قرية أعلنت الحكومة خلوّها من ظاهرة التغوّط بالعراء خلال شهر أبريل/نيسان من العام الماضي.
وقال والد الصبي، ويدعى مانوج فالميكي، لشبكة الجزيرة، إن الطفلين لقيا حتفهما بعد مشاجرة استُخدمت فيها إساءات طبقية بحق الأسرة، وقالت أم أحد الطفلين في حديثها إلى مجلة India Today: "كانا يتغوطان بالعراء، ومن أجل ذلك قُتلا".
وقد أدى بناء المراحيض إلى تقدم كبير في مجال الصرف الصحي؛ إذ كشفت دراسة مستقلة أجريت على أربع ولايات أجراها معهد اقتصاديات العمل (IZA)، أنه في الفترة بين إطلاق البرنامج ونهاية عام 2018، انخفض عدد الأشخاص الذين اعترفوا بالتغوط في العراء من 70% إلى نحو 40% إلى 50%، وهو ما يعني انخفاض التغوط في العراء بمتوسط 4% أسرع من الوقت الذي سبق انطلاق البرنامج.
وهناك من يشير لفشل المشروع
وقال أحد الباحثين الذين شاركوا في الدراسة، إنه "من غير المحتمل" أن يكون استخدام المرحاض قد زاد بشكل كبير منذ نشر التقرير، لأن المسؤولين الحكوميين المحليين أمضوا معظم الأشهر القليلة الماضية، في تنظيم الانتخابات الهندية، التي جرت في مايو/أيار الماضي.
وقد عارضت الحكومة الهندية التقرير، إذ قالت إن معدلات استخدام المرحاض في المناطق الريفية بلغت 93.4%، واتّهم أكاديميون وأحزاب معارضةٌ الحكومة بـ "التلاعب بالبيانات" لتحقيق أهداف الحكومة الطامحة.
وقال أكثر من نصف الذين أُجريت معهم مقابلات إبان إجراء دراسة ميدانية حديثة، إن البرنامج أدى إلى إساءة معاملة الأفراد.
وسرد أحد التقارير المتعلّقة بالأمر عدداً من الحوادث المقلقة؛ إذ أظهر أحد المقاطع امرأة تصرخ بينما يجرّها "أشخاص متأثرون بالبرنامج" في قريتها بسيارة.
وأظهر مقطعٌ آخر رجالاً يُمسكون بآذانهم ويجلسون على الأرض ومِن حولهم ضباط الشرطة والموظفون الحكوميون، كعقاب على التبرّز في أماكن مفتوحة.
وسردت الدراسة أيضاً تقارير أوردتها وسائل إعلام محلّية توثق الهجمات ضد من مارسوا التغوّط في العراء، وأظهرت لافتات بإحدى المناطق كُتب عليها تحذيرٌ مفاده: "إذا تبرزت في العراء، فستنال الموت قريباً".
وقالت سانجيتا فياس، وهي زميلة باحثة بمعهد رايس: "لكي تحرز مبادرة الهند نظيفة تقدماً هائلاً، كان يتعين عليها معالجة التسلسل الهرمي الطبقي والمعتقدات المتعلّقة بالنظافة والتلوث، وقد تبيّن لنا تفاقم التسلسلات الهرمية الطبقية، إذ يُستخدم الصرف الصحي على أنه وسيلة تقمع بها مجموعات النخبة المجتمعات المهمّشة".
وأثيرت كذلك مخاوف في تقرير أعدّه العام الماضي ليو هيلر، المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة والصرف الصحّي، إذ كتب: "في نتيجة غير مقصودة للرغبة في الحصول على مكاسب، وضمن ذلك شعار مكان خالٍ من التغوّط في الأماكن المفتوحة، ظهرت -على ما يبدو- بعض الممارسات العدوانية والمسيئة".
كما أن الحكومة نفسها اعترفت بالإساءة
وذكر هيلر أيضاً أن الحكومة الهندية "اعترفت بوجود إساءات ذات صلة بتطبيق خطة الهند نظيفة، وأطلقت ما لا يقل عن تحذيرين في كل الولايات يؤكدان ضرورة إيقاف مثل هذه الممارسات".
وعلى الرغم من الخطى الاقتصادية السريعة في العقود الماضية، تخلفت الهند عن البلدان الأخرى بمجال الصرف الصحي، وجادل أكاديميون بأن ممارسة التغوط في العراء ظلّت موجودة، لأن تنظيف المراحيض يُنظر إليه على أنه عمل تمارسه الطبقات الاجتماعية المنبوذة في الهند.
وقد حدثت واقعة مقتل الطفلين بولاية ماديا براديش بعد ساعات من حصول مودي على جائزة في نيويورك من مؤسسة Bill and Melinda Gates Foundation نظير برنامج "الهند نظيفة".
وقوبلت أخبار الجائزة باحتجاجات وأُثيرت من جديدٍ المناقشات حول الدور الذي لعبته الحكومات الغربية والمنظمات الخيرية في تحسين صورة مودي.
ودفع ذلك إحدى موظّفات مؤسسة Gates، وتُدعى صباح حامد، وكانت تعمل في مكتب المنظّمة بالهند، إلى الاستقالة؛ احتجاجاً على الأمر.
وفي حديثها لصحيفة The Guardian البريطانية بشأن قرارها، قالت صباح إنها كانت "مرتابة" عندما علمت بشأن الجائزة، وأضافت: "بدا الأمر مخالفاً لكل ما تعمل عليه المؤسسة وتزعم الإيمان به".
وخلال حفل توزيع الجوائز، تحولت خريطة الهند المعروضة على إحدى الشاشات إلى اللون الأخضر، في إشارة إلى أن البلاد صارت بصدد الخلوّ من ظاهرة التغوّط في العراء بحلول 2 أكتوبر/تشرين الأوّل.
وأظهر مقطع فيديو عُرِض على خشبة المسرح اقتباساً من كلمات الأب المؤسس للهند، المهاتما غاندي، بينما يقول: "الصرف الصحي أهم من الاستقلال السياسي".
وقالت صحيفة The Guardian إن مؤسسة Gates لم تردّ على طلبات التعليق، ولكنها قالت في تصريح سابق: إنه "قبل مبادرة الهند نظيفة تعذّر حصول أكثر من 500 مليون شخص في الهند على خدمات الصرف الصحي الآمنة، والآن، صارت الأغلبية تتمتّع بتلك الخدمات، ولا يزال الطريق طويلاً، لكن آثار الوصول إلى خدمات الصرف الصحي في الهند قد صارت ملموسة بالفعل".
وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أن وزارتي الخارجية والداخلية في الهند لم تردّا على بريد إلكتروني يطلب تعليقهما على الأمر.